فرح مرقه
يبدو السؤالان مربكان، فالملك عبد الله الثاني حين يغرد يبقى ملكاً وله ان يلاحظ على شعبه، وصفته تبقى الصفة الملكية، ولكن السؤال يصبح أكثر وضوحاً إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن تغريدة الملك والتي تلاها رئيس وزرائه رجل القانون والدبلوماسية الدكتور بشر الخصاونة، جاء بعدها بيان رئيس هيئة الأركان المشتركة وقائد الجيش الجنرال يوسف الحنيطي والتي حملت عبارة مثيرة للقلق عنوانها “سنضرب بيدٍ من حديد”.
بهذا المعنى، بدا أن القائد الأعلى للقوات المسلحة هو من غرّد على وجه الخصوص، رغم ان التغريدة كانت تتحدث عن إعمال القانون، الأمر الذي لم يكن واضحاً انه على رادار الحكومة حتى الساعة التي غرّد فيها عاهل البلاد، حيث اقتصرت تصريحات السلطة التنفيذية طوال يوم الأربعاء على تجميل صورة الانتخابات والمجاملات الاستباقية للسلطة التشريعية.
إشكاليات المشهد كثيرة ومتعددة، والمؤتمر الصحفي بتفاصيله كان مليئا بما يمكن وصفه تندّراً “الأخطاء والعثرات” رغم ان الأخطاء مع أهم ثلاث رجال في الدولة بعد الملك تكاد تكون أكثر جدّية بكثير من “أي ظرافة”.
هنا يمكن البدء أولا بالسؤال عن لماذا أصلا تحركت الحكومة بعد تغريدة الملك فقط، رغم ان البلاد ضجت بالصور والفيديوهات والتعليقات والاستنكارات على مدار يومين؟.
الجواب يعرفه كل من التقى وزيرا في حياته، فهو الرغبة في ان “يقود الملك أي خطوة كبرى” في البلاد، وهذه ثقافة بدأت منذ عدة حكومات وترسّخت جداً بعهد رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز تحت عنوان “وضع الملك في واجهة الاجراءات”، ثم اللحاق بما يغرّد به، وهنا وبحسب ما سمعتها من عشرات الوزراء ورؤساء الوزراء “يأخذ الملك الكريديت” credit، بمعنى يكسب عاهل البلاد محبة الشارع وكأن الامر مكان تساؤل اصلا.
إشكالية هذه الطريقة انها مجددا تعكس جهل مستشاري الملك والوزراء الجدد بالشارع وبُعدهم حتى عن سيكولوجيا الأردنيين وعن لغات الاتصال، والرسالة التي تصل الأردنيين من هذه الطريقة بإدارة الأمور بالبلاد، فهي تُظهر الملك وكأنه بحاجة لهندسة “ساذجة وبسيطة” من هذا النوع ليحظى بالشعبية. الحقيقة هنا التي اعرفها كأردنية انه لا يحتاجها.
من جهة ثانية، وضع الملك بواجهة كل الاحداث، بدءا من كل التفاصيل وليس انتهاء بملف الانتخابات ومرورا بملف طفل الزرقاء وغيره، يعني ان الملك أيضا بواجهة الاحداث السلبية في البلاد، ويعني بالضرورة ان يتحول من “مصان من كل تبعة ومسؤولية” كما هو بالدستور لمُساءل ومسؤول عما يجري.
ازمة هذه الطريقة اللاحقة انها تعيد التأكيد على ان المسؤول الأردني المدني ضعيف ويجبُن عن اتخاذ القرارات ويحتاج لأن يتحملها الملك عنه، وهنا يبقى الخيار الوحيد الجيش، وبهذه الصورة تماما ظهر المؤتمر الصحفي. بصورة لا تليق لا بالساسة ولا بالدولة ولا حتى بالجيش العربي.
الجنرال الحنيطي بدا حازما حزم العسكر وهو يتحدث وهذا طبيعي، ولكن غير الطبيعي ان يضطر من الأصل الرجل للحديث في مناسبة امن داخلي وبعد ان اندمج الدرك بالأمن بكل التشكيلات الأمنية الداخلية واستبشر الأردنيون خيرا بذلك، في الوقت الذي يفترض ان يتفرغ فيه الجيش لحماية الحدود ومن العدوان الخارجي.
الجيش الذي يحبه الأردنيون مدرب على قتال الأعداء، ولغته كذلك، وتوجيهه للداخل يخلق ازمة لا يستحقها لا الجيش ولا الأردنيون، فالضرب بيد من حديد لغة قاسية جدا على شعب منهك ومطحون في ازمة كورونا، ولا ذنب له بقرارٍ يعتبره كثيرون “أرعن” بإجراء الانتخابات في وقت ترتفع فيه اعداد إصابات كورونا ولا يملك الأردن موارد طبية كافية.
لاحقا يظهر مدير الامن الجنرال حسين الحواتمة وهو يتساءل عدة تساؤلات منطقية ومهمة، ويتساءلها كل الأردنيون، وافترضنا ان معه الإجابات بخصوص قطع السلاح والذخائر وغيرها وتوافرها في الشوارع وثمنها، لينتقل ليغلّب “أردنيته التحليلية” ويتساءل عن سيكولوجيا الاب الذي منح لطفله رشاشا لـ “يطخ بالهواء” ثم يفاجئنا بالاسئلة التي تظهر “استخفافاً كبيراً ومسبقاً” بأعضاء مجلس النواب الطازج والذي لم يلتئم بعد، وهو يسأل “كيف سيثق الناس بنواب كهؤلاء” ويقصد من اطلقوا العيارات النارية واسهموا بالتجمعات.
طبعاً نفهم ان الرجل أراد ان يقول ان لا احد فوق القانون، وكأردنية وصحفية فتساؤلات الجنرال الحواتمة محقة، ويسألها الأردنيون كلهم وذلك واضح بنسبة الاقتراع التي لم تصل ثلث الأردنيين (29%)، ولكنها حين تصدر عن رجل امن تعني ان الحابل اختلط بالنابل وان السلطات تتداخل وتمتزج بصورة صعبة ومعقدة، وتعيد للاردنيين سؤال: اذا ما كان مجلس النواب لا يلق الاحترام لدى رجال الدولة لماذا “صرعتونا” بالانتخابات، وفي وقت ينشغل فيه الأردنيون بقوت يومهم والقلق من فايروس يتفشى بينهم؟.
أدرك جيداً ان خطة “سحب الأسلحة” من الشارع موجودة منذ زمن لدى الدولة، ودندن على وترها وزير الداخلية السابق سلامة حماد طوال العام الماضي، وأدرك أيضاً ان الدولة ترغب باستغلال هذا التوقيت لـ”نفض البلد” من بعض الظواهر المستشرية وهذا محترم ومقدّر، ولكني هنا اريد فقط ان اطلب للجميع ان يقوم بذلك بتروٍّ، فالخشونة مع شارع مأزوم أصلا قد لا تحمد عقباها، وهنا- لاسمح الله- سيتضح تماما كم أخطأ من صدّر الملك والجيش وسخّف النواب وقلّل من صلاحيات الحكومة.
*صحفة أردنية مقيمة في برلين