احتجاز "الواقع" وسط غابة من التضليل الإعلامي

ثلاثاء, 11/03/2020 - 09:26

إن أكبر السمات والخصوصيات التي أصبحت لصيقة بزمن الألفية الثالثة هي عولمة التكنولوجيا الرقمية (Digiral technology)، وانتشار الهواتف الذكية وإحلالها محل "التلفزيون" كمصدر لمشاهدة القنوات الإعلامية الفضائية، وتتبع الأخبار بالمباشر، بل إن وجود هذا الجهاز الأخير داخل الدور أصبح بالكاد متجاوزا بفعل تصدر الميديا الشعبية (Popular Media) واجهة الأحداث بكل صورها، الملفقة منها والمزيفة والمغرضة (Fabricated; Fake; Adverse)، فبمجرد وقوع حادث أو واقعة أو صدور نبأ، تنقض عليه شبكات التواصل الاجتماعي (Social Networks) إما للمزايدة والتعتيم أو "التصحيح" أو التضليل لخدمة أجندة معينة. فيحار المرء، وسط هذا الدغل والكم الهائل من الأخبار وأشرطة الفيديو القصيرة، أي جهة أو مصدر يمكن اعتماده والوثوق به. حتى إن المواطنين، ومن فرط استهلاكهم لمواد هواتفهم الذكية، منقسمون في آرائهم ومواقفهم وقناعاتهم تجاه حادث أو نبأ معين، بين مشكك وزاعم ومصحح. فيتحول الحادث الواحد، في حد ذاته، إلى عدة أحداث، ما بين التمويه والفبركة والتعديل.

وبالنظر إلى توفر البرانم والتطبيقات الخاصة بالتعامل مع الصورة والفيديو، صار في المتناول وبكل يسر تمويهها وعرضها بالمواصفات التي يرغب فيها الشخص، ولعل أقربها إلى الاستعمال محل الصورة (Photo Shop).

شبكات التواصل الاجتماعي أو وسائل التضليل (Disinformation)

بعد وقت قصير من هجوم ويسمنستر بريدج الإرهابي عام 2017، تم نشر صورة على وسائل التواصل الاجتماعي لامرأة بزي إسلامي كانت على ما يبدو تمر بجانب الضحايا مع تعليق مصمم لإذكاء المشاعر المعادية للإسلام، تم تداوله على نطاق واسع، كما أن حوادث التسمم في ساليزبوري عام 2018 تم تداول العديد من المزاعم عبر شبكة الأنترنيت لإلقاء اللوم فيها على أجهزة الأمن في المملكة المتحدة، وتنسحب آثار هذا التضليل الإعلامي أيضا على الانتخابات الأمريكية سنة 2018، لعبت فيه المنشورات الملتهبة على وسائط التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في بث الشعور بالقلق بشأن اقتراب "المهاجرين" من السلطة، حيث قدمت الادعاءات الكاذبة للتأثير على سلوك الناخبين وإثارة مشاعر التطرف لديهم بخصوص العمليات السياسية، أو زرع بذور عدم الثقة والارتباك في الرأي.

التلاعب بالرأي العام

في استقصاء صحافي جرى مؤخرا، تم الكشف عن حالات محددة من المعلومات المضللة، ومن البلدان المدرجة في هذه الحالات أفغانستان، ألبانيا، الجزائر، العراق، إسرائيل، ليبيا، المكسيك، المغرب، باكستان، قطر المملكة العربية السعودية، جنوب إفريقيا، إسبانيا، السودان، سوريا، تونس، الولايات المتحدة، اليمن...

وقد دأب العديد من الزعماء السياسيين على التعبير عن امتعاضهم وتأففهم واستنكارهم لصور التشويه والتضليل التي تطال تصريحاتهم وأحيانا تزويرها وإخراجها من سياقاتها الأصلية، لا سيما إن كانت مواكبة لحملة انتخابية أو مقبلة عليها.

قضية التطرف الديني والتضليل الإعلامي

كم يحرص القارئ والمتتبع عموما على مشاهدة حية (Live) لواقعة حدث معين، كما تبثها القنوات الهوائية الرسمية، لكن بدلا من ذلك يفاجأ بصور وأشرطة ذات صلة بالحادث، ولا تعبر سوى عن جزء يسير منه، حتى تكاد تخرجه من سياقه الأصلي لتظهره بصورة مناهضة للسلطات المحلية أو منددة بالفاعلين، بهدف بث رسالة إلى الرأي العام بضراوة الإرهاب وصوره البشعة، وفي آن تأليبه على كراهية هذه العقيدة أو تلك.

فعلى سبيل المثال، حادث نحر الأستاذ الفرنسي لم يقف له المشاهد على صور حقيقية مباشرة، لكن وجد أمامه بدلها صورا وأشرطة مفبركة بالجاني حاملا مدية ومحاصرا بأفراد من الشرطة يطلقون الرصاص (الحي أو المطاطي) عليه إلى حين الإمساك به وتقييد يديه وهو في وضعية بين الموت والحياة، مثل هذه السيناريوهات عديدة بفعل خطورة انتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي أضحت، بمعنى أو آخر، أداة للتحريض والتلفيق والتزوير والتضليل والتحريف، وفي آن أصبحت أداة طيعة في أيدي الحكومات للتأثير على توجهات الرأي العام أو في ردها على تيارات شعبوية مناهضة لسياساتها. الرئيس الفرنسي إمانويل مكرون على قناة الجزيرة الإخبارية زعم أن تصريحاته السابقة طالتها القراءات المغرضة وسوء الفهم، كما شجب الإعلام المضاد الذي يذهب في اتجاه فبركة الصور والوقائع للإساءة إلى جهة معينة.

الفيديو

تابعونا على الفيس