كان رسول الله محمد عليه السلام آخر الأنبياء والرسل، وقد حمله الله مسؤولية أن يتمم نعمته على أمته، وأن يجعل من دين الإسلام آخر الخواتم. وبالفعل بلغ رسول الله الرسالة وأدى الأمانة، ويبقى علينا نحن كأمة الإسلام أن نحافظ عليها، وأن ندافع عنها. لكن كيف نحافظ؟ وكيف ندافع؟ وهل المسلمون يظهرون بالفعل أنهم في مستوى هذا الدين الحنيف في أخلاقهم وفي تعاملاتهم، أم أنهم على غير ذلك ينفجرون غضبا ورياء عندما تكون هناك محاولات للمس برموز الإسلام، ونظهر بشكل موسمي إسلامنا الفلكلوري ونحن في حالة انفعال؟ ومن جهلنا بالأمور أننا ندافع بأساليب تتنافى مع قيم هذا الدين، فعوض أن نُحسّن صورة الإسلام، نساهم في تشويهها ونعطي الفرصة للمتربصين بهذا الدين وبنبيه.
ونقول إن كان المدافعون عن الإسلام من هذه الطينة، وهم بالفعل كذلك، فهذا الدين ونبيه منكم براء، بل أنتم أول من يسيء إلى ديننا الحنيف قبل أن يسيء إليه أعداء الإسلام. فليست العبادة أن تولوا وجوهكم نحو الكعبة أو المسجد الحرام، وإنما في المعاملات، ورسالة النبي عليه السلام تؤكد على أن الدين المعاملة. ولا يجب أن نقف عند حدود الشكليات ونختزل العبادة في الصلاة ونتطهر كما نتعطر يوم الجمعة ونرمي السجادة على الكتف للذهاب إلى الصلاة في المسجد. لكن مع أول خطوة في عتبة المسجد يتبدد الخشوع، ومنا من يعود إلى مقر عمله بعد الصلاة، ومنا من يتخذها معبرا للتخلص من ذاك الذي يجب أن نستحضره مباشرة بعد أداء الصلاة وهو أن العمل عبادة.
ولست من أولئك الذين يعممون الأحكام ويطلقونها على عواهنها، فمن المؤمنين من أصلحهم الله وهداهم إلى فعل الخير على قدر ما هم عليه من واجب نحو الدين ونحو أمة المسلمين "فاتقوا الله في عباد الله". وهؤلاء لا مؤاخذة عليهم ولا حرج عليهم فهم المتقون. ولكن أشد الناس كفرا ونفاقا أولئك الذين تسند إليهم أمور الناس للحيتهم ولجلبابهم ويقولون ما لا يفعلون كمثل ذاك الذي انبرى تحت قبة البرلمان وظهر مظهر الزاهد المتعفف واستشهد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان بطنه يحدث أصواتا من كثرة ما أكل الخبز بالزيت "قرقري أو لا تقرقري لن تذوقي طعم اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين". وها هو صاحبنا اليوم بعد أن تسيد المشهد السياسي، يزهو ولم يعد بطنه يقرقر ويشكر الله على نعمه التي لم يعد قادرا على أن يحصيها. هذا هو الإسلام السياسي الذي يسيء إلى دين محمد عليه السلام.
أما تلك الرسومات وتلك الأفلام السينمائية وبعض الإصدارات الغربية التي تحاول النيل من الإسلام أو نبيه محمد عليه السلام، فيجب التعامل معها وكأنها زوبعة في فنجان ولن تؤثر على هذا الدين الحنيف. كما أن الرسول عليه السلام أكبر من أن تناله تلك التي نقول عنها إساءات. فهذا نبي الله ورسوله، وليس بحاجة لمن يدافع عنه، فالرسالة التي حملها إياه الله رسالة تتحدث عن نفسها، رسالة القيم والأخلاق، رسالة تنبذ العنف. ونحن غير قادرين على أن نمرر هذه الرسالة ولا أن نحافظ عليها. معركتنا مع أهل الكفر واضحة، فهم ينطبق عليهم قوله تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون". إذن كيف يمكن أن نواجه هذه المعركة؟
مواجهتنا في هذه المعركة تنحصر في واجهتين:
1 ـ المعركة في مواجهة أنفسنا: لا يمكن أن نواجه أعداء الإسلام والرسول، والعدو منا وفينا. فهل كل من يسمى مسلما يتبع حقا تعاليم هذا الدين ويسترشد بالسيرة النبوية، أم أنه اسم بدون مسمى، وقد ورث هذا الدين لأنه وجد في بيئة يقال عنها بيئة إسلامية، يسمع فيها القرآن ويرفع فيها الآذان وتلقى فيها خطب صلاة الجمعة وتحيى فيها أعياد دينية ونموت بالجوع لكي يقال عنا صائمون ونذبح الخرفان في عيد الأضحى ولا نعلم أبناءنا ما هي الغايات العطرة من ذلك العيد ولا فرق بيننا وبين ذلك الذي يحمل أثقالا ولا يعرف ماذا يحمل؟ فالإسلام أكبر من ذلك الذي نتظاهر به. الدين رسالة من القيم والمبادئ، وأين نحن من تلك القيم ومن تلك المبادئ. فسلوكنا يشهد علينا، ومن خلاله نورط الإسلام ونظهره لغير المسلمين على غير وجهه الحقيقي. مرة أخرى، مشكلتنا مع الإسلام السياسي وليس مع الإسلام كدين. ديننا الحنيف يدعو إلى التسامح والتعايش "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، لكن الداعشي منا يناقض هذا المبدأ ويرسل رسالته إلى الغرب كما يفهمها الإنسان الغربي بأن الإسلام دين دموي يحث على القتل. هذه هي الصورة النمطية التي لا يمكنك محوها من الوعي السائد عند الغرب. فنحن السبب في ترسيخ هذا المفهوم.
2 ـ المعركة في مواجهة الغرب: مبدئيا القيم السائدة في العالم الغربي منها ما هو مبني على الحضارة المادية، ومنها ما يستمد جذوره من القيم الإنسانية، التي هي قيم مشتركة بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وعرقهم وأديانهم. لكن ليس كل ما هو غربي يجب الأخذ به أو رفضه في مجمله. وهو ما يعني أن هناك قنوات للتواصل وأرضية للتفاهم. ولا نختلف في كون ما يثار من حين لآخر من مواقف مشينة تسيء إلى ديننا الحنيف أمر لا يمكن القبول به. لكن في نفس الوقت هذا الغرب، الذي نؤاخذ عليه خرجات مستفزة، هو في شتى مناحي الحياة يظهر تعاملا محببا لدينا نحن المسلمين كالترخيص ببناء المساجد والمعاهد الإسلامية في كافة ربوع أوروبا. وأعتقد أن هذه ظاهرة إيجابية ومؤشر على وجود منابر ومنتديات تشجعنا على إطلاق ملتقيات لحوار بين أبناء الطوائف الدينية عوض الانزلاق في متاهات القتل وإراقة دماء الأبرياء كما حدث مؤخرا في كنيسة نيس الفرنسية. فليس هذا هو الإسلام ولا هذه هي قيمه، هذه هي لغة المنظمات المتطرفة التي تقول إنها ترفع لواء الإسلام وتدافع عنه.
الرسول عليه السلام لم يكن نبيا محاربا، كان عليه السلام رجل سلام يلقي التحية ليقيم السلام والرحمة بين الناس. وقد دعا الرسول إلى تجاهل كل أنواع الثأر التي كانت قبل عهده أيا كانت مكانة القتيل وعائلته. وهذا يتعارض مع كون الأخذ بالثأر عرفا غير مقبول في رسالة محمد عليه السلام. وهي رسالة حضارية وأخلاقية يجب علينا أن نستحضرها في هذا العصر الذي لن يظهر فيه أنبياء جدد ولا رسالات جديدة. ولذلك فإننا كمسلمين وكغير المسلمين يجب أن نلتقي على القواسم المشتركة بعد أن أصبح عالمنا قرية صغيرة مشحونة بالتعصب والتطرف لنحوله إلى قرية صغيرة يحكمها العدل والحب والسلام.