الدكتور خيام الزعبي
باتت الردود السلبية تلاحق الرئيس التركي أردوغان ومسؤوليه، حيث بدأت في الظهور على العلن عقب الأزمة بين “أذربيجان” و”أرمينيا” من خلال معارضته وقف إطلاق النار ونشره قوات تركية ومرتزقة من سورية في أذربيجان، واستمرار تقديم الدعم المالي والعسكري للأذربيجانيين ، وهذا الأمر لم يكن مفاجئاً بالنسبة لنا كونه كان الداعم الأول للجهاديين منذ عام 2013، خاصة أن أكثر من 40 ألف جهادي، دخلوا سورية عبر تركيا وبدعم لوجستي وعسكري ومالي من تركيا.
على خط مواز، إن هذا النهج المتشدد يوضح استعداد تركيا لاستعراض قوتها لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه باستخدام الدبلوماسية فقد سعى أردوغان من توسيع حروبه في المنطقة إلى تحقيق هدفين أساسيين، أولهما توسيع نفوذ تركيا في مناطق الإمبراطورية العثمانية السابقة بنشره قوات في أذربيجان وسورية والعراق والصومال وليبيا، وثانيهما: تشتيت الإنتباه عن مشاكله السياسية والاقتصادية الداخلية.
لم يعد خافيا على أحد في المنطقة والعالم الأطماع التوسعية لأردوغان حيث تنوعت بين غاز المتوسط وأكذوبة “الوطن الأزرق”، إلى مطامعه في الهلال النفطي الليبي، إلى تدخله في قره باغ الأرمني، لمطامعه في النفط الأذربيجاني، مروراً بمغامرات متعددة في العراق وسورية، إضافة إلى الدور التخريبي والعابث في سورية وليبيا واليمن والصومال حتى أرمينيا.
كما فتح أردوغان جبهات متعددة، من التورط التركي في العراق ضد الأكراد، وفي سورية وليبيا، لدعم جماعة الإخوان المسلمين، ثم ازداد التدخل التركي بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، الذي شكل ضربة قاسمة للمشروع التركي في المنطقة، ومن هنا غرق أردوغان في وحل أزماته الواحدة تلو الأخرى لأنه يخوض الحروب ويشعل الجبهات غير مكترث بالتكلفة التي تتكبدها بلاده والتداعيات التي تطال شعبه.
بناء على ذلك، لم يتبق من إستراتيجية “صفر مشاكل مع الجيران”، التي كانت تقوم عليها السياسة الخارجية التركية أي شيء بل على العكس فقد دخلت في صراعات وحروب مستمرة في المنطقة، و أصبح أردوغان يتَّبع سياسة حافة الهاوية لرفع شعبيته المتراجعة بسبب الأزمة الاقتصادية التي يشعر بها المواطن التركي والانخفاض المستمر في سعر الليرة، والعزلة الإقليمية والدولية التي تعيشها تركيا.
اليوم تركيا تتمدد في سياق ظنها أن لا أحد يكبح جماحها، ولكن أوروبا وكل دول العالم ستواجه أطماعها بقبضة من حديد، كونها باتت تشكل خطراً مباشراً على المنطقة نتيجة تدخلاتها العلنية في عدد من الدول ونشرها الفوضى والإرهاب في المنطقة لتحقيق مطامعها في أراضي دول ذات سيادة، لذلك لن يتباطأ الأمريكيون في إغلاق بوابة إقليم قره باخ أمام الرئيس التركي، ولذات السبب أيضا لن يترك الروس أردوغان يصنع “إدلب جديدة” له في أذربيجان ويبتزهم بها، كذلك لن يقبل الفرنسيون والأوروبيون عموما بتأزم الأوضاع هناك لتتحول إلى حرب لا يمكن توقع نتائجها. وإنطلاقاً من ذلك، يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة.
مجملاً….أردوغان الحالم بعودة النفوذ العثماني يواصل تصعيده الخاطئ، وسوف يجد نفسه قريبا أمام استحقاقات سياسية واقتصادية وشعبية لن يستطيع تفاديها لأن هذا الواقع سيهزم أطماعه، خاصة أن هذا الرئيس يتصور أنه اللاعب الوحيد في المنطقة ويستطيع أن يفرض إرادته على القوى الدولية والإقليمية، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، وان النار تحت الرماد.
بإختصار شديد: إن الدور السلبي لأردوغان في سورية والمنطقة ، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية ودول الجوار، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم.
كاتب سوري