د. جلال جراغي
ليس من المبالغة أن نقول إنّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 3 نوفمبر المقبل باتت تحظى بأهمية قصوى لخارج أمريكا قبل داخلها بشكل غير مسبوق، خاصة لمنطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط).
لقد قيل الكثير عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وتأثيرها على إيران وأن طهران لا ترغب في فوز الرئيس الأمريكي الراهن “دونالد ترامب” فيها وأنه بالنظر إلى أداء ترامب وتصرفاته حيال إيران، فلاشك أن طهران ترغب في خروجه عن حلبة الانتخابات المقبلة وإنهاء حياته السياسية واستبداله بالمرشح الديمقراطي “جو بايدن”، ذلك بسبب مقاربات الديمقراطيين ومرشحهم بايدن السياسية حيال إيران والاتفاق النووي (خطة العمل المشترك الشاملة). وبالتالي فمن الواضح أن إيران تواجه خيارين لا ثالث لهما وهما بقاء ترامب وعدم بقائه في الحلبة السياسية الأمريكية، إلا أن هذه المعادلة مختلفة بالنسبة لبعض الدول الإقليمية، إذ إن بقاء ترامب أو عدم بقائه على رأس السلطة في أمريكا كلاهما يشكلان مصدر قلق عميق لهذه الدول.
على سبيل المثال فإن السعودية وحلفائها الإقليمية التابعين لها يعيشون اليوم أكثر قلقا من إيران حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونتائجها، خاصة إن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى اتساع الفجوة بين ترامب ومنافسه الديمقراطي في الانتخابات المقبلة لمصلحة الأخير.
لا شك في أن الرياض في الوهلة الأولى تشعر بقلق من إمكانية هزيمة ترامب في الانتخابات وهذه هي مصدر قلقها الرئيسي و بل باتت كابوسًا لها والمحاولات المستمية للإمبراطورية السعودية خلال هذه الأيام للتأثير على الجالية العربية المقيمة في أمريكا التي يبلغ عددها نحو أربعة ملايين شخص، إضافة إلى أشخاص تابعين لها ذات نفوذ في وسائل الإعلام الأمريكي، تفّسر هذا الرأي.
احتمال هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية يمثل كابوسًا رهيبًا للسعودية ذلك أنه يعني ذهاب طموحات ولي عهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” أدراج الريح وعدم تحقيق مخططاته وبرامجه المستقبلية بدءًا من تحويل بلاده إلى قوة نووية التي تسير حاليا برامجها على قدم وساق على سرّية تامة، وضمان بقائه في السلطة داخليًا وصولاً إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتحقيق مخططاته الإقليمية خارجيًا.
من ناحية أخرى، فإن السعودية تشعر بقلق من فوز ترامب في الانتخابات أيضا والقلق الرئيسي للسعودية في هذا المجال نابع من مواقف ترامب المتغيرة وخطاباته غير المتوقعة وكونه شخصًا لا يمكن التهكن به وبتصرفاته واحتمال توجهه وميله نحو طهران، خاصة أنه أعلن مرارًا عن رغبته في بدء الحوار مع طهران وصرح بأنه في حال فوزه في الانتخابات سيبدأ بالحوار مع طهران بهدف التوصل إلى اتفاق جديد معها بدل الاتفاق النووي (خطة العمل المشترك الشاملة) المبرم بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد (أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا) في 14 تموز/ يوليو 2015، ولاشك في أن ترامب يدلى بهذه التصريحات بهدف المزيد من ابتزاز السعودية في إطار سياسة التهويل من إيران إلا أنه على أي حال باتت تشكل هذه القضية أحد مصادر قلق للسعودية، ولهذا السبب فإن السعوديين اليوم يحاولون من ناحية إضفاء الطابع الاستراتيجي لعلاقاتهم مع أمريكا وكأنه لا يؤثر عليها تغيير شخص أو رئيس ومن ناحية أخرى يحاولون الحصول على تطمينات من الأمريكيين بشأن موقف واشنطن المستقبلي من السعودية حيث سمعوا من الأمريكيين حرصهم على استمرار علاقات التعاون مع السعودية ولا ينبغي عليها القلق من العلاقات المستقبلية.
الباحث في الشؤون الإعلامية والسياسية