اسيا العتروس
في اخر ظهور تلفزي له هذا الاسبوع بدا غسان سلامة المبعوث الاممي اللبناني الاصل و هو الذي خير الاستقالة و التخلي عن ادارة الملف لليبي بدا منهكا , بل انه بدا يائسا وأنه شيخ هرم قد اخذ منه العجز بعد مهمة صعبة وشبه مستحيلة منذ البداية في بلد فرط فيه ابناؤه وتركوه لقمة سائغة للطامعين وساحة مفتوحة للتنافس بين قوى اقليمية ودولية تصادمت مصالحها و تضاربت اهدافها فتدافعت على انهاك شعوب و اوطان باتت مخترقة و قابلة لاسوا و اخطر السيناريوهات ..ن قول هذا الكلام على خلفية اعلان الامم المتحدة انه لن يشارك في المفاوضات المرتقبة في تونس حول الملف الليبي غير الاشخاص الذين يفكرون بمستقبل بلدهم …و ليس من الواضح صراحة كيف سيتم تلبية هذا الشرط بعد ان سقط الجميع بمختلف توجهاتهم و انتماءاتهم في الاختبارات الحاسمة عندما يتعلق لامر بالترفع عن السفاسف و استباق المخاطر و الانتصار لمستقبل الشعوب و الاوطان في العدالة و الحرية والرقي و الازدهار و التطور ..
و قد كانت تصريحات المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا بالوكالة ستيفاني ويليامز، بعد لقاء مع الرئيس قيس سعيد حول المفاوضات الليبية المرتقبة في بلادنا نهاية الشهر الحالي صادمة و قد اعادتنا الى الواقع المخيف و المؤلم الذي يتعين على الجميع الانتباه له للبحث عن مثل هذه الشخصيات اين تتواجد و كيف يمكن ان تكون في المشهد ..
“المفاوضات ستكون مفتوحة امام القياديين الذين يفكرون في بلدانهم اولا و ليس اولئك الذين يهدفون للحصول على مناصب حكومية ..و هو تصريح لا ندري ان كانت المسؤولة الاممية واعية بما يعنيه و ما سيترتب عنه أو ما اذا كانت في قرارة نفسها تستهزا بالاطراف المعنية التي تفننت و على مدى سنوات في التفويت في سيادة البلاد و الدفع الى تقسيم جغرافيا و لكن و هذا الاخطر ديموغرافيا بحيث يصبح مواطني الشرق اعداء لمواطني الغرب رافضين لوجودهم او التعاطي معهم و العكس صحيح ايضا ..
و لو سلمنا بان مفاوضات تونس ستنطلق كما هو مقرر لها في نهاية الشهر الحالي افتراضيا لتتواصل على ارض الواقع مطلع ع الشهر القادم لتجمع عددا من أعضاء برلمان طبرق في الشرق والمجلس الأعلى للدولة غرب ليبيا ومشاركين ستحددهم الأمم المتحدة، لاحقا وفق المبعوثة الاممية و هو ما يعني ان هؤلاء يجمعون نفس المكونات المتناحرة في ليبيا منذ بداية الازمة قبل نحو عقد من الزمن ..و سيكون تقريبا من غير الممكن حتى لا نقول من المستحيل ان يتفق هؤلاء جميعا و ان يقبلوا بخارطة طريق تنظم الانتخابات الرئاسية مطلع مارس القادم …
المبعوثة الاممية تصر على ان شرط المشاركة في مفاوضات تونس التخلي عن المطالبة بمنصب حكومي و الحال ان الكل يدرك سلفا ان هنا مكن الداء و ان الاهثين وراء المفاوضات يسعون الى نصيبهم من السلطة و اولهم رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الذي كان اعلن انسحابه من موقعه بحلول نهاية الشهر الحالي و الارجح ان السراج لم يكن يعني بهذا الاعلان الانسحاب من المشهد السياسي بشكل نهائي و لكنه كان يخطط و حسب تسريبات تكاد تكون موثقة بانه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية و هو ما يعني بان ما ذهبت اليه المسؤولة الاممية رهان خاسر منذ البداية فقد اكدت تجربة السنوات و العقود الماضية قبل و بعد موسم الربيع العربي و اختبارات الديموقراطية الجديدة ان ازمة ليبيا و ازمة بقية دول المنطقة مرتبطة بعقليات النخب السياسية فيها الموبوءد بداء اسمه السلطة قبل حتى ان يمتد اليها داء الكورونا الوبائي ..و بالتالي فان الحديث عن اشخاص يفكرون في مستقبل بلدانهم في ليبيا و في غير ليبيا عملة نادرة جدا بل هي غير متوفرة في هذا الزمن الذي اختلطت فيه المفاهيم و بات فيه مفهوم الوطنية و الانتماء قابل لكل المساومات و الابتزازات ولمزايدات
لا خلاف ان الديبلوماسية التونسية تحاول استعادة موقعها و دورها ازاء الملف الليبي بالنظر لا الى عمق العلاقات التاريخية بين البلدين فحسب و لكن لان هذا العمق و المشترك بين تونس و ليبيا يفترض انه اذا عطست ليبيا اصيبت تونس بالرشح و العكس ايضا صحيح في زمن تعددت فيه الفيروسات و الازمات و الاوبئة …لا شيء محسوم سلفا امام تعقيدات المشهد و لكن الاكيد ان كل تاجيل للملف الليبي و لكل الملفات و الازمات و الحروب في المنطقة العربية يعمق الجروح و الماسي و يشرع ابواب الاطماع اقليميا و دوليا و يحفز معاول الهدم المتوثبة على عدم التوقف عن حرق الاخضر و اليابس …
ما احوجنا الى انهاء الصراع في ليبيا و اطفاء اللهيب المتاجج في هذا البلد و في كل جزء من الخارطة العربية المشوهة بفعل التدخلات العسكرية الامشروعة لقوى متنفذة ما كان لها ان تتواجد فيها لولا حماقة نخبها و حكامها ..
و بعيدا عن استباق الاحداث فقد وجب الاشارة الى ان تعدد و كثرة المسارات حول الملف الليبي قد لا يساعد كثيرا الليبيين في تجاوز الخلافات المتراكمة ..و بين مفاوضات مصرية في الغردقة واخرى في بوزريقة المغربية و ثالثة في جنيف و رابعة في بروكسيل و خامسة في برلين و سادسة في روما و سابعة في باريس دون اعتبار للتدخل العسكري الميداني للروس و الاتراك و القطريين و الاماراتيين و الامريكيين و الفرنسيين فقد ينتهي المطاف الى قتل المريض بدل اسعافه بالعلاج و انقاذه ..
كاتبة تونسية