يوجد مجلس النواب ومن ورائه الأحزاب السياسية في محك حقيقي بسبب مطلب تمثيل مغاربة الخارج الذي يقترح البعض تحقيقه بالزيادة في أعداد النواب، فلا الجائحة التي تضرب المغرب، ولا المزاج الشعبي الحالي، ولا الصورة التي كونها المواطنون في مخيالهم عن العمل التشريعي وعن مجلس النواب، يسمحون بمثل هذا الترف أو بمثل هذه المجازفة، وخصوصا في ظل هذه الظروف العصيبة التي تجتازها بلادنا سواء كان ذلك على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي، حيث تطلب الحكومة وخلفها بطبيعة الحال النخبة السياسية من عموم الشعب تفهم دقة المرحلة وشد الحزام والاستعداد للقرارات الصعبة.
يستفحل موقف النواب أكثر إذا عرفنا أن هذه الزيادة ستؤشر عليها الغرفة الأولى نفسها كما يتوقع ذلك دستور 2011، وبالتالي ستكون بمثابة مثل سيئ في زمن كورونا لن يكون في صف خطاب التضامن والتآزر والتضحية السائد هذه الأيام. فهذا المنحى إن تحقق هو إشارة سلبية لكل الأطر التي تجاهد في الميدان في مواجهة الوباء وخصوصا مع العطالة المدفوعة الأجر التي طالت البرلمانيين خلال شهور الحجر الصحي. برلمانيون لم يغادر أغلبهم دوائرهم، ومع ذلك استمرت عملية التشريع من خلال عدد قليل جدا من نواب النواب.
كورونا الذي يعري الاختلالات والثقوب، قد وضح لنا إذن أننا نعيش تخمة النواب أيضا. إذ لا معنى الآن لكل هذه الجموع الغفيرة منهم، وقد لاحظنا أن دور البرلمان ظل قائما خلال الجائحة، فما يستطيع أن يعبر عنه 70 نائبا داخل فريق نيابي على سبيل المثال من أفكار واقتراحات يمكن أن يعبر عنه 50 و40 نائبا وربما أقل.
ما نعاني منه حقيقة هو تغلغل ثقافة الريع التي أصبحت المؤسسات المنتخبة عرابها الأول لإرضاء الطموحات وبذل الترضيات وتوزيع الغنائم على الأتباع والفئات. لقد تحولت مناصب قيادات الأحزاب إلى مصعد اجتماعي يكاد يكون متوافقا عليه بينها، بحيث لا تتورع عن ابتداع الوصفات الانتخابية لإرضاء أكبر عدد منها بمن فيهم حتى من يعجز عن حصد الأصوات الضرورية للتربع على دائرة بحجم مقهى. إن هذه السلوكيات تضر ضررا بليغا بمفهومي وقيمتي المواطنة وخدمة الصالح العام في الشعور الجمعي، وتخلق شعورا عاما بعدم تكافؤ الفرص.
تمثيل مغاربة العالم ضروري لتستمر الصلة بينهم وبين الوطن خصوصا وأنهم خزان مهم للعملة الصعبة وللعقول المبدعة المفكرة التي تنقل لنا الخبرة العالمية، ويزداد هذا الأمر أهمية مع ما تنوى الدول الكبرى الجاذبة القيام به في المستقبل القريب بخصوص منع ازدواج الجنسية واستقطابهم بشكل نهائي لبلدان المهجر وخصوصا الأدمغة منهم.
البرلمان المغربي سيصوت ولا شك لتقليص النفقات العمومية للسنوات المقبلة وهناك عزم على وقف التوظيف في أغلب القطاعات باستثناء الحيوية منها كالصحة والتعليم، فكيف يمكن له أن يبيح لنفسه الزيادة في نفقات مجلس النواب من خلال رفع هذا الأخير لعدد أعضائه.
هذا التناقض، وهذه المفارقة، هو ما يجعل المغاربة لا يتقبلون هذه الزيادة قبولا حسنا بل ويعد هذا النقاش نفسه نشازا وخذلانا للمواطنين في مثل هذا الظرف الدقيق.
إذا كانت للأحزاب والنواب رغبة صادقة تجاه مغاربة العالم، فليقلصوا من عدد أعضاء مجلس النواب، ولينفقوا نصيبا من المقاعد الحالية على الأقل لتمثيل مهاجرينا. وذاك سيكون أضعف الانخراط في الحرب ضد الوباء.
وبالمناسبة، لم يعد ملائما أن ننظر لمغاربة العالم كمهاجرين خصوصا مع تأثير العولمة وعصر السماوات المفتوحة الذي نعيشه بوسائل التواصل الاجتماعي. هم في قلب الحياة السياسية التي نعيش، بل هم دوائر حقيقية ولا يستجدون تمثيلا من أحد بل يطلبون حقا لهم طال إنكاره.
نتمنى أن يتحلى مجلس النواب بالعفة، وأن لا يستغل النواب عضويتهم لتشريع يظنونه لمصلحتهم الفردية، بينما قد لا يكون كذلك للعديد منهم، فليغلبوا مصلحة الوطن إذن، ويقترحوا التقليص من عدد الأعضاء أو التقليص على الأقل من أجور البرلمانيين. إذ لا يعقل أن يكون النواب ممثلين للأمة، وتكون الأمة أو الناخبون بصدد سياق صعب، ويظل المنتخبون في رغد تعويضات وامتيازات ما قبل كورونا. لا معنى أن يكابد الناخبون ضراء وشظف الوباء، وتكون لنوابهم السراء فقط.
ينبغي أيضا تخصيص مقاعد للجالية المغربة دون إثقال كاهل الميزانية العمومية، ومنع الترشيح لأكثر من ولايتين متتابعتين وحظر الجمع بين أكثر من انتداب. مثل هذه القرارات الضرورية ستدشن عملية الإصلاح الحزبي الذي ننتظره، وستطمئن المواطنين وتعيدهم لصناديق الاقتراع.
هذا هو المطلوب، وغيره سيكون مجرد إصرار على الريع وأكل للسحت وقتل للأمل في النفوس. للنواب موعد مع التاريخ فهل يكونون في الموعد؟؟ أم ستواظب حليمة على عادتها القديمة... إننا منتظرون.