د. محسن القزويني
للمرة الثانية وفي عهد رئيس مجلس الوزراء العراق مصطفى الكاظمي يتأخر راتب الموظفين الحكوميين أسبوعين وهو مؤشر على فداحة الوضع الاقتصادي في ثاني دولة منتجة للنفط في أوبك، وهو مؤشرٌ أيضاً لما يعانيه العراق من أزمة إدارية وليس مالية بدليل ان واردات العراق من نفط البصرة فقط لشهر آب حسب تقرير (SOMO Oil) هو 8971178234 وهو يكفي رواتب شهرين لأربعة ملايين ونصف مليون موظف عراقي، فأين تذهب هذه الأموال؟ وهل هناك أوجب من اعالة 8 ملايين عراقي اعتمادهم الوحيد على الراتب الشهري من الموظفين وعوائلهم.
وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على ان الدولة لا تعاني من السيولة النقدية ومن الخطأ تبرير أزمة الرواتب بانخفاض أسعار النفط حيث تم بيع النفط العراقي بسعر 45.411 دولار لشهر اب من هذه السنة حسب بيانات SOMO وهو أعلى من المعدل السعري المقترح بالموازنة السنوية وهو 40 دولار للبرميل الواحد.
فأين المشكلة؟!
سؤال نوجهه إلى وزير المالية الدكتور علي علاوي الذي علق دفع رواتب الموظفين على اصدار مجلس النواب على اصدار قانون يسمح للحكومة العراقية باقتراض 27 مليار دولار من المصارف المحلية بينما مجلس النواب يضع تأخير دفع الرواتب على عاتق الحكومة التي لم تقدم ورقة الإصلاح الاقتصادي المقرر إصدارها خلال 60 يوماً من الاقتراض الأول.
وهكذا يحتدم النقاش بين الحكومة ومجلس النواب ليدفع فاتورته موظفو الدولة وعوائلهم الذين يشكلون قرابة ربع سكان العراق.
وعدم تقديم ورقة الإصلاح الحكومي لأكثر من مائة يوم على طلب مجلس النواب يعني لا حلول اقتصادية لدى الحكومة العراقية والحل الوحيد الذي تعمل عليه الحكومة هو الاقتراض.. وإلى متى هذا الاقتراض؟ ..
ومن المسؤول عن تسديد فواتير الديون وفوائدها المتصاعدة؟
ينبس الشارع العراقي قائلاً بأن حكومة الكاظمي حكومة مؤقتة وانها ستنتهي مع الانتخابات ولا يهمها ما يحدث بعد ذلك حتى لو أفلس العراق بصورة تامة.
نقولها بكل صراحة إن مستقبل رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية كأشخاص في المحك، فأي انهيار اقتصادي يحدث في المستقبل سيلقي تبعاته على الحكومة العراقية الحالية وعلى سياساتها الراهنة، وقد طرحنا على السيد الكاظمي يوم اختاره البرلمان العراقي رئيساً لمجلس الوزراء عدة حلول لمشاكل العراق نذكّره بها مرة أخرى؛ وهي تنويع الاقتصاد العراقي والتوجه إلى الإنتاج، وتقليل الاعتماد على النفط وتفعيل القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والسياحة والصناعة واشراك الشعب في العملية الاقتصادية ليتحمل أبناء العراق مسؤولية انقاذ اقتصادهم من الانهيار وذلك بتشجيع القطاع الخاص من خلال سن عدة قوانين واتخاذ عدة قرارات تسهّل لأبناء الوطن على الاستثمارو الإنتاج وان لا يصبحوا عالة على الدولة مثلما هو الحال الآن.
والشعب العراقي شعبٌ حي أثبتت الوقائع على قدرته في تحمل المسؤولية إذا اتخذت الحكومة التدابير المطلوبة وانتهجت سياسة جديدة في اصلاح الاقتصاد العراقي، وقد شاهدنا كيف استطاع ثلة من أبناء الشعب باطعام 14 مليون وخمسمائة الف زائر بثلاث وجبات جاؤوا إلى كربلاء لزيارة حفيد رسول الله من 9 صفر إلى 20 صفر حسب أجهزة العد الالكتروني التي نصبتها العتبة العباسية في مداخل مدينة كربلاء.
فقد اثبت هذا الشعب على استعداده لتحمل المسؤولية وانه قادر على حل المعضلات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، فنصف أموال العراق هو في بيوت العراقيين حسب ما نشره البنك المركزي العراقي والحاجة الآن إلى تنشيط هذه الأموال واخراجها إلى قطاع العمل والإنتاج.
فقد استطاع الامام الحسين بن علي بن ابي طالب شهيد كربلاء ان يستخرج جزءا من هذه الأموال لاطعام زائريه، فالحكومة أيضاً قادرة على ذلك لو كسبت ثقة الشعب العراقي.
فعراق اليوم بحاجة إلى رجل دولة يعمل مع الشعب يستطيع أن يكسب ثقة الجماهير ويتمكن أن يحرك أزرار الانسان العراقي الطيب السريرة الذي يفدي نفسه إذا وجد المصداقية عند من يثق به.
وانا اقترح على الحكومة ان تضع ورقة الإصلاح اعتماداً على طاقات الشعب العراقي الجبارة وذلك بالتقليل التدريجي من أنشطة القطاع الحكومي وتحويله شيئاً فشيئاً إلى القطاع الخاص ويصبح للحكومة دور الاشراف فقط ولا تثقل نفسها بالأعمال والمهام، ربما يفسر البعض هذا المقترح بأنه من نسج الخيال وغير واقعي لكن بنظرة سريعة إلى الدول التي نهضت بعد كبوتها كراوندا وفيتنام وسنغافورا التي لم تكن أحسن حالاً من العراق واليوم أصبحت تحتل الصدارة في الاقتصاد العالمي، هذه الدول لم تجد بعد الدمار الذي لحق بها نتيجة الكوارث والحروب الا ان تلوذ إلى شعوبها وأن تشاركهم في صنع القرار وتحمل المسؤولية. اليس الشعب هو مصدر السلطات كما جاء في الدستور العراقي؟
كاتب عراقي