الطيب دخان
إن المقصودين بجنود الإستبقاء للعشرية السوداء ،هم أولئك الشباب الذين تم إستدعاؤهم لأداء الخدمة الوطنية في صفوف الجيش الوطني الشعبي الجزائري ،خلال فترة التسعينات وبالضبط منذ سنة 1992عند دخول الجزائر في دوامة العنف المسلح ،وقد كانت المدة القانونية التي تقتضيها الخدمة الوطنية في الجيش محددة ب18شهرا لا أكثر ولا أقل ، وقد تلقى هؤلاء الشباب إستدعاءاتهم للإلتحاق بصفوف الجيش في مختلف ثكناته ومواقعه القتالية على إختلاف أنواع فصائلها وأسلحتها ،…فاستجابوا لنداء الواجب الوطني المقدس رغم الظرف الحساس الذي كانت تمر به البلاد ،وتوالت الدفعات تلو الدفعات ملبية للنداء ، ونيران الحرب تشتعل في كل مكان شبر من ربوع جزائرنا الحبيبة ،وعصابات الإرهاب الهمجية ،تجوب الجبال والفيافي ،توزع المناشير الممضاة من طرف أمرائها في الشوارع و المداشر ، والقرى ،والمدن ليلا وتعلقها على الجدران محذرة الشباب من مغبة الإلتحاق بالجيش إستجابة لنداء الخدمة الوطنية ،ومن فعل ذلك فقد أستبيح ماله وأهدر دمه ، بل سوف يعرض أهله إلى التعنيف والترويع في كل ليلة نتيجة السؤال عنه وتتبع آثاره وتقصي أخباره ، لكن كل هذه الأساليب لم تثني هؤلاء الأشاوس من الإلتحاق بأخوانهم في صفوف الجيش والوقوف معهم جنبا إلى جنب في ساحات المعارك الحامية الوطيس حيث رصاص الغدر وسكاكين الإرهاب ،وسواطيرهم ومعاولهم لاتفرق بين الجندي الإحتياطي ،ولا المتعاقد فالكل طريدتها وفريستها بل الأدهى والأمر أن هذه العصابات أضحت تلاحق هؤلاء الشباب حتى أثناء إجازاتهم وعطلهم وتضع الحواجز في الطرقات مفتشة عنهم داخل مختلف وسائل النقل الفردية والجماعية ،والويل الويل لمن عثرت عليه فحتما لا مناص ولا مفر له من الموت ،بل أضحت هذه العصابات تتجسس على مكالماتهم مع أهاليهم وعائلاتهم عبر الوكالات الهاتفية ووصل بها الأمر إلى قطع أسلاك الهاتف حتى لا يضطر المواطنون إلى التبليغ عنها للأمن والدرك الوطني وكشف أماكن تواجدها والسبل التي سلكتها أثناء عمليات إنسحابها حتى يتعقب الجيش آثارها ،وهنا إضطر العسكريون وجنود الخدمة الوطنية إلى التضحية بأيام إجازاتهم وعطلهم الأسبوعية ،ومع شراسة عصابات الإجرام وبلوغ العمليات الإرهابية ذروتها قررت وزارة الدفاع الوطني قرار الإستبقاء …ومعناه إستبقاء جنود الإحتياط في ثكناتهم ومواقعهم القتالية رغم إنتهاء المدة الزمنية القانونية لخدمتهم الوطنية ،فحقت عليهم كلمة الرباط ،وأصبحوا مرابطين في ثكناتهم وفي مختلف المواقع بما في ذلك حدود البلاد ،وفي جبالها وسهولها وتلالها وصحاريها ،مشاركين في عمليات التمشيط، وفي مختلف حالات الطوارئ ،يؤمنون مسالك المدن والقرى والمداشر، يحرسون مختلف المؤسسات الوطنية ويسهرون على حمايتها وتأمينها من زوار الليل وخفافيش الظلام ،وبعد أن تمت عملية تسريحهم لم تقم المؤسسة العسكرية بتمريرهم على الخبرة الطبية حتى تكتشف ما كانوا يعانونه من أمراض وضغوطات نفسية جراء ماعايشوه من معارك وحروب ضارية ،ذهب أغلبهم فيها ضحايا وقرابين من أجل أمن وإستقرار الوطن ،..
خرج هؤلاء إلى الحياة المدنية ليعانوا الأمرين في حياتهم ….
المرارة الأولى هي ملاحقتهم من طرف عصابات الإرهاب وفلولها لمعاقبتهم على الإستجابة لنداء الواجب الوطني المقدس ،أو إقتيادهم عنوة إلى قلاعها وتجنيدهم في صفوفها أو قتلهم وكم من صديق أو رفيق قد ذهب ضحية ذلك ،مما جعلهم يضلون حبيسي مدنهم وقراهم ومداشرهم راضين بالأعمال اليدوية الزهيدة كممارسة أعمال البناء ،والفلاحة وغيرها من أجل تأمين قوت يومهم خوفا من مغادرة أماكن سكناهم ومدن إقامتهم من الوقوع في قبضة أيادي الإرهابيين حتى أضاعوا فرص الحصول على العمل وتقدمت بهم السنون ،ففاتهم قطار التوظيف.
والمرارة الثانية وهي أنهم وبعد إقرار ميثاق السلم والمصالحة ألوطنية وجدوا أنفسهم خارج اللعبة مهضومي الحقوق رغم الإعتراف بمختلف الفئات التي تضررت خلال أزمة العشرية السوداء التي عصفت بأمن وإستقرار البلاد رغم أن قانون المصالحة الوطنية ينص على إنصافهم والعديد من المراسيم والأوامر الرئاسية التي جاءت بعد ذلك وقبله أيضا تقر لهم بأحقية الحصول على معاش شهري نظير ما قدموه من خدمة للوطن في مكافحة الإرهاب وإسترجاع السلم والأمن والأمان والإستقرار لهذا الوطن الغالي …!
وأيضا للسائلين عن جنود الإستبقاء للعشرية السوداء ،أو أفراد التعبئة الجزئية من جنود الإحتياط والراغبين في معرفتهم ….،ووسائل الإعلام التي تتحاشى ذكر إسمهم ،أو التعريف بمأساتهم ،وكذلك مختلف الشخصيات الوطنية ،وقادة الأحزاب السياسية ، والناشطين عبر مختلف المنظمات الإنسانية وحركات المجتمع المدني ، لا خوف عليكم من ذكر هذا الإسم أو الإشارة إليه ،فهم ليسوا بقطاع طرق أو عصابة إجرامية ،أو متمردون على القانون ،….هم مواطنون بسطاء وبالأحرى مجاهدون ،مرابطون وصامدون ومعتصمون منذ ما يزيد عن الأربعة أيام في أعالي مدينة الأربطاعش على مشارف ولاية بومرداس ،جرف بهم الحنين من مختلف الولايات إلى الجبل الذي كانوا بالأمس فيه يرابطون ببنادقهم من أجل حماية الوطن ودفاعا عن أمانة الشهداء ….
فعادوا إليه معتصمون من أجل حقهم في العيش الكريم على هذه البلاد التي قدموا لها وفدوها بأعز ما يملكون….
يلتحفون العراء ،ولا أحد يسمع أنينهم وصراخهم ،يبكون ويستغيثون ولا أحد يكفكف دموعهم أو يستمع لأناتهم وشكواهم ،بعدما كانوا قد ساهموا بالأمس في كفكفة دموع الجزائريين وإعادة الإبتسامة لهم …. وبكل إختصار هؤلاء هم جنود الإستبقاء ،للعشرية السوداء ..ياسيادة الرئيس عبد المجيد تبون ….
كاتب جزائري