مع انتشار وباء كوفيد ـ 19/ كورونا ـ انتشار النيران في الهشيم ـ والشلل الذي رافقه على أكثر من صعيد، عادت ظاهرة الفساد لتسيّد معظم المرافق؛ بما فيها الاجتماعية والإدارية والاقتصادية، فتحول مفهوم الزمن في ضوئها من الآني إلى الآتي ومن الآتي إلى المنتظر ومن المنتظر إلى المجهول، وغدت الساعة؛ بتوقيت الاستقضاء الإداري؛ يوما واليومُ أسابيع والسنةُ سنوات من الانتظار، تحت ذريعة أن فيروس كورونا حتم من جملة التدابير الاحترازية منه؛ التباعد الاجتماعي وتقليص عدد الموظفين داخل المكاتب التي كانت فيما مضى تزدحم بهم، وأصبحت ترى طوابير ممتدة من المواطنين وبازدحام مكشوف ينتظرون الولوج إلى هذه الإدارة أو تلك، وكثيرون منهم يصطدمون أمام البوّاب؛ بأن المؤسسة ليست تابعة لعناوين سكناهم.
وأمام هذه العراقيل والتعقيدات الإدارية تنفتح بوابات البقشيش والدهن على مصاريعها فتهون كل الصعاب وتنسرح كل التعقيدات، وذلك بمجرد أن تجمع أوراق زرقاء بين يد وأخرى، ناهيك عن الصفقات المشبوهة التي تبرم تحت الطاولة. وفي ما يلي مؤشرات لها دلالتها بهذا الخصوص:
* ارتفاع صاروخي في أسعار المواد المعيشية الأساس إلى حد 70%؛
* ارتفاع في فواتير الكهرماء، يصل إلى نسبة 25%؛
* فقدان بعض الأدوية من داخل الصيدليات أو تعويضها بأخرى أقل نجاعة وفعالية؛
* شركات تصنيع الأدوية تشتغل في غياب شبه تام لأجهزة المراقبة؛
* تسريح ما ينيف عن 50 ألف عامل من مناصبهم، تشمل شركات التصنيع والإنتاج والنقل؛
* ازدهار الأسواق السوداء أمام فقدان بعض المواد والأجهزة والمعدات، تحت طائلة تعذر النقل والاستيراد من الخارج بسبب الجائحة؛
* عودة "ظاهرة" الاحتكار بقوة إلى الأسواق؛
* ارتفاع المديونية للملكة إلى نسب مئوية غير مسبوقة، بسبب غياب الصرامة القانونية للسياسة المالية التي تنتهجها الحكومة والقائمة على انعدام ترشيد النفقات والزيادة في الأسعار والرفع من وتيرة الاقتراض الخارجي؛
* تبني الحكومة لسياسة "التقشف" وضرب القوة الشرائية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، وإجهازها على "فتات معاشات" المتقاعدين لرفع اقتطاعاتها إلى 40% بدلا من 27%.
هلا جربت الحكومة...؟
في مفهوم الحكامة وحسن التدبير؛ أن يتم تقييم أداء أي مؤسسة أو مشروع بشكل دوري منتظم للوقوف على أوجه الخلل بغرض التقويم والتصحيح، فمؤسسات المغرب؛ وهي بعدد نجوم السماء لا يخضع أداؤها ـ في ما يبدو ـ لأي تقييم وظيفي Feed Back، وبالتالي تغفل الحكومة عن هدر المليارات من الدراهم سنويا، تذهب سدى في روتين وظيفي مكلّف أو تجهيزات مادية فوق الطاقة أو تكاليف تنقلية كمالية.. أو إضافة عشرات الآلاف من سيارات الدولة إلى حظيرة المتلاشيات في وقت وجيز (من 3 إلى 4 سنوات).
ويعد نظام الجماعات الترابية ثغرة كبيرة في الخزينة العامة للمملكة، وتقدر ميزانياتها التدبيرية السنوية بعشرات المليارات.. بيد أن توظيفها دوما محفوف بمزالق إدارية كبيرة، على الرغم من الدوريات التي ما فتئت وزارة الداخلية تصدرها لها بغرض "الحكامة"، "والنزاهة" و "ترشيد النفقات"... فيجدها الحاج الفساد وأبناؤه مرتعا خصبا لإبرام الصفقات المشبوهة والتقليص من ميزانية المشاريع، فتأتي هذه الأخيرة مغشوشة وبمعايير أخرى لا تتوافق مطلقا مع دفاتر التحملات.