الانفتاح على فعاليات معينة تنتمي إلى المجتمع المدني في إطار مشروع النموذج التنموي الجديد المأمول لا يجب أن يتحول إلى منصة للتباكي على الأوضاع وانتقادها، أو إلى منبر لرفع المطالب، لأن هذه أشياء من اختصاص البرلمان والمعارضة بكل أشكالها، كما أنها أشياء عادية ومألوفة لن تتسبب سوى في تكرار ممل لا يغني ولا يسمن من جوع، وفي ضياع لوقت قد لا يعوض.
وأيضا، وعلى سبيل الافتراض، إن "استجداء" بعض مشاهير المواقع الاجتماعية، من بين ممتهني أو ممتهنات الخوض في بعض الأمور السياسية...، من أجل استمالة "قدراتهم الشعبوية" لجلب عطف الجماهير لصالح الأحزاب السياسية، ليس مهمة اللجنة المكلفة بمشروع النموذج التنموي الجديد، كما أنه "استجداء" أكل عليه الدهر وشرب نظرا للتحول الملموس في عقلية المبحرين في عالم الإنترنت الذين أصبحوا يستهلكون الفرجة من باب الفضول فقط، ولا يتأثرون سوى بالجدية.
الوقت يداهم اللجنة المكلفة بمشروع النموذج التنموي الجديد؛ إنها في حاجة فقط لاستشارة علنية مع من لديهم فعلا أفكار نيرة موضوعية جديدة لإغناء المشهد العام بالمصداقية، أولا وقبل كل شيء، وبعيدا عن كل "شعبوية انتهازية"... فالوطن في حاجة لأفكار جديرة بإحداث تغيير علمي موضوعي فعلي ينعكس إيجابا على الحياة اليومية للمواطنين عاجلا.
فإذا كان في ما مضى استعمال "الشعبوية" لتأجيل الأزمات الاجتماعية يعود بنفع ما مؤقت، فإننا اليوم أمام تحد من نوع آخر يجب عدم الاستهانة به، لأنه يتعلق بوضع جديد لا يمكن بتاتا مواجهته دون ضمان مساندة القواعد الاجتماعية الخلفية المتجلية في الطبقة المتوسطة وحليفتها الموضوعية الطبقة الفقيرة.
إننا جميعا نتواجد على متن السفينة نفسها، سفينة ضخمة قد تواجه في وقت قريب أمواجا هائجة متتالية متسلسلة قد يرتفع علوها الواحدة تلوى الأخرى لا قدر الله، مع أنها سفينة لا تتوفر على أطواق النجاة للجميع. فالحل إذن في تقوية أسس السفينة حتى لا تستسلم لكل عاصفة فجائية محتملة، وحتى تبلغ بر الأمان بكل طمأنينة وسعادة، وبجميع ركابها.
مشروع النموذج التنموي الجديد المأمول لا بد أن يقدم جديدا، ولذلك لا بد له أن يهتم بالفكر المتزن المتوازن ليتمكن من صناعة حلول صائبة تقطع فعلا مع إنشاءات المشاريع السابقة. قد يبدو الأمر صعبا، ولكنه يتطلب فقط الانتباه إلى أهمية ضرورة استيعاب الفرق بين الفكر الإيجابي البناء والشعبوية الهدامة؛ فلا بد من بذل المجهود نظرا للظرف الحرج الذي نعيشه كلنا اليوم.
التهويل ليس القصد من هذا المقال، ولا دق ناقوس الخطر الذي يا ما تم دقه ومرت الأمور بسلام، ولكنه سلام اتضح أنه خادع مخادع، بل القصد إثارة الانتباه إلى حالة اجتماعية فريدة لم يسبق لها مثيل في ما سبق. ومعذرة على الصراحة والله أعلم.