دكتورة ميساء المصري
يبدو العنوان نشازا ..لكنه يصور الحقيقة ، التي مازالت أطوارها متواصلة ولا نعرف طبيعة نهايتها حتى الآن..وقبل أن أحدد مسرحها وشخوصها أتوقف قليلا عند مقارنة وسرد التاريخ , كثيرون هم من يفكرون بساسة الأمس ويعيشون على أمجادهم ….وأقاويلهم ونضالهم وربما أفعالهم التي كانت في ذلك الوقت منتقدة..وربما مرفوضة.
أما ساسة اليوم ،فلم يخالفوا التوقعات , عملية استنساخ أنظمة وإستنساخ خصوم , مع تبديل للمقاعد السياسية فقط . وغالبيتهم ساسة الياقات البيضاء والصدفة والهرولة خلف المناصب والمكاسب، ساسة الوراثة، التي لايميزون فيها لا حلالا ولا حراما، و بعضهم قضوا أكثر من نصف العمر يخافون من دخول الحمام بالقدم اليسرى قبل اليمنى كي لايئثموا…… سياسيونا كل همهم أن يقضوا السنوات الأربع في صراعات ومناكفات ثم يسارعوا للإتفاق من أجل الحفاظ على ما هم فيه وإبقاء الناس على ما هم عليه .
ومخطئ…في وقتنا الحالي كل من يفكر بالثنائيات، وبضرورة أن ينتصر طرف على طرف. أو سوف يكون على الجميع أن يتعايشوا ويتنافسوا في إطار نظام معين قد يكون التطبيع او سقوط كرسي السياسة , والوهم بصراع على خدمة الشعب قبل المصالح , وقواعد لا تقتصر على حكم الأغلبية، بل تتضمن أمورا كثيرة أخرى ، أغلبها ما يضع قيودا على الأغلبية لتجديد الديكور وتغيير وجه القانون .
القائم على الساحة الآن ليس صراعا ولا تفاوضا ولا حلول سلمية أو نوايا صادقة ، وليس هدفه السلام و نبذ العنف و حقن الدماء و تلبية مطالب الشعوب ، بل جاءوا بشروط ونية مسبقة لإستمرار الكارثة،. بمؤامرات الغرف المغلقة !!!.
لو حاولنا بكل حيادية أن نشخص السلوك السياسي العربي في هذه اللحظة التاريخية من واقع البلاد العربية الذي نعيشه ..في تعبير مختزل، فلن نجد أفضل من كلمتي «عهر سياسي» او Political immorality. ولو حاولتم البحث عن الموضوعات التي تحمل المسمى ذاته من خلال محرك البحث «غوغل» فقط في الوطن العربي لوحده ، فستجدون أن عددها يبلغ615,000 مادة. ولو أسقطنا منها ما هو مكرر او متشابه فسنجد ، ما لا يقل عن نصف مليون موضوع يناقش «العهر السياسي لدى العرب». وهذا يقودنا الى سياسات عاجزة رغم عهرها تسود المنطقة العربية تفترش أكثر من مكان، وتبرز في أكثر من حالة معينة بذاتها بدون فائدة .
وقبل السياسة فإن العهر في اللغة، هو الفجور بمعنى الظلم، والكذب، والمكر والخداع والخيانة ….وهذا ما نشهده اليوم بوضوح على الساحة العربية.
أما السياسة فقد توصف بأنها فن الممكن في حيز المتاح وتحقيق المصالح بالنظر إلى مصالح الغير والسياسة مصنع الحياة ومدرسة المبادئ .وليس كما هو موجود على أرض الواقع فهي مكر وخداع الأخر وميكافيلية وركوب الموج وإنتهاز الفرص وإقتناصها.
ولنكتفي بمواقف جامعة الدول العربية، صامتة صمت القبور، في مرحلة تتطلب منها أن ترفع صوتها عاليا أزاء قضايا مصيرية وما أكثرها توالدت وتكاثرت بما لا يخدم عروبتنا ,تلك التي تلم بالساحة الفلسطينية، وأخرى تشهدها الساحة العراقية. او سوريا ثم ليبيا واليمن ولبنان فالسودان فتونس ومصر …ومن تبقى من دول تجمع شتات نفسها وتلملمها خجلا …، بشكل علني سافر أو مبطن مبهم، متشحة بما يسمى بالشرف السياسي . تحت ستار كثيف من دخان البروباغندا والمناورات، وإخفاء بعض ما أُبرم من تفاهمات وصفقات وتسويات. والتي كانت شرطاً للطبخة الصهيونية .
ولا أدري كيف إمتزج هذا الخليط السحري رغم ما يبدو بين بعض مكوناته من تناقضات.. ودخولنا الى نفق مظلم من الطاعون الأصفر الى الطاعون السياسي والعرب أدوات في كل ما يجري. ..فعلى المستوى الفلسطيني حدث ولا حرج ,القضية تجاوزت ردود الفعل عليها وبات العهر حد الثمالة ، اما مصر خارجيا و بأوضاعها الداخلية التي باتت تمزق نسيجها الإجتماعي وتشل عضلاتها السياسية وتناحرها مع الشعب بطريقة تثيرالإشمئزاز ، وأخرى مثل السعودية التي تنهكها أيدلوجيات تتشاركها مع دول الخليج…التي إنسلخت من كينونتها لتهرول واهمة نحو مصالحها . وأصبحت أغلب الدول العربية تمارس العهر السياسي بوقاحة التعصب الوطني وتوظيف النفاق السياسي القمعي.
ما يجري على الأرض العراقية من مشروعات إيرانية، تقابلها أخرى تركية بشكل مستقل، كل منها تحاول فرض نفسها كقوة إقليمية شرق أوسطية ، مما يبيح للاثنتين: إيران وتركيا تعزيز نفوذهما، عبر قوى محلية فقدت أدنى قيم إلتزامها الوطني، فلم تتردد في بيع العراق مقابل مكاسب آنية رخيصة، ناسية، أو متناسية عن عمد، أن نتائج هذا السلوك السياسي ستكون وخيمة وهو نفس السيناريو المتكرر في ليبيا صراع دول وادوات وميلشيات وبقايا جيوش واجندات أسلحة، والمشهد القاتم المشترك في دول عربية أخرى مثل لبنان والاردن وتونس ومصر والمغرب هو الخسائر الإقتصادية التي باتت سيدة الموقف من تجويع وفقر مدقع وبطالة متفشية وفساد مؤسساتي تفوح منه رائحة المؤامرة العالمية و يكاد يصل بنا الى حافة الهاوية.
لم تعد هناك ثوابت دولية , ولم يعد هناك قوانين دولية، ولم يعد هناك مؤسسات دولية، كل ما يجري محاولة تخدير الشعوب وتذويب الدول الضعيفة، بأن لا تتجاوز الحدود وان تبقى بحالها لتأكل وتعيش بعد ان تم تجويعها وحتى يأتيها الموت أو الفوضى بإرادة صهيوأمريكية .
تم وضعنا داخل جزء من أرضنا وتم تقسيمنا, حتى وصلنا لمرحلة أن نقسم أنفسنا , وأن ننقلب على ذاتنا و نسير بخطى أعداءنا وما يخططون ضدنا.
هل ستتحرك الشعوب العربية التي غالبيتها تعاني التهميش والتكميم والقمع والتغييب والتقزيم والتفتيت ؟ وهل سيندم ساسة الدول العربية على عهرهم السياسي الذي يصرون على ممارسته، وفي وضح النهار….أم سيقف التاريخ شاهد زور على فشلنا.
كاتبة اردنية