من المتعارف عليه عالميا أن الدولة تتكون من الشعب والإقليم والسلطة ، وتمر بمراحل عدة وهي مرحلة الدولة الحارسة والمتدخلة وأخيرا مرحلة دولة الرفاه ، والدولة الموريتانية ليست بدءا من دول العالم فقد انعم الله عليها بإقليم يعتبر من أحسن الأقاليم الأفريقية ،
حيث تتمتع بمساحة مترامية الأطراف تزيد على مليون كلم مربع وتزخر بثروة هائلة ومتنوعة ، تشمل الحديد ، والذهب ، والبترول والأراضي الصالحة للزراعة والثروة الحيوانية بالإضافة إلى الثروة السمكية ، وحباها الله بشعب قل نظيره فهو شعب يعتنق دينا واحدا ويتبع لمذهب واحدا ، ويتعامل بلغتين فقط هما اللغة الرسمية ( العربية ) ولغة المستعمر ( الفرنسية ) ، ويتحدث بأربع لهجات هي : الحسانية ، والبولارية ، والولفية ، والسوننكية ، وبالتالي انسجامه لايحتاج كبير عناء ، ضف إلى ذلك قلة عدد السكان حيث لا يزيد السكان حسب الإحصاء الأخير الصادر عن المكتب الوطني للإحصاء سنة 2013 ، عن 3.500.000 نسمة ثلاثة ملايين وخمس مائة الف نسمة ،
أما السلطة فقد كانت العائق الوحيد أو المصيبة التي ابتليت بها هذه الأرض التي انعم الله عليها بوفرة الموارد وقلة الشعب والتجانس بين فئاته ، فالدولة الموريتانية منذ استقلالها في 28 نوفمبر 1960 م لم يستقر لها سلطان ، فكلما أوشكت على النهوض انقضت على دفة الحكم ثلة من أبناء هذا الوطن واختطفته بانقلاب ، مرة تحت يافطة الإصلاح وأخرى تحت يافطة الخلاص ..... وهكذا بقي هذا الشعب المسلم المسالم بين دوامة اللا استقرار وتستنزف خيراته.
وكان نتيجة لذلك ارتكاب عدد لايحصى من الأخطاء والأغلاط القاتلة أحيانا ، نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر التقطيع الإداري الذي خضع في كثير منه لمعيار القبلية والجهوية والفئوية حتى ، فالملاحظ للخريطة الإقليمية الموريتانية ، يجد أنها لا تخضع في الغالب لمعايير التقطيع الإداري الموضوعية ، والذي من المفترض أن يكون إما على أساس اقتصادي أو الكثافة السكانية ، أو الجغرافيا أو الثقافة ، ولهذا نجد مناطق متخمة بالخدمات وأخرى لاتجد ما تسد به ظمأ عطشها فضلا عن الخدمات الأخرى كالتعليم والصحة ..... ، ولعل المثال الذي نريد الاستدلال به في هذا الموضوع هو مثلث الفقر ، لقد قضى هذا الاسم ولفترة طويلة يطلق على أطراف ولايات كوركل ، ولعصابة ، ولبراكنة ، وهو في الحقيقة اسم على مسمى فهذه المناطق عاشت ولفترة طويلة الفقر المدقع ، والجهل ، وفي الفترة الأخيرة وتحديدا بداية 2009 ، وجد هذا المثلث لفتة من طرف القيادة العليا ممثلة في رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ، غير بموجبها الاسم من مثلث الفقر إلى مثلث الأمل ، على أمل بتغيير واقع البؤس الذي تعيشه الساكنة ، لذلك قام بإعطاء إشارة تشييد ثلاثة تجمعات متفاوتة الأول كان 2012 تحت اسم تجمع قرى بورات بولاية لبراكنة ضم حوالي 25 قرية ،والثاني في ولاية لعصابة تحت اسم تجمع بولحراث ،والثالث تحت اسم تجمع أفجار بولاية كوركل ضم حوالي 10 قرى ، وتم تشييد في التجمع الأول مجموعة من البنى التحتية تمثلت في المدارس ومستشفى وأسواق ومسجد ومعهد ومحظرة... ، إلا أن هذا التجمع مازال مقفرا بسبب العطش وضيق ذات اليد من طرف ساكنة القرى المجمعة التي لم تستطع حتى الساعة تشييد أية بنية تحتية تسكن فيها ، كما أن البنايات التي تم تشييدها مازالت كما هي جاهزة لكن دون استغلال رغم الحاجة الماسة لها ، وقد كان الهدف الأساسي من هذه التجمعات هو القضاء على العشوائيات والتقري الفوضوي والذي كان يكلف الدولة مبالغ طائلة ، وتقريب الإدارة من المواطن ، وهي خطوة في غاية الأهمية وتستحق التنويه في زمن أصبحت فيه الخدمات المقدمة من طرف الدولة لمواطنيها تحتاج إلى الشكر والتنويه ليتواصل تقديمها وإلا...!!!
في الختام نشير إلى أن الذين قدموا استشارة إنشاء المنشآت غابت عنهم الحكمة المصرية التي تقول بأن المستفيد أو المعني بالمشروع تجب مشاركته في التخطيط والتنفيذ لتكون للمشروع جدوائية ويشعر بأن ما يقام به هو لمصلحته وليس بغرض آخر ، فالمثلث يعاني من الفقر ، والتهميش رغم أنه يعج بالكوادر القادرة على المساهمة في النهوض به ولكن لم تتاح لهم فرصة بسبب الإقصاء الممنهج ، وللخروج من المعضلة ولتطابق الاسم مع الواقع نقترح ما يلي:
1. إجراء تقطيع إداري يجمع أطراف هذا المثلث من الولايات الثلاثة كوكل ، لبراكنة ، لعصابة ، لتكون ولاية خاصة عاصمتها في قلب المثلث لتقريب خدمات الإدارة من الأطراف الثلاثة
2. إعطاء تمييز إجابي لشباب المثلث في التشغيل وتمويل مشاريع مدرة للدخل ترفع من واقعهم الاقتصادي المتدني
3. تشجيع التعليم بإنشاء مدارس امتياز خاصة بأبناء هذا المثلث ، وإعطاء جوائز وامتيازات سنوية خاصة للمتفوقين ، وتشجيعات وعلاوات للمعلمين والأساتذة الذين صبروا جحيم التعليم في هذا الوضع
4. قيام وكالة التضامن بواجبها حيال هؤلاء الفقراء وضحايا الاسترقاق والإقصاء والتهميش.
بهذا يمكن لساكنة المثلث أن تعيش تحت اسمها الجديد مثلث الأمل ، وإلا فإنه سيبقى اسما يعيش تحته فقراء المثلث .