ما خاب من استشار، هكذا قال الحكماء، وأضافوا أن من استشار أهل العقول أدرك المأمول، فالاستشارة سبيل لاستنباط الصواب والتحصين من الهفوات والأخطاء، وهي درع آمن من الملامة والندم. التشاور إذا خصلة وسلوك محمود يفترض أن نتحلى به في تدبير أمورنا، صغارها وكبارها؛ غير أن هناك ضوابط وقواعد يتعين الالتزام بها حينما يتعلق الأمر بموضوع مقالنا.
لا شك أن كل دواوين وزرائنا لن تخلو من أشخاص استقدموا إلى هذه المؤسسات قصد توفير المشورة للوزراء، وهو أمر طبيعي لكون التجارب والخبرات، التي تعتبر شرطا موضوعيا في ولوج المهمة، تساعد الوزراء على اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة، وبغير قليل من النجاعة والفاعلية والفعالية.
الغريب في الأمر هو استغلال البعض من الوزراء لهذه الفرصة للانتصار للقبيلة السياسية-الأيديولوجية ضدا على مصلحة الوزارة والوطن، فوجودها فرصة لكسب التوازنات داخل أحزابهم عبر مبدأ الولاءات والجزاءات، حتى أضحت بعض الوزارات محميات لصقور بعض الأحزاب باسم مستشاري الوزير.
ما يجب أن يفهمه هؤلاء ومعهم السادة الوزراء الذين استقدموهم أفواجا أن اختيار المستشارين يجب أن يقوم على التخصص والتجربة والخبرة كشروط موضوعية، وأن عقلنة وترشيد هذه المناصب المشبوهة يعكسان وطنية الوزير قبل الحديث عن كفاءته وحنكته؛ فعندما تجد جيشا عرمرما من هؤلاء في الوزراة فصلاة الغائب على الوزير مشروعة وسنة مؤكدة.
من جهة أخرى، وذلك أخطر ما في الأمر، تعدّى بعض مستشاري الوزراء، بالنظر إلى "وزنهم السياسي" داخل أحزابهم، الاستشارة التي ولجوا باسمها دواوين الوزراء إلى التقرير أمرا ونهيا في أمور تعتبر من صميم اختصاصات من استقدموهم.
خير مثال في ما نزعم ما يخصّ ديوان السيد رئيس الحكومة، الذي يأوي ثلة من الأشخاص، ننأى بأنفسنا عن ذكرهم بالاسم، فشلوا في مهام وزارية سلفا، إلى جانب محظوظين آخرين رأسمالهم عضويتهم "الشرفية" في هيئات وأجهزة حزبهم. وهنا نستحضر مسألة التعيين في المناصب العليا التي تداولتها بعض المنابر الإعلامية مؤخرا، والتي اختطفت من أيادي أهلها الحقيقيين ليعبث بها العابثون.
إن وزراءنا مدعوون، وهم في حكومة الكفاءات، إلى العمل على إنصاف الوطن وقطع الطريق على الوصوليين من صقور أحزابهم؛ إنهم مدعوون إلى الانتصار للكفاءة والتجربة والخبرة والكف عن تحويل الوزارات إلى محميات حزبية تكتسي رداء الأيديولوجيا، مدعوون إلى احترام اختصاصاتهم وفرض احترامها على غيرهم، مدعوون في الأخير إلى فهم عنوان مقالنا، وهو مثل فرنسي شائع؛ فنحن المغاربة نريد مؤسسات يدبر شؤونها أناس متبصرون ذوو شخصيات قوية حازمة، فإذا كان بعض المستشارين عورا، فلأن بعض وزرائنا عميان.