ليلة عاشوراء، التي عهدناها لأزمان مضت مناسبة لاجتماع العائلة، وصلة الأرحام، وتناول الفواكه الجافة، واحتفال الأطفال بلعبهم الجديدة، وممارسة ألوان من الطقوس، التي تختلف حولها الآراء، وتتعدد التأويلات؛ هذه الليلة تتحول فجأة في بعض مدننا إلى ما يشبه الكوابيس، أبطالها مجموعة من شبابنا، الذي قادته حماسته وعنفوانه وبعض جنونه إلى ممارسة ألوان من التخريب والإتلاف للكثير من المرافق العمومية، وإلى رفض الامتثال لتنبيهات المواطنين، وإلى مواجهة رجال الأمن بأساليب بدت غريبة، وغير معهودة في بلادنا.
هذا الحدث غير المتوقع، حتى بالنسبة للجهات المعنية بالمحافظة على أمن المواطنين، وهذا الشكل من التفاعل الشبابي غير المألوف، يقتضي التوقف لطرح الأسئلة الضرورية، واستخلاص ما يجب استخلاصه.
السؤال الأول والكبير، الذي يفرض نفسه مباشرة هو: ما هي الأسباب الحقيقية الثاوية خلف كل هذا التحول الذي يشهده السلوك اليومي للكثير من شبابنا؟ من أين يأتون بكل هذا العنف والتردي اللفظي والسلوكي، الذي يملؤون به الكثير من فضاءاتنا؟ ما هي المبررات الفكرية والتربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن نفهم بها ونقارب من خلالها هذا الوضع الجديد للكثير من شبابنا، الذي لا تزيده الأيام إلا استفحالا؟.. الأمر يتطلب بحوثا جادة، وتدابير عاجلة ومسؤولة، تروم إيجاد الأجوبة الصريحة والصحيحة؛ وبالطبع لا بد هنا من استحضار كل الوسائط والهيئات المعنية بقضايا الشباب، ولا بد من مساءلتها واحدة واحدة: الأسرة، المدرسة، دور الشباب، الأحزاب السياسية، الجمعيات والهيئات المعنية بموضوع الشباب. أين الأسرة المغربية؟ وأين أدوارها التربوية والتقويمية؟ ما السر في كل هذا التحول وفي كل هذا الغياب الذي أصبحت تبصم عليه العائلة المغربية؟ لماذا يتم الدفع بالأسرة المغربية إلى الهاوية عبر وسائط واختيارات غير منطقية ولا تربوية، يتم تصريفها إعلاميا وفنيا ورياضيا وسياسيا، والنتيجة أن أسرنا لم تعد محضنا لتخريج العينات المواطنة من الرجال والنساء؟ هل هناك من يبحث عن هذا المصير ويقصد هذا المنتهى؟.
بعد الأسرة يأتي الدور على المدرسة، الحاضن الثاني الذي يستقبل أطفالنا، وينتظر منه بداهة أن يتمم ويكمل ما بدأته الأسرة، وفيه ينفتح الطفل على المعرفة، ويكتسب المنهج والأسلوب، ومنه يتخرج مواطنا صالحا يعرف ما يريد. هذا هو الواجب والمفترض الذي تشوبه الكثير من الشوائب، في بلادنا، لأسباب كثيرة؛ يأتي على رأسها غياب مشروع تربوي واضح ودقيق، يجيب بصدق وشفافية عن سؤال المدرسة، وماذا نريد منها تحديدا؟ ولماذا يلتحق بها أطفالنا ابتداء؟ وماذا بعد أن يغادروها ؟، وأية علاقة تربط التعليم عندنا بالتنمية؟.
وبعد الأسرة والمدرسة يأتي الدور على الهيئات والمؤسسات الموازية، التي يفترض أن تلتقط الشباب من الشارع، وتتكلف بمهمة استكمال تأطيره التربوي والواقعي. والمعني هنا مباشرة هي دور الشباب، والأحزاب السياسية، وكل الجمعيات والمنظمات التربوية والثقافية، التي تتحدث باسم الشباب؛ فالملاحظ أن كل هذه المؤسسات لم تعد تضطلع بأدوارها التأطيرية، وأيضا لم تعد تجد الحماس لذلك، والجاد منها لا يلقى الترحيب والتشجيع، بل يلقى الصد والإهمال، فماذا نريد بشبابنا؟ ومن أين يأتيه المدد الفكري والتربوي إذا كانت جل المؤسسات التي تتحدث باسمه لم تعد لها علاقة حقيقية به؟.
المؤكد أن المقاربة الأمنية لوحدها لا يمكن أن تفيد في كبح جماح هذه الأعداد الكثيرة من شبابنا، وفي معالجة ما يقدمون عليه من تجاوزات، لا يبدو أنها ستعرف طريقها إلى التوقف ما لم يتم القيام بالواجب والمتعين تجاه قضايا الشباب الأساس، وما لم يتم النظر وإعادة الاعتبار منهجيا وواقعيا لكل الهيئات والمؤسسات المعنية باحتضان هؤلاء الشباب وتأطيرهم، وما لم يتم إيجاد المخارج الحقيقية والمسؤولة لأمهات الأسئلة التي تؤرق شبابنا، ويأتي على رأسها سؤال التعليم والتربية والمستقبل.
السؤال الثاني، ويكتسي طابعا قانونيا وتربويا؛ ما هو المسوغ القانوني والتربوي الذي يسمح بتحويل فضاءاتنا العمومية إلى ساحات للمفرقعات والألعاب النارية، عند كل عاشوراء؟ من المسؤول عن ترويج ونشر هذه المخاطر والمخاوف، التي يتفق الجميع على خطورتها، وتعتبر مصدر إزعاج للجميع، ثم نجدها تنتشر بيننا كل عام، وبأكوام متزايدة، من المستفيد من كل هذا الإزعاج والإرباك الذي يلحق المواطنين؟.
باستحضار كل هذا وغيره، نستطيع أن نفهم ما حدث ليلة عاشوراء.