"الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين، بنفس الأسلوب ونفس الخطوات، وانتظار نتائج مختلفة" (ألبرت أينشتاين).
ينهار العالم اليوم فوق رؤوسنا جميعا على نحو ينذر بأنه ربما استنفد مختلف جوانب طاقته الكامنة سلفا ولم يعد يملك في جعبته ما يقدمه كخلاص، أو حتى مجرد حفنة مهدئات أخرى يسري مفعولها كذلك خلال فترة زمانية معينة، مادام العالم لم يكن في يوم من الأيام أفقا مطمئنا، بل ورطة ووحلا بكل ما تنطوي عليه الكلمتان من دلالات رمزية.
تستغرق حاليا البشرية أزمة وجودية مفصلية، ظاهرها الإشكال الصحي المستعجل الذي طرحته بحدة هجمة كورونا، وباطنها ارتدادات كبيرة على جميع المستويات الاقتصادية والمجتمعية والفكرية والبيئية، مما يؤكد بكيفية لا تقبل الانتظار أن مجابهة الوضع الراهن بخلفياته وامتداداته تقتضي حقا رؤية وجودية ذات منظور شمولي، من خلال تفعيل مشاريع مجتمعية تشكل قطيعة نوعية مع المقدمات السالفة التي انتهت بالجميع إلى الارتطام بجدران الانهيار.
مازال الاعتقاد سائدا بأن اكتشاف تلقيح ناجع ضد الوباء، دون الحديث عن المساحة الزمنية الطويلة التي تقتضيها بكل تأكيد آليات التجريب والاختبار والتفعيل والإقرار والترخيص والتسويق والتداول...، سيضع حدا لما ترتب عن أهوال حرب العصابات التي نعيشها منذ أشهر، ثم نستعيد فيما بعد لا محالة سياق الوضع السابق، حيث بداهة "علاقات الألفة" مع الفضاء العام بكل مكوناته.
ليس التأويل بهذه البساطة الفجة، ولم يكن قط في يوم من الأيام مختزِلا ومختزَلا. تطلبت دائما أسئلة بناء الشعوب أجوبة رصينة وعميقة وجدية، تنهل من الآفاق الفلسفية الواسعة كي تحيط بأبعاد الزمان وقد وضعت مختلف الطوارئ أمامها، الايجابية والسلبية، لأن الحياة طارئة جدا ولا تسير على هدى خط مستقيم، ولا تقبل الاستكانة الدائمة إلى وضع بعينه. إنها متقلبة، على نحو لا تقبل الرصد بتاتا.
هنا يكمن سر تميز الشعوب التي تبدع الحياة حقا، بفضل تشاؤمها/المتفائل المستمر، وتطلعها نحو تجاوز كل تحقق قائم، وإدراكها لحقيقة الحياة، بفضل ذكائها الحياتي نتيجة تضافر عوامل سوسيو-ثقافية كرست وعيا حضاريا مهووسا بالأسئلة الجذرية، مما يجعلها ضمن أفق العمل الدؤوب، ومن ثمة تحقيق نتائج إيجابية بالضرورة، وليس التفاؤل من أجل التفاؤل، ضمن سلاسة في انتظار غودو، كما تروج منظومات الغباء والتحنيط لمجتمعات صناعة الموت وترسيخها ماديا ورمزيا.
سؤال ما الحل؟ أو ما العمل؟ كي ننتقل بجدوى هذا العالم إلى سياق بناء غير السياق السلبي المكرس على نار هادئة خلال عقود طويلة غمرتها أساسا، بشكل متصاعد، أوبئة وأمراض فتكت صمتا بالبشرية يوميا، والمتمثلة في تعميم مختلف الشرور والموبقات، التي استنزفت الحس الإنساني وأفقدته جوهره، لا سيما منذ انهيار الثنائية القطبية وتراجع المد التناظري الايديولوجي بمنظوراته الفكرية الجدلية الخصبة، لصالح إمبريالية الشركات العابرة للقارات في إطار المنظومة الشمولية المترتبة عن أمركة العالم سياسيا ضمن مسار البعد الواحد القائم على دوامة الاستهلاك ثم التسطيح.
بالتأكيد، يتجاوز الجواب كفاية المصالح الضيقة للجماعات والمؤسسات والدول، ويتسامى كثيرا جدا عن مختلف الغايات الشخصية العابرة. تقتضي مضامين ما الحل؟ مشروعا أمميا تحرريا، بأبعاده الإنسانية المختلفة، يضاف إلى تلك الأنساق النوعية التي حققها التاريخ، ضمن مقتضيات مرحلة نوعية جديدة، بعد أن بلغ النظام السابق أقصى مستويات منتهاه ولم يعد قادرا على الاستيعاب.