إما أن "نكون أو لا نكون"...

سبت, 09/05/2020 - 12:20

بعد الحرب العالمية الثانية، تم إعادة توزيع العالم على الخريطة، وباتفاق يسوده الخوف من الانهيار التام باستعمال قلم الحبر بعلامة "BIC" وبمساعدة القوة الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أنه اليوم يتم إعادة تقسيم العالم بمساعدة المتطرفين وأشباه المتطرفين وأشباه الليبراليين بقيادة القطب المسيطر وباستعمال العنف والحروب والعنصرية وسياسة تهريب الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر، ازدادت حدتها مع انهيار جدار برلين...

بعد سنوات من زراعة التطرف ونشر الأسمدة المسمومة المناسبة لذلك باسم الدين أو الطائفية أو المذهبية، القوى العالمية تعيش مرحلة حصاد لكل إنجازاتها الشيطانية طيلة عقود من الزمن، إنها تحاول بشكل عام تجاوز أزمتها التي أصبحت جد خانقة خاصة مع، من جهة، صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية وكمنافس قوي للولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن جهة أخرى، بروز روسيا "من جديد" في الساحة الدولية. دون أن ننسى المحاولات الجديدة للتَمَوقُع في معترك التحالفات والأقطاب من طرف عدة دول خارج القطبين، وأخص بالذكر تركيا. هذه الدولة التي لَن تتهاون أن تتحالف مع أي كان من أجل مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، والمتمثلة أساسا في محاولة السيطرة على دول البحر المتوسط والشرق المتوسط، دول الخليج ودول المغرب الكبير. إنه مشروع طموح يخدم مصالحها الاستراتيجية المُؤسسة والمؤطرة بالنظرة الشمولية والنزعة التنافسية والفردانية.

عالم يتشكل بعيدا عن أهم عقد دولي سَطّره العالم بعد الحرب العالمية الثانية. عالم يتشكل بَعيدا عن المواثيق والعهود الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي أرادت من خلالها الدول مَنح إمكانية العيش المشترك في سِلم وسَلام واحترام للاختلاف من أجل الأرض والإنسان. عالم يتشكل في صراع بين: من جهة، الإبقاء على المكتسبات من حرية وديموقراطية التي تراكمت لعقود من الزمن، ومن جهة أخرى، فرض شروط العدالة الاجتماعية التي انهارت بسبب النظام الرأسمالي العالمي. اليوم، هذا الصراع تخوضه مجموعة من الشعوب حتى في تلك الدول التي تَعتبر نفسها مَهْد الديموقراطية والحرية. عالم يتشكل ليغطي على الطموحات الطغمة الأوليغارشية التي تسيطر على اقتصاديات وسياسات دول العالم. وما كوفيد-19 إلاّ ظرفية ملائمة لتسريع التغيير لصالح الاحتكارات العالمية وتقليص مساحات الحرية والديموقراطية للجميع دون استثناء. هل ستقول الشعوب كَلمتها وتعي بكل وعي ومسؤولية حجم الخطر القادم؟

المغرب كباقي البلدان يعيش هذا الصراع مع ما يتميز به من إيجابيات، ومع ما راكمه أيضا من سلبيات. هل سيستطيع المغرب أن ينجو من سُموم أشباه الليبراليين بجلاليب مرة داعشية ومرة أردوغانية، أو هما معا؟ هل سيستطيع المغرب أن ينجو من مخططات مَن اِنسَلوا باسم الديموقراطية إلى جميع منافذ الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضا الثقافية؟ هل سيستطيع المغرب أن يرسم لنفسه مسارا ديموقراطية بعيدا عن أصحاب "بيم/ BIM" وأصحاب الوهابية؟ فكل هؤلاء المُتسللين، لا يهمهم لا مصلحة البلاد ولا مصلحة العباد، همّهم الوحيد إنشاء امبراطورية "إسلامية" (وَهْمية) تحت حكم ترامب / أمريكا وحلفائها أو أية قوة أخرى بديلة، المهم توسيع سيطرتهم ومنطقهم الفاشي والاقصائي...

أوروبا بقوتها وتاريخها، في طريقها للانقسام والتحول عن المسار المشترك الذي رُسم في ما بينهم. فماذا سيكون مصير الدول الفقيرة والنامية التي يراد لها أن تبقى تتخبط في تخلفها ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بُغية أن تظل خيراتها وثرواتها سهلة المنال.

جل قضايا الشعوب تم بيعها في السوق العالمي في غياب لافت للنظر لإرادة الشعوب... آخر بقايا إنسان ووطن يتم بيعهما بالتقسيط المريح بين دول الشرق وأمريكا وحلفائها، خير مثال فلسطين التي بِيعت بالتقسيط المُريح للمشروع الاستراتيجي للنظام الرأسمالي بقيادة أمريكا من أجل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وباقي المناطق المجاورة... مَا كان يُحاك في الظلام خوفا من الشعب، أصبح اليوم يباع في العلن...

في المغرب، حزب سياسي حاكم يعلن بكل جرأة عن وطنيته خارج الحدود، وفي كل مرة حكاية جديدة للضحك على الذقون، وفي كل مرة تغيير استراتيجي لتمزيق الوطن... حتى أسماء الشهور يتم تغييرها... والأمازيغية تم إقصاؤها في العلن. إنها سياسة واضحة لتخريب أية محاولة للمصالحة والإنصاف مع جروح وآلام الشعب المغربي من أجل الديموقراطية والعيش الكريم. لقد استفادوا بكل شيطانية سياسية من محطة مهمة في التاريخ السياسي المغربي. ألا يُمكن أن تكون محاولة إغراق المغرب في الديون والتبعية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية هي استراتيجية مَحبوكة لزعزعة استقرار البلد؟ كم من البلدان، انهارت لأسباب اقتصادية واجتماعية... هل يمكن للمغرب الصمود والخروج من الأزمة؟

الكل معني بمستقبل البلد والعالم. مَعَالم المستقبل، ترسم اليوم، سنة 2020 هي سنة جائحة، لكنها أيضا فرصة للتأمل والبحث عن الحياة، فإما أن نعيش أو نموت دون عزاء من أحد...

في الانتخابات المقبلة، ستعاد "أكيد" نفس الوجوه والحكايات لولاية أخرى جديدة. لنجعلها الأخيرة، لعلّنا حينها سنشكل الاستثناء، وينجو المغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويستطيع أن ينجح في مشروعه التنموي...

المستقبل هو خارج منطق الشمولية والعدائية للحرية والديموقراطية والليبرالية المتوحشة. فإما أن "نكون أو لا نكون"، فإما أن نقول الكلمة أو لنسكت للأبد. إني أخاف على نفسي وأهلي وكل من هُم حولي من التهجير القسري والعيش في مهانة بعيدة عن وطني/ وطننا... إني أخاف عليك يا وطني، ليس لي/لنا وطن سواه...

*أستاذة جامعية باحثة في الاقتصاد وفاعلة مدنية

الفيديو

تابعونا على الفيس