حتمية التجديد في المشهد السياسي الموريتاني

اثنين, 08/31/2020 - 11:49

استهلال ...

بعد الانقلاب الذي قاده كل من، أعل ولد محمد فال، محمد ولد عبد العزيز، محمد ولد الشيخ الغزواني، وجاء بسيدي ولد الشيخ عبد الله الذي سقط لاحقا بانقلاب آخر، فإنه عندما تولى محمد ولد عبد العزيز الرئاسة عارضه المرحوم اعل ولد محمد فال، وعندما تولى محمد ولد الغزواني الرئاسة عارضه محمد ولد عبد العزيز.

***

قد يتصورأي ناشط متوسط في حزب سياسي مهما كان موقع هذا الحزب في البنية السياسية للوطن، أن حزبه يدار على أساس مشروع عظيم وأن خطة رجال الحزب العاكفين على تحليل السياسة قيد تطوير مستمر، وتدرس التحولات التي تشهد الساحة السياسة في كل لحظة، قد يكون هذا الشعور الذي ينتاب أي نشاط مازال على عتبة السياسية ومتحمس لحزب سياسي مازال رئيسه يظهر في الاعلام، ونظم مؤتمره الأول منذ مدة قصيرة.

إلا أن الواقع يقول إن هذه السياسة إجمالا في ديمقراطية الممكن لا يمكن التنبؤ باي مستقبل ولا واقع لها، فموريتانيا بوصفها احدى ديمقراطيات الممكن التي شهد طفرة مهمة خلال السنوات الاحدى عشر الأخيرة، سواء على مستوى الحريات أو المجال السياسي عموما، فإنها تقدم أنموذجا على هشاشة البنية السياسية بشكل منقطع النظير، فالبلاد التي شهدت انتخابات رئاسية جاءت برئيس جديد واخرجت اخر من الحكم في مشهد وصف بالديمقراطي، عرفت تحيزا اكثر دراماتيكية من المعارضة الى الموالاة، "من صف المناطحة الى المصالحة من المواجهة الى المهادنة".

لقد كانت تجمعات المعارضة في موريتانيا من ابرز المؤثثين للساحة السياسة إن لم نقل السوح، خلال مدة طويلة من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والذي شهدت رئاسته انقسامات كبيرة لجسم المعارضة، تارة بسبب عدم اعتماده على المعارضة للحصول على شرعية وصف "المشهد بالديمقراطي"، وذلك مثلا في الانتخابات الرئاسية التي قاطعتها المعارضة ودخلها الناشط الحقوقي بيرام الداه اعبيد الذي تحول عمليا من وقتها الى واجهة سياسية قوية، ثم الانتخابات البرلمانية التي خاضت المعارضة فيها مخاضا عسيرا للاتفاق على صيغة "للمشاركة او الرفض او المقاطعة"، انتهى بمشاركة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الذي تحول الى اقوى حزب في المعارضة خلال تلك السنوات نظرا لتمثيله البرلماني

وفي الطرف الاخر كان ولد عبد العزيز قد أسس لذخيرة من الأحزاب السياسية التي تظهر وقت الحاجة _وقد حلت وزارة الداخلية في قت لاحق مع نهاية مأمورية الرجل كما كبيرا من الأحزاب في البلاد_، هذه الأحزاب كانت بمثابة صك الغفران الديمقراطي الذي يستخدم في المشهد السياسي وقت الحاجة.

إلا أن هذه السنوات التي شهدت الكثير المعارك السياسية بين معارضة شرسة، ورئيس يقف لها بالمرصاد، أظهرت خللا بنيويا في الخطابين، كان الرئيس يركز على ان المعارضة الموريتانية هي معارضة إيديولوجية بالرغم من انه هو شخصيا ليس حاملا لمشروع إيديولوجي لتحتاج مواجهته لإيديولوجيا، فيما كانت المعارضة فاشلة في تبني خطاب جاد يلامس الشارع، حيث ركزت على الخطاب الجاف المتعلق بالتغول السياسي واحتكار السلطة من الرئيس ...الخ.

سنة واحدة بعد حكم الرئيس الجديد محمد الشيخ الغزواني، ظهر تغير كبير في المشهد السياسي، وبرزت تخندقات مربكة في الشهد السياسي الموريتاني، حيث هادنت المعارضة الرئيس الجديد الذي تبنى منذ خطابه السياسي الأول سياسة الانفتاح على الاخر، وظهر خطاب أكثر تصالح ممن كانوا يواجهون ما كان اغلبية حتى خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، إذ ان أحزابا وشخصيات معارضة غيرت خطابها اتجاه ساكن القصر الرمادي وحكومته بشكل كبير.

في حين باتت الساحة خالية لأفراد من الموالاة لأن يصبحوا معارضة مناطحة الرجل الذي ساهموا في نجاحه بالأمس القريب، الشخصيات التي تدور في فلك ولد عبد العزيز _الرئيس السابق_، هي الان امام فرصة قيادة معارضة شرة لولد الغزواني كما كان حال المرحوم اعل ولد محمد فال مع الرئيس السابق ولد عبد العزيز، فاسلكو احمد ازيد بيه يظهر حاليا في شكل المرشح القوي للرئاسة موريتانيا مستقبلا، خاصة ان حزبه الجديد يقف على مبدأ كان معطلا في السياسة الموريتانية وهو "الوفاء الساسي"، سواء قرر الرئيس السابق الالتحاق بالحزب ام لا فانه سيحسب عليه بجميع الأحوال وهي فزاعة سياسية لها من الإيجابية الكثير وان بدت سياسيا على المستوى النظري مجر فقاعة لحماية الرجل من المحاسبة القضائية.

التحيزات السياسية الحالية اكدت شيئا واحدا وهو ان النخب السياسية الحالية مطالبة في غالبها بالترجل وترك الساحة لسياسيين جدد، وهو ما وصف في وقت سابق بمساعي تجديد الطبقة السياسية، وقد أصبح  اليوم هذا التجديد ضرورة يفرضها الواقع في ظل قوة ذاكرة التواصل الاجتماعي، التي أظهرت الكثير من الفضائح المتعلقة بالتناقض والنفاق السياسي، وكشفت انه لا يوجد وفاء أو رهان على ما هو سياسي في موريتانيا، كان اخرها الاحراج الكبير الذي تعرضه له احد ابرز السياسيين في قناة دولية، وحدث ولا حرج عن اللافتات والمقاطع التي تتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، التي ترمي بخلق كثير من النخب السياسية خارج المشهد.

للعبرة...

عندما الزعيم السنغافوري لي كوان هو، عن مستقبل الصين قال "انظروا الى شي جين بينغ".

وعلى غرار هذا القول فإن الناظر لمستقبل موريتانيا عليه النظر لمدى "الوقاحة السياسية".

الفيديو

تابعونا على الفيس