أنا أضع الكمامة....

جمعة, 08/28/2020 - 22:50

توجهت إلى محل البقالة لأشتري بعض من اللوازم والسلع. كان هناك التزام من الزبائن بالشروط الصحية لتفادي العدوى فيما بيننا (مسافة الأمان، وضع الكمامات...). ولتوفير السرعة المطلوبة، شغل "مول الحانوت" شخصين إضافيين معه. الأول يعمل بالخارج من أجل البضائع التي لا يمكن تخزينها بالداخل. والثاني يعمل بالداخل من أجل المساعدة وتسهيل تجميع السلع للزبائن. هذه التدابير تساعد على عدم الاكتظاظ في المحل. وكساكنة الحي، ننتظر دورنا الواحدة تلو الآخر لاقتناء ما نريد في احترام تام لشروط السلامة.

أعود كل يوم إلى المنزل وأنا سعيدة بأن الحي الذي أقطنه بعيد عن العدو الخفي، كوفيد 19. في المساء، يلعب أبناء وبنات الحي بانضباط تام رغم الصعوبة الكبيرة لتمرير التدابير الاحترازية إلى عقول الصغار. لكن، الصرامة والوعي الذي يحيط بساكنة الحي يسهل الأمور كثيرا.

منذ شهور عديدة، لم نقترب للسلام على بعضنا البعض رغم مرور المناسبات الوطنية والدينية، والتي تحتم علينا تطبيق سلوكيات معينة، نعبر من خلالها عن مشاعرنا في احترام العلاقات العائلية وحسن الجوار والصداقة. وهي سلوكيات تشجع في عمقها على الحميمية، وبالتالي على العناق وتبادل القبل. لأول مرة، تأتي مناسبة عيد الأضحى، نتبادل التحية والسلام فيما بيننا عن طريق الإشارة. كما أن إحدى جاراتي، زوجت ابنتها ولم تستطع التعبير عن فرحها بالطقوس المغربية المتعارف عليها. بكت في صمت، لكننا كلنا شجعناها للنظر للجانب الإيجابي للحدث. اقتنعت بوجهة نظرنا. فالزواج ليس هو إقامة الحفل، بل هي ضمانة حسن الاختيار من أجل سعادة العروسين؟ أفلا يمكن إقامة حفل كل سنة كتذكار لإحدى اللحظات المهمة في حياة الإنسان؟ ألا يعادل تاريخ عقد القران تاريخ الولادة؟

استمر كل واحد مناّ يتأقلم مع ظروف كوفيد 19 التي فرضها علينا. إن الأمر برمته غريب علينا جميعا، لكن يجب أن نعتاد عليه، وحتى إن فرض علينا أحيانا مزجه بقليل من الضحك والتنكيت حتى نتمكن من التغلب على قساوته بيننا. على العموم، يعشق الإنسان الحياة، ويستطيع أن يجدد من مساراته ليستمر في العيش. الظروف تحتم علينا ذلك.

لا أقطن في الأحياء الراقية. أسكن منطقة شبه قروية. الكثافة السكانية ضعيفة مقارنة مع المناطق الأخرى للعاصمة الإدارية للمغرب. لقد أصبح التعقيم وارتداد الكمامة والتباعد الصحي جزءا من الحياة الاجتماعية والعملية في حيّنا. ظننت أن كل أحياء وشوارع وأزقة مدننا وقرانا تعيش نفس إيقاعات الحي الذي أقطنه، وأنها غيّرت من سلوكياتها ونمط عيشها إلا أن فوجئت عند سفري لإحدى المدن. إنها الكارثة بكل المقاييس، مَن المسؤول؟ هَل هو المواطن(ة)؟ هَل هو المسؤول عن تدبير الشؤون المحلية لهذا المواطن؟ هَل هُما معاً؟

ركنت سيارتي، وتدرجت لأشتري ما تلتزمه واجبات الزيارة (اللحم، الفواكه، الحلويات...). لم أصدق نفسي. اكتظاظ كبير، من الصعب عليك الحفاظ على مسافة الأمان. قلت لنفسي، سأسرع فيما اريد اقتناءه، وأغادر المكان.

أغلبية المتواجدين بالسوق يرتدون الكمامات، لكن ليس كما يجب أن تكون. أنظر خلسة إلى وجوه الناس. هل لا يعلمون بخطورة الأمر؟ هل لا يعلمون أن الفيروس قاتل؟ ألا يعلمون أن البنية الصحية التي يتوفر عليها المغرب غير كافية؟ وبينما انا في شرودي وقلقي، أيقضني صوت أحدهم: ساعديني من فضلك، اشتري من عندي، لقد تضررت حالتنا كثيرا بسبب الجفاف وكورونا! التففت إليه، ألا تعلم أنك إذا لم تقم بالتدابير الاحترازية، سنعود إلى وضعية الحجر الصحي، وهذه المرة ستكون جد صعبة على المغرب؟ لن يستطيع المغرب توفير الحماية اللازمة لكل مواطن(ة)؟ أوقفني بسرعة، وخاطبني قائلا، لا أفهم كلامك، إذا لم تكونين تودين الشراء مني، دعيني من فضلك استرزق، الله يسهل عَلِيكِ. اشتريت منه ودعوت له بالفرج والتيسير. وانتقلت عند آخر، فطلبت منه أن يضع كمامته، ضحك ضحكة عالية أبرزت أسنانه المتسوسة. أنا أضع الكمامة؛ واستمر مستهزئا سمعه من هم حوله، نحن نعيش مع الفيروسات، إنها جزء من حياتنا، أنا أقطن بدوار "ال"...

خرجت من السوق، وأنا جد مكتئبة وحزينة. فالكمامات متسخة ومعلقة على الأذن أو ملتفة حول العنق، وتطبيق مسافات الأمان غير ممكن، بل مستحيل. ألا يكترثون لحياتهم؟ اعتبرت ما يقع فوضى عارمة. اقتنعت أن كوفيد19 لن يرحل عناَّ، أما الاعتماد على المواطن المنهوك اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا هو أمر يعتبر من العجائب، وإن تحقق انخراطه الفعلي سيكون من إحدى المعجزات. ما الفرق بين مواطني/ات الحي الذي أقطنه وهؤلاء المواطنين. ألا ننتمي لمغرب واحد؟ الجواب بسيط ولا يتطلب مجهودا كبيرا، إنها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن ومستواه التعليمي ومكتسباته المعرفية من تجعله ينخرط في بناء مستقبل البلاد. من أنتج هذا المواطن(ة) الغير المهتم(ة)؟ هذه المرة، الجواب على هذا السؤال ليس بالسهل؟ إن الجواب مركب ومتداخل. باختصار، السياسات الاجتماعية والاقتصادية خاصة تلك التي انتجتها السنوات الأخيرة هي السبب المباشر لهذه الأوضاع الكارثية التي يعيشها المغرب. سياسات همشت في بعدها الاهتمام بتلبية المتطلبات الأساسية للمواطن(ة) المغربي(ة). لقد انهارت أوضاع الفئات الهشة والفقيرة والمتوسطة.

رغم تعدد ودقة التقارير والدراسات المنجزة حول المغرب، إلا أن الحكومة تعيش السبات، هل هي سياسة ممنهجة لإدخال المغرب إلى النفق المسدود؟ تأزيم وضعيته وذلك عن طريق إغراقه في الديون الخارجية وخوصصة قطاعاته الاستراتيجية ورفع الدعم وغيرها من السياسات الغير الوطنية والغير الديموقراطية. ليست هناك مبادرات مواطنة من طرف المسؤولين/ات تشجع المواطن(ة) على تقوية روح المواطنة لديه. كان بالإمكان بعث رسائل ملموسة للمواطن(ة) من قبيل وقف الامتيازات والغاء صرف التعويضات ووقف الأجور المرتفعة وإلغاء تقاعد البرلمانيين/ات وغيرها من الرسائل التضامنية مع محنة الوطن، وطننا.

قدت سيارتي وأنا في جُعبتي الكثير لأخبركم/كن به، لكن استوقفني أحد الشباب المهاجرين، يسألني المساعدة... أين الحكومة؟ إذا كان المواطن مسؤول عن سلوكه اليومي، فهي مسؤولة عن توفير البنية التحتية لتطبيق السلوك اليومي لهذا المواطن؟ ما المطلوب لاجتياز الأزمة أو الأزمات التي يتخبط فيها المغرب؟ كوفيد19 ما هي إلا اختناق بسيط مقاربة مع حجم الأزمة التي تنتظر المغرب إذا لم يسارع بانتقال ديموقراطي حقيقي ؟...

*أستاذة جامعية باحثة في الاقتصاد وفاعلة مدنية

الفيديو

تابعونا على الفيس