لكل زمان ومكان رجالاته الذين تركوا بصماتهم منقوشة في ذاكرة التاريخ بنضالاتهم المستميتة من أجل الحرية والانعتاق من ربقة الاستعمار.. إنهم أبطال زمانهم تتذكرهم الأجيال ويفتخر بهم الوطن. ومن بين هؤلاء الأبطال الأشاوس نذكر القايد علال السعليتي أو "با علال" كما كان يحلو لفقيد العروبة ولإسلام المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه أن يناديه. القايد علال ابن قبيلة أيت توزين، ولد رحمة الله عليه سنة 1908م بميضار، وصادف مولده انطلاق الجيش الإسباني من مليلة لاحتلال منطقة الريف الشرقي والأوسط، ونشأ في أسرةٍ مجاهدة، حيث كان والده وجده المجاهد "محمد موح حدو سي اعلي التوزاني" من كبار المقاومين الذين ابتلوا البلاء الحسن في المقاومة الريفية ضد الاستعمار الإسباني.
ومن بين ما يحسب للقائد علال السعليتي أنه من المؤسسين الأوائل لجيش التحرير شمال المغرب بعد 20 غشت 1953، الذين ساهموا في عودة الملك الشرعي محمد الخامس طيب الله ثراه وأسرته الشريفة من المنفى.. وكان رحمه الله يمتاز بالشجاعة والكرم، وهي المميزات التي جعلت منه أحد الداعمين البارزين للمقاومة التي لم يبخل بشيء بشأنها؛ وقد ساعده في ذلك سخاؤه ووضعه المادي، إذ كان ميسورا وامتلك ثروة هائلة عن طريق تعاطيه للتجارة أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (1936 – 1939)، كما أهله هذا التواصل مع الإسبان لتعلم اللغة الإسبانية.
ومكن هذا العمل التجاري القايد علال من الاتصال سنة 1942 بالزعيم الأستاذ عبد الخالق الطوريس، الذي توسم فيه خيرا وقربه إليه، وبعد وفاة أحد أعمامه الذي كان مقدما لمدشره 1942 طالبه الطريس بتولي هذا المنصب للتغطية على نشاطاته في المقاومة.. انضم إلى حزب الإصلاح الوطني منذ تلك المرحلة، حيث كون فرعا محليا بمشاركة كل من: عبد السلام بن شوح والزعيم محمد علال أمحسن، وقدور نعمار، ومحمد حسن حدو محند، وبناصر عاشور، ومحمد بن العربي من تمدغارت، وعلال حمو نسعمار من ميضار الأعلى.. ويرجع تشبعه بالفكر النضالي إلى نشأته وترعرعه وسط أسرة رائدة في المقاومة، وبفضل روحه الوطنية هذه ظل يتابع عن كثب كل الأنشطة الثورية الدائرة في المغرب، ويتحمس لها بدون هوادة.. وقد تأثر نتيجة ذلك بمظاهرات فاس والرباط وسقوط شهدائها في يناير 1944 تأييدا لنضال جلالة الملك محمد الخامس من أجل الاستقلال.. هكذا بدأ خلال الأربعينيات يتصل مباشرة بسكان قبيلته أيت توزين وتفرسيت وبني وليشك وسكان البوادي والأرياف ويوعيهم بأن لهم ملك "أججيذ" اسمه محمد بن يوسف، وولي عهده اسمه مولاي الحسن.
بعد الزيارة الملكية التاريخية إلى طنجة في 9 أبريل 1947، وتعيين الجنرال "جوان" مقيماً عامًّا بالمغرب بعدها، اختمرت في ذهن القائد علال فكرة تأسيس خلية للمقاومة المسلحة، الأمر الذي حمله على تجديد الاتصال سنة 1950 بالزعيم عبد الخالق الطريس، الذي أعطى تعليماته لخلاياه في الريف الشرقي للتنسيق وللتعامل معه. ومن ثم تهيأ القايد علال، رفقة مقاومي اجزناية ومعظم المقاومين الذين كانوا ينتمون إلى حزب الإصلاح بالمنطقة، للمقاومة.
وما ساعد با علال على تطوعه لتولي هذه المهمة الجسيمة هي ثقة محمد بن عبد الكريم الخطابي به وبعائلته التي ابتليت البلاء الحسن في مقاومة الريف، خاصة أن والد القايد عينه عبد الكريم علال قائدا على المنطقة أثناء العشرينيات. وقد أوصى الخطيب وأعضاء وفد المقاومة بتأمين القايد علال على السلاح، وتتولى قبيلة ايت توزين تخزينه ونقله وتوزيعه على المقاومين باجزناية. فضلا عن ذلك كان للطالب امحمد اندادش بالقاهرة، والذي كان يعرف القايد علال حق المعرفة، دور في ثقة عبد الكريم في با علال، وكان واسطة بينهما. بيد أن القايد علال لم يحظ بثقة الخطيب إلا بعد تزكيته من طرف الخطابي والطريس. وكانت للقايد علال خطة للهجوم على الإسبان منذ الخمسينيات، لكن الطريس طلب منه التريث وتوجيه السلاح إلى اجزناية للهجوم على الثكنات الفرنسية.
وبعد نفي الملك محمد الخامس رحمه الله في 20 غشت 1953، كان القائد علال قد استعد رفقة بعض المجاهدين للمقاومة، وشرع في البحث عن السلاح واتصل بأحد الضباط المغاربة العاملين في الجيش الإسباني (ريكولاريس) بالناضور، واتفق معه مع بعض من أصحابه من قبيل امحمد أوبلعيز والفقيه احمد بن عمر اشهبون على تزويدهم بالأسلحة استعداداً لتنظيم الهجوم على المراكز الفرنسية شمال إقليم تازة.
وفي ربيع 1955، التقى القايد علال مع نخبة من أعضاء المقاومة السرية بالدار البيضاء الذين كانوا قد التحقوا سنة 1954 بتطوان، وأسّسوا فيها قيادة أخرى للمقاومة، والتحق بعضهم بالناظور لتأسيس مركز أساسي لجيش التحرير بها.. وهكذا انخرط المرحوم عمليا في المقاومة. وقام القائد علال شخصيا بتدريب بعض الرجال على استعمال السلاح وأساليب حرب العصابات في مركز الناظور، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الحاج الهادي أشلحي والحاج محمد أوتاغزة التوزاني.
واعتبارا للمكانة التي أصبح يحظى بها في أوساط المقاومة، أنيطت بالقايد علال مهمة التنسيق بين قيادة جيش التحرير بالناظور والمقاومة بميدان اجزناية، حيث كان همزة وصل بين الطرفين.. ولعب دورا هاما في نقل سلاح سفينة دينا، الذي زودت به مصر المقاومة المغربية، إلى المقاومين باجزناية؛ كما كان يقوم رفقة القايد محند اوبلعيز بتسليح جيش التحرير ودفع رحمه الله مستحقات التسليح من ماله الخاص، وجلب له انخراطه في المقاومة كثيرا من المتاعب، إذ تعرض للاعتقال من طرف المراقب المدني بميضار الذي راودته شكوك حول غيابه المستمر عن جلسات المقدمين، ولم يكن لديه من خيار سوى إخباره بأنه انخرط في عملية تحرير بلاده من ربقة الاستعمار وبأنه سيغادر المهام الإدارية المنوطة به.
وكان بيت المرحوم بمثابة ثكنة للمقاومين، إن على المستوى المحلي أو الوطني؛ فعباس لمساعدي، قائد جيش التحرير، وعبد الله الصنهاجي والوكوتي والتومي، اتخذوا من منزل القايد علال مركزا لهم طيلة إقامتهم بالناظور أثناء زيارتهم المنطقة سنة 1956 بعيد التوصل بشحنة السلاح في 03 مارس 1955. وهكذا كان القايد علال رفقة رفيقه في درب الجهاد محند أوبلعيز يرتبان لقاءات بين المقاومين وقيادة جيش التحرير.
وأثناء اندلاع أول شرارة للحرب التي شنها جيش التحرير صبيحة الأحد 02 أكتوبر 1955، ورد الجيش الفرنسي على ذلك بهجومٍ كاسح بسلاح البر والجو المركز على مناطق اكزناية، وقف القائد علال موقفاً حازما وبرباطة جأش في تعزيز صفوف المجاهدين في منطقة "تيزي وسلي" بالرجال البواسل، مع إمدادهم بالسلاح؛ واستمر على هذا النهج في عمله الثوري النبيل إلى أن رجع الملك الشرعي للبلاد محمد الخامس قدس الله روحه.. ومن أجمل اللحظات التي عاشها في حياته هي استقباله من طرف جلالة الملك محمد الخامس يوم الجمعة 30 مارس 1956 في قصره الملكي العامر.. الإحساس نفسه غمر نفسه أثناء استقباله ولي العهد مولاي الحسن رئيس الأركان العامة للجيش الملكي آنذاك، الذي قام بزيارته التاريخية إلى مركز جيش التحرير بالناظور، وميضار؛ أما الفرحة الكبرى فكانت عندما استقبله الملك محمد الخامس مرة أخرى في قصره بالرباط وعينه قائداً.. على قبيلة بني توزين وتفرسيت.
ظل القايد علال يمارس مهامه كقائد للمنطقة ما بين 1956 و1966، وكانت كلمته مسموعة لدى قبائل الريف ولدى السلطات الرسمية، حيث نال ثقة الملكين الراحلين المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما.
عندما افتتح جلالة الملك الحسن الثاني المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في 26 مارس 1973، عين القائد علال عضواً فيه؛ واستمر في الحفاظ على هذه الصفة بالمجلس إلى أن وافته المنية في يوم عيد الفطر عام 1397ه الموافق لـ15 شتنبر 1977م، ودفن في مقبرة سيدي أمحند اوعيسى بميضار.