د. أماني سعد ياسين
ما حدث عصر يوم الثلاثاء في 4 آب 2020 في مدينة بيروت يفوق الوصف. ما حدث في هذه المدينة الآمنة المسالمة في هذا اليوم سيظل ينزف في عقول اللبنانيين بل في عقول من يسكن المعمورة كلّها لأعوام وأعوام آتية.
ما حصل في بيروت البارحة شبّهه أكثر المحلّلين بقنبلة هيروشيما النووية التي ألقيت على اليابان وللمصادفة الغريبة في 6 آب من العام 1945.
لقد وصلت ارتدادات هذا الانفجار المهيب إلى قبرص التي تبعد مئة وثمانين كيلومتراً عن ساحل مدينة بيروت حيث حصل الإنفجار فكانت النتيجة تساقط زجاج الابنية في جزيرة قبرص. انفجار مهيب بكلّ ما للكلمة من معنى شعر به كل سكان لبنان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وعادلت تردّداته بحسب الخبراء زلزالاً بقوة خمس درجات ريختر ، ضربة كبرى على مستوى الوطن ، مرفأ لبنان دُمّر بالكامل ، الساحل اللبناني مدمّر ، مئات الشهداء، آلاف الجرحى ، نكبة وطنية ،وماذا كانت مسبّباته يا ترى؟! باخرة محمّلة بأطنان من المواد الشديدة الانفجار من نيترات الصوديوم كانت بحسب الأخبار تنقل السلاح والذخائر من تركيا للجماعات الإرهابية في سورية عن طريق مرفأ طرابلس ، ضبطها في ذلك الحين الجيش اللبناني ونقلها إلى مرفأ بيروت حيث تمّ تفريغ حمولتها ووضع هذه الحمولة ” مؤقتاً” في العنبر الثاني عشر تمهيداً لنقلها مجدّداً وإتلافها فيما بعد، ومضت سنوات ستّة منذ العام 2014 والى الآن وهذه الحمولة الإرهابية ترزح كقنبلةٍ نووية موقوتة مزروعة في مرفأ بيروت الى أن حدث ما حدث البارحة.
مئات الشهداء والمفقودين وآلاف الجرحى، دمار شامل، وليلة مضت على اللبنانيين لا يمكن بأي حالٍ أن تُنسى. الآلاف من اللبنانيين المرعوبين يبحثون عن الآلاف من أعزّائهم من مشفى إلى مشفى ومن شارع إلى شارع وعلى أبواب الطوارئ في حال من الضياع الجماعي وكثيرون مفقودون لا أثر لهم هذا في الوقت الذي يحتاج لبنان فيه إلى الوقاية والتزام المنازل للإحتماء من فيروس Covid 19 الذي يجتاح العالم. حدّثني أحدهم عن رؤيته للناس مرعوبة تتراكض في منطقة بئر حسن البعيدة عن موقع الإنفجار تفصلهما كيلومترات عدّة وفيما رأى رأى كلباً أبيض كان يبدو وكأنه يفرُّ من مصيبة وكارثة وهو يركض فاراً مذعوراً مبتعداً عن مكان الإنفجار والدم يغطي وجهه الأبيض الذي يعلوه الرعب والدهشة في منظر مؤثر.
وفي مشهد آخر مؤثر، رأينا تلك الوالدة المصدومة التي تبحث في قلقٍ ورعب وهي تطلق الصرخات عن أولادها المفقودين. من نفق الظلام ذاك ، أسمع ذلك الوالد في اليوم التالي للانفجار وهو يشير إلى جنى عمره وباب رزقه الوحيد المدمّر أمامه في إشارة من يده الى صف من المحلات و المتاجر المدّمرة بالكامل وهو يرفع يديه بالشكر لله جلّ وعلا على سلامة أولاده الشبّان الثلاثة الذين كانوا قد خرجوا من متاجرهم قبل عشرة دقائق تحديداً من وقوع الإنفجار المهيب في المنطقة. آلمني فيما رأيت من مشاهد الدمار الرهيب مشهداً لطيرٍ مدمّىً ملقى على الأنقاض لم تستطع عيناي إلا أن تدمع لمرآه وأنا أتخيّل المصاب الأليم والعدد الكبير من الشهداء الأبرياء الذين قضوا في بيروت في هذا اليوم نتيجة هذا الانفجار الفاجعة.
“بيروت المنكوبة” هو العبارة الوحيدة التي يمكن أن تُطلق على هذا المشهد الأليم!.. ” بيروت الدامية” هو وجه بيروت اليوم ووجه لبنان اليوم في هذا الصباح الأليم اللئيم!..
لبنان يستيقظ اليوم على حزنٍ ليس له مثيل!.. إن كان سبب هذه الكارثة ضربةً إرهابيةً فلا يُتوقع من عدوّنا المختبئ والجبان إلا الإرهاب والقتل والذبح والتمثيل ، وإن كان التقصير والإهمال والاستهتار والفساد والعفن المتغلل لسنوات وسنوات فهو الألم الأكبر وهو المصيبة والمصاب والتعتير!..
كيف وقد يكون السبب إرهاباً دولياً أراد تدمير مرفأ بيروت لمصلحته وفساداً دولتياً اجتمعا معاً فوقع المصاب بلبنان الوطن … وباللبنانيين!
كاتبة لبنانية