وجيدة حافي
خيانتنا لبعضنا البعض كدُول عربية ليس بالشيء الجديد والغريب، ماشية في عروقنا منذ الأزل، للأسف مازالت رغم كل النكبات والمصائب التي سقطت فوق رؤوسنا، فأولها كانت مع “أبو” رغال ” الذي تطوع ليكون دليلا لهدم الكعبة، بعد ظهور الإسلام سجل التاريخ الكثير منها وخاصة في غزوة” الخندق” أين ظهرت خيانة يهود ” خيبر” و”بني النضير””، وهكذا دواليك إلى أن وصلنا لزماننا هذا الذي أًصبح الربح والمصلحة الشخصية هي شعار أي دولة تنتمي إلى الأُمة العربية، ولعل أكبر خيانة لنا نحن العرب هو تفريطنا في فلسطين سنة 1948 وتنازلنا عنها لليهود، سيقول قائل وقتها الأمور لم تكن في صالحنا، ونصف الدُول كانت أسيرة الإستعمار، جيوش عربية متمثلة في مصر والعراق وسوريا ولبنان، شرق الأردن والسُعودية، وخلف قيادة جيش الأُردن الذي إتفقت كل الآراء على تنصيبه قائدا أعلى لها، وذلك لأن شرق الأردن التي كانت تُسمى إمارة الأردن كانت الأقرب إلى فلسطين، وبدأت الحرب الرسمية 15 مايو 1948، وكان عدد الجيوش العربية لا يزيد عن 24 ألف جندي بمعنى لم نكن نصل لثُلث أعداد الجيش اليهودي وهذه طبعا مأساة كُبرى أنذاك، بالإضافة إلى هذا لم تكن منظمة ومُوحدة، كل واحد يعمل بهواه، ولم تكن مُستعدة، كانت حسب المؤرخين من أكثر الجيوش تفككا وإنقساما، قائدها بريطاني “غلُوب باشا” والذي أطلق عليها إسم” الحرب المُزيفة”، فهو كان مُتفق مع اليهود على أنه لن تكون هناك إًصطدامات بينها وبين الجيش العربي، وبعد عشر أشهر إنتهت هذه الحرب في السابع من يناير 1949، لتبدأ بعدها مُعاناة الفلسطينين الذين وجدوا أنفسهم ضيوف على أرضهم، ويا ليت الأمور توقفت هنا، فمرة أُخرى يخون العرب قضيتهم وأهلهم في فلسطين من خلال صفقة القرن، فظاهريا بعض الدُول رفضتها ونددت بها، لكنها خُطوة لحفظ ماء الوجه، كمصر وكثير من الدُول التي رفضت قرار الولايات المُتحدة الأمريكية ظاهريا، لكنها لم تُدنه لعدم إغضاب ترامب، الخيانة العربية كذلك ظهرت في السنوات الماضية من خلال تطبيع بعض الدُول مع إسرائيل، ففي الماضي كان كل شيء بسرية، ولكن الآن لا أحد أصبح يخجل من ولائه وصداقته لبني صهيون بإسم المشاريع والأهداف.
ويتواصل مُسلسل الخيانة العربية مع دُول أُخرى لا تقل أهمية عن فلسطين جُغرافيا وتاريخيا، وللأسف تحت مُسميات مغلوطة يتدخل البعض في قضايا إخوانهم، فاليمن كانت الضحية التالية بعد فلسطين في هذه الأُلفية، تحالفات ثلاثية بين مصر والسعودية والإمارات لنشر السلام والقضاء على الإٍرهاب في هذه الدولة الآمنة، فعن أي إرهاب يتحدث قادة الدُول الثلاث، فالإٍرهاب الحقيقي موجود في الدُول التي تقف وراء هذه الصفقة، فبالفعل عُذر أٌقبح من ذنب، فهل نجحت هذه الدول في القضاء على الإرهابين هناك؟ طبعا لا، بالعكس التهديد إنتقل إلى مطارات ومدن السعودية القريبة من حدود هذا البلد، أما الخسائر المادية والبشرية لهم فحدث ولا حرج، وهاهي الحرب تدخل عامها الخامس لكن بمتغيرات جديدة ودعوة للحوار والحل الدبلوماسي، مع إنتشار رهيب للفقر والمجاعة في هذا البلد.
سُوريا التي قررت الجامعة العربية طردها من الإتحاد بحُجج واهية، سُوريا التي هي جُزء من الأمة تُتهم بإتهامات وتخرج نهائيا من أهم إتحاد عربي كان من المفروض أن يحميها ويُصر على بقائها، لكن لا حياة لمن تُنادي فالمصالح أنذاك أعمت بصائرهم، وغير بعيد عن سوريا نجد الأُردن الذي قاوم ومازال يُقاوم إبتزاز الأميركان، ونحن لا نلوم الأُردنيين لأن بلدهم جُغرافيا في خط النار ، وكل العيون والأطماع عليه، ضف إلى ذلك فدولة الأُردن ليست بالغنية وتعتمد كثيرا في إستقرارها على معونات الآخرين، والآن هي في خطر ولا تجد ما تفعله أمام أطماع الإسرائيليين ورغبتهم في سرقة قطعة من بلدهم، ك”غور الأُردن ” المنطقة الزراعية الخضراء بإمتياز، وفوق هذا حدُودها مع فلسطين هو ما زاد من أطماع نتنياهو وغيره، فالإسرائيليون يعرفون أن حُصولهم على هته المنطقة يعني حصار الفلسطينيين، إذن ملك الأردن في مُشكل كبير ولم يجد من يدعمه من إخوانه العرب حتى ولو بالكلام والتنديد، لُبنان التي تعيش أزمة إقتصادية خانقة ومُمكن أن تتسبب في إنهيار هذا البلد وإفلاسه، فُجعت بفاجعة أُخرى بسبب إنفجار مرفئها، وكالعادة لا إتحاد ولا هم يحزنون، مُواساة وتنديد، والمُشكل أنهم يعرفون أن ما يقُومون به شيء غير منطقي وسيعُود عليهم بالخُسران، لكن يُصرون على التمادي ولعب دور الضحية والجلاد في آن واحد، فهم مُحاصرون من كل الجهات ومُهددون سياسيا وإقتصاديا وووو، يعرفون أن أي غلطة ستُكلفهم الكثيير وسيُسود الآخر صُورهم في نظر شُعوبهم، وتحدث الإنقلابات والمُظاهرات ، وكل ما يُفسد راحتهم وسُكونهم، لكن رغم كل هذا إلا أنه صراحة يوجد من بينهم من خالف القاعدة وتمرد وأصبح مُشكلا كبيرا للغرب، وما العُقوبات الإقتصادية والحُروب في بُلدانهم إلا دليل على الإنتصار. وعلى قول نزار قباني ” إياك أن تقرأ حرفا من كتابات العرب فحربهم إشاعة وسيفهم خشب ، وعشقهم خيانة ووعدهم كذب، إياك أن تسمع حرفا من خطابات العرب، فكُلها نحو وصرف وأدب، ليس في معاجم الأقوال قوم إسمهم عرب، أما شيخُنا الإبراهيمي رحمه الله قال:” لقد كان العرب صُخُورا وجنادل، يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة، وكانوا غُصصا وسُمُوما يوم كان فيهم مُرة وحنظلة، وكانوا أشواكا وأحساكا يوم كان فيهم قُتادة وعوسجة، فأنظر ما هم اليوم، وأنظر أي أثر تتركه الأسماء في المُسميات” فرحم الله العرب وأسكنهم فسيح جناته.
كاتبة من الجزائر