الدكتورة حسناء نصر الحسين
منذ شهر تقريبا ونحن نراقب عن كثب ما يجري في البحر المتوسط من مناورات عسكرية ابتدأت بالتركي وقد لا تكون انتهت بالمناورات الأمريكية التركية نبحث عن تحليل دقيق يفسر هذه الحالة الساخنة في المتوسط بهدف الوصول لقراءة دقيقة لما يمكن أن ينتج عن هذه المناورات التي أخذت طابعا يجسد الصراع الدولي والإقليمي في هذه المنطقة .
وهذا الصراع المتعدد الرؤوس كان رأسه البارز هو الرأس التركي العثماني بكل ما تجسده العثمانية من معنى إلا أن دول المنطقة استفاقت متأخرة جدا لهذه الأطماع بوصول التركي إلى الملف الليبي بينما مهدت هذه الدول نفسها التي تقوم بمناورات مضادة للمناورات التركية الطريق وعبدته لهذا العثماني ليدخل إليها عبر البوابة السورية .
ويستمر بزحفه إلى دول أخرى فيدخلها محتلا كما حصل في سورية والان في ليبيا التي لو نجح مشروع السلطنة فيها سينتقل إلى مصر ولكل دول افريقيا .
امام هذا المشهد الساخن من الرسائل النارية التي حتى الآن لم نقرأ فيها لأحد من هذه الدول اعلان حرب ، أردت أن أشير إلى ما وصلت إليه تركية العثمانية من قوة تهديدية تدميرية لبلداننا بعدما كانت تستجدي لان يفتح لها لو بابا واحدا باتجاه دولنا العربية .
إلا أن التآمر العربي على الدولة السورية دفع بالدول العربية إلى إقامة صفقة مع التركي وإطلاق ذراعه السامة في بلد عربي شقيق ولعب عبر أدواته الإرهابية على تدمير سورية واحتلال أجزاء من أراضيها مثبتا لنفسه قواعد اشتباك جديدة مع اللاعبين الدوليين والاقليميين عبر أدواته الإرهابية تارة وأخرى عبر ورقة اللاجئين .
استطاع اردوغان عبر مساعدة أمراء البترول أن يدخل بثقل كبير لشن العدوان على سورية وكسر حلقة العروبة المتمثلة بدمشق ليتجه لاحقا إلى استكمال مشروعه التوسعي ليجعل أمن تركية القومي ليس على الحدود التركية وإنما خارج هذه الحدود . كل هذه الأفعال التركية سببها التخاذل العربي والتآمر الأمريكي الغربي الصهيوني وهذا ما اوصل منطقة البحر المتوسط إلى هذه الحالة من العسكرة التي تأخذ طابع انعدام الأمن والاستقرار فيه في محاولة لرسم حدود بحرية على مقاس المحور المنتصر في ظل غياب كامل لتطبيق القانون الدولي والمعاهدات الدولية بينما الأمم المتحدة تارة تكون شريكة وأخرى تتعامل مع هذه القضايا تحت قبة دول البترودولار .
فلا مشرع قانوني رادع ولا قوة دبلوماسية وأمنية تحد من انتشار هذا الوباء الاردوغاني فاللغة الان لغة النار.
فأضحى الأمن القومي العربي في خطر الاحلام التركية والاطماع الأمريكية الغربية .
وهنا لابد من الإشارة إلى ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي : ( سورنة النزاع في ليبيا يشكل خطرا على الأمن الأوروبي) .
فرنسا أحد أهم الشركاء في تدمير الدولة السورية ترفض السيناريو السوري في ليبيا الشقيقة فهل هو اعتراف فرنسي بفشل هذا السيناريو التي كانت أحد أهم كاتبيه وممثليه فهل نستطيع أن نقول ان فرنسا فهمت الدرس السوري بشكل يجعلها تكفر عن كل آثامها في الملف الليبي ام ان واقع الجغرافية الليبية الأوروبية كان ثقله اقوى على الأمن القومي لدول اوروبا وان الارهاب الذين تاجروا فيه في الأراضي السورية أصبح قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى عقر دارهم .
وهل عليهم ان يعترفوا بوضوح الرؤية عند القيادة السورية عندما حذرت من اللعب بورقة الارهاب في سورية وقال حينها الرئيس الأسد أن كرة النار ستتدحرج ولن يستطع أحد ايقافها.
امام هذه التحديات الكبيرة لدول البحر المتوسط تتسابق الدول في تقديم العروض العسكرية في ظل سباق تسلح جديد ينذر بحرب الكل يخشى وقوعها إلا أن كل طرف يحاول استعراض قوته لعله يسجل علامة جيدة على طاولة المفاوضات في محاولة لإرساء قواعد لقانون جديد ترسم من خلاله الحدود البحرية لهذه الدول او تثبت من خلاله القواعد السابقة ويكون الخاسر الأكبر من هذه اللعبة هم شعوب الدول العربية الشاطئية ليتحقق مشروع الصهاينة بمحاصرة وطننا العربي بالعدو الصهيوني الإسرائيلي والعدو الصهيوني العثماني والغربي الأمريكي من جهة أخرى وبذا يكون اكتمل الطوق لمحاصرة وطننا العربي وأصبح بين فكي كماشة بالإضافة لمعاناته الداخلية من حرب مع الارهاب وحرب مع الفقر والجوع .
تصاعد الأطماع التركية الاردوغانية وانتقاله من ساحة عربية إلى أخرى هو جرس إنذار كبير لحجم الخطر التي تواجهه العديد من الدول العربية، واذا كانت بالامس سوريا واليوم ليبيا وقد يتلوها مصر فسيأتي الدور على الآخرين، ولن يسلم حتى أولئلك الذي آذوا سوريا بتآمراتهم وأوصلوها إلى هذه التدمير الكامل، ولم يعد الخطر مقتصرا على التحرك التركي الخبيث، فالشيطان الأمريكي الذي زرع الصهيوني في قلب هذا الجسد العربي، لن يتردد في توظيف هذا الوحش التركي، وإطلاق العنان له، ليبلور الأمريكي حالة جديدة تشبه الصهيونية بل وقد تتعدها في الخطورة، ليقف الجميع أمام وضع يستدعي الاستفاقة الكاملة واستشعار ما تحيكه هذه القوى التآمرية والتي لن تتوقف عن حدود معينة في عدوانها على الأمة كل الأمة، لنفهم هنا أهمية العودة للدولة العربية السورية وقيمة الانتصار السوري على كل القوى التآمرية عليها، وانعكاسات هذا النصر على فرملت الاندفاعة التركية المدفوعة أمريكيا واسرائيليا، وتبقى العروبة النابضة من هذا البلد العربي هي أحد أهم صمامات الأمان وأهم خطوط الدفاع الرئيسية للأمة العربية في مواجهة كل أشكال التآمر التركي الامريكي الاسرائيلي الغربي .
باحثة في العلاقات الدولية