"رصيد الديمفراطية الحقيقي ليس في صناديق الاقتراع، بل في وعي النّاس" - جان جاك روسو.
اعتبر البعض أن من حسنات كورونا أنها وصلت حبال الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، بفضل الحزم والانضباط الذي أظهره رجالات الدولة بدءا من السياسة الاستباقية، مرورا بالحرص على تنزيل إجراءات الحجر الصحي من خلال نزول رجال السلطة ورجال الأمن والقوات الأمنية بشتى أطيافها إلى الشارع، بهدف حث المواطنين على الالتزام بقواعد الحجر الصحي إضافة إلى تعويض الفئات المتضررة من توقف عجلة الاقتصاد، قد يكون هذا الرأي غير مجانب للصواب نسبيا لكن ليس مطلقا. لكن اللافت للانتباه أن هذه الجائحة الوبائية شكلت فرصة تاريخية للأحزاب المغربية كي تستعيد دورها كمؤسسات مسؤولة وذات ثقل مرجعي في هرم الدولة. شخصيا انتظرت من هذه الأحزاب أن تتبنى برامج وخططا موازية لتلك التي التزمت بها الدولة، فتعمل من جانبها على اقتراح وإيجاد حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلت برأسها بمجرد استفحال وباء كورونا، لكن ما الذي فعلته هذه الأحزاب؟؟ الجواب يعرفه الجميع، استكانت لدور المتفرج السلبي (قد نستثني هنا مبادرة أحد أكبر الأحزاب والتي لم تكن كافية) الملتزم بالصمت، قد تكون هذه الأحزاب حكيمة لأن الصمت حكمة، أحزابنا يا سادتي شبيهة بالحلزون الذي يخلد للنوم طيلة مرحلة ممتدة اسمها البيات، لكن بمجرد أن يصل إلى آذانها طنين الانتخابات تخرج من قوقعتها، تستفيق من سباتها بقدرة قادر.
ونحن لا نزال نعاني من تبعات كورونا التي تثقل كاهلنا لسنوات عدة، خرجت أحزابنا المجيدة من عقال صمتها، الانتخابات مرة أخرى هي من فكت عقدة لسانها، انها (أي الانتخابات) بمثابة إكسير الحياة بالنسبة لهذه الأحزاب التي هرولت للقاء السيد وزير الداخلية لمناقشة رزنامة الانتخابات المقبلة التي ستجري في غضون السنة القادمة. كنت أعتقد في قرارة نفسي أن الأوصاب والعلل التي أصابت المواطنين من جراء فيروس كورونا لربّما ستصرفهم عن مجرد التفكير في الانتخابات، لأن هناك ما هو أخطر من الانتخابات، إنها تداعيات الأزمة المتعددة المستويات: اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا ونفسيا... إلخ، لكن أحزبنا سبحت وتسبح مرّة أخرى ضد التيار. فإذا كنّا نتفق مسبقا على أن المواطن باعتباره ناخبا هو قطب الرّحى في عملية الانتخابات، فهل هناك حزب واحد من أحزابنا فكّر في سيكولوجية هذا الناخب في هذا الظرف العصيب؟؟ لنتفق على أن الانتخابات لعبة ألا يفترض في اللعبة أن تتوافر فيها شروط أساسية؟ إنها أشبه بلعبة كرة القدم وهاهنا أتسأل: هل يمكن أن تزجّ بلاعبيك في مباراة مهمة إذا لم يكونوا مؤهلين بدنيا وذهنيا ونفسيا؟ لقد أنصتّ للمسؤولين الحزبيين حينما خرجوا من اجتماعهم مع وزارة الداخلية فلفت انتباهي كونهم جميعا اتفقوا هذه المرة وعزفوا نفس النوتة: "نأمل أن تكون الانتخابات المقبلة فرصة لاستعادة ثقة المواطنين".
لقد بات الكل مدركا أن ثقة المواطن والناخبين عامة في مؤسسات الدولة وفي عملية الانتخابات هي ثقة مهزوزة، ودون استعادة هذه الثقة خرط القتاد كما يقولون. وإن تعجب فعجب أن تلجأ بعض الأحزاب إلى تبني سياسة "العصا والجزرة" في استمالة الناخبين إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية في مرحلة أولى وفي المشاركة في الانتخابات في مرحلة تالية، وهو ما أفصحت عنه من خلال مقترحات التخفيض من رسوم بطاقة التعريف الوطنية وكذا رسوم جواز السفر واعتبار التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة فيها شرطا لولوج الوظيفة العمومية... إلخ.
ليس بمثل هذه الاشتراطات المجحفة والداعية للسخرية يمكن أن ندفع الشباب إلى ولوج المعترك السياسي. إن أحزابنا مطالبة بالقطع مع هذا التردي والانحطاط من خلال ممارسة النقد الذاتي وإعادة النظر في طرق وأساليب اشتغالها في ظل عالم يمور بالمتغيرات في كل لحظة وحين، عالم لم يعد فيه مكان للضحك على الذقون واستغباء الشعوب. يلزم هذه الأحزاب المترهلة أن تشرب من ماء القناعة وتتزيّا بزي الوطنية وحس المسؤولية، وأن تستنشق هواء عليلا صافيا اسمه: "تامغرابيت". لقد كشفت كورونا الكثير من عيوبنا وأخطائنا، وعوض أن ننكب على اصلاح القطاعات التي شلّها "داء العطب القديم"، ها نحن ندفن رؤوسنا في الرمال وفيما المياه تجري تحت الجسر، عكفنا على النظر إلى صورتنا الكئيبة على صفحة ماء بركة راكد وأسن.
إن هذا اللغط ومهرجانات الكلام التي ستنخرط فيها الأحزاب لا تعدو أن تكون فصلا من فصول مسرحية مكرورة أصابتنا بالملل والاكتئاب. في الختام وكي لا أثقل عليكم بدوري بالكلام، أستعير من الشاعر القديم قوله -في توصيف حال أحزابنا -:
أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا تورد يا سعد الإبل.