الى حراس الأعمدة السبعة هشمتم دعائم لبنان وجرفتم اللبنانيين نحو الجحيم

خميس, 07/30/2020 - 09:55

د. نسيم الخوري

أشبه معظم البرلمانيين والوزراء والمديرين الإداريين وجمهرة الموظّفين المنقوعين بالفساد الآسن بالأحجار القذرة المتراكمة في زوايا الجنائن المحيطة بقصور سبعة زعماء في لبنان. لا ينطق احدهم سوى ب: نعم نعم ثم تنزل الأعناق إلى تحت، بالموافقة على كلّ ما ينبس به “آلهة” لبنان. بالمقابل، صارت الثورة مليونية الفصائل والتجمعات والجمعيات، يُفترَض شلحها فوق الغرابيل والمناخل. ما نحن فيه يتجاوز كل ما نعرفه عن سادوم وعامورة. المشهد العام مخيف ومقزز بألوانه الطائفية المقلقة، وأصوات “البهدلة” والنتانة والإشمئزاز من ممثّلي الدول الخارجية تملأ الأرجاء، وكأن هذا اللبنان شلحة ماعز شاردة أمام عصي مندوبي الدول المحشورة في فراشنا. الشابات والشباب يلقون بأجسادهم نحو زوايا الكون البعيدة، وكأنّ مستقبل لبنان يغفو على الزناد المغمس بالزيت.

تصوروا أن أكثر من٥٥٠٠٠ عقد ايجار  لوقف مسيحي ومثله عقود للأوقاف الإسلامية سنة وشيعة. اذا اعتبرنا العقد الشهري ٣٠٠ $ يعني  ٢٠٠ مليون $ سنويا. أيجوز ترك شاباتنا وشبابنا يصرخون من فقر وجوع وينامون على أبواب السفارات ويقفزون كما الأرانب الجائعة في حقول المجهول؟؟؟

الأشدّ غرابة، عيب المعايير وضحالتها في كيفية وصول أحدهم ممّن لم يسمع به أحد، الى تسلّم حكومة أو وزارة أو إدارة إلاّ بإنتباه الزعيم إليه، حجراً مستزلِماً في الشمس والطاعة، قد يدعس عليه الزعيم كل يوم ثم يأمر ذات يوم برفع الحجر البشري ووضعه في جدار السلطة، ثمّ صقله فقط نحو ممارسة السرقات والفساد وقهر الناس والتكبر والتجبر. هكذا يصبح الحجر البشري سياسياً جاهزاً للأوامر والأمر ومساءلة الآخرين وقصاصهم في ساديّةٍ لبنانية لا قوانين تردعها، ولا يمكن تبريرها أو فهمها وهضمه.

يتماهى الحجر بالزعيم إلى درجة الذوبان والإختباء في الأكمام والثقوب كما الفئران، ويجهل رحم ولادته، وبأن المناصب كلّها سلطان مؤقت إلى زوال، وخصوصاً في زمن ثقيل تبدو فيه الدول والشركات العالمية ورؤوس الأموال تطير مثل النسور الجارحة المجنونة في زمن العواصف الكبرى والانهيارات والموبقات، فلا تعرف أين تغطّ، بينما الكلمة النظيفة الحرّة وسيوف الرفض والثورات ستبقى سلطاناً قائماً إلى الأبد، تُزهر كما الياسمين تحت الضوء، وكما الحبر الحرّ في جرح سمكة حُرّةٍ عبرت المحيطات وهي تتأهّب لتوليد بويضاتها تتدفق بالحريّة، التي  لم تخرج من أمّها إلا بكونها الشهادةً للكلمة البداية.

الحبال في لبنان تضيق وتشتدّ حول عنقي المهاجر وحول أعناق الثائرات والثوار والنصوص والكتّاب والصحافيين، حتّى النقد الوطني الرسولي الصريح صار مُدَاناً ومهدّداً، وإننا نلمح معاً جمراً  وحرجا وعرقا بين أنامل العديد من القضاة والأجهزة، التي تسحب الأقلام وسبابات التواصل الإجتماعي المتدفّقة على مضضٍ نحوالقصاص.

الكتابة باقية ما بقيت الأرض. وتكفينا الإشارة إلى أن حضارة الكتابة والكتّاب والنصوص والسطور، جاءت أساساً من رحم الحضارة الزراعيّة والفلاحة التي يُدْعَى إليها في لبنان اليوم المقاومون إتّقاءً للجوع، في زمن لبناني لا مياه فيه ولا أدوات حراثة ولا كهرباء ولا ماء ولا عمال ولا بذورَ محليّة ولا مال،  كلّ ما عندنا مستورد ويقرّش بالدولار  وكأن لبنان بات وطنًا مستوردًا  وقطع غيار متبادلة بين اذناب الشرق والغرب.

يُشابهُ القلم بين أصابع الكاتب النظيف، محراثاً في قبضة فلاح خلف ثورين يحرّك يباس الأرض. كان طموح المعلّم أن يستوي القلم بين أنامل الصغار لرسم السطور المستقيمة التي تماماً لا تنزلق إلى الأسفل فوق الدفاتر، كما يطمح الفلاحون إلى رسم الأثلام المستقيمة عند فلاحة حقولهم. بين الخط المستقيم والمنحني، أدبيات الفرق بين الصلاح والفساد والصدق والكذب في حكم البلاد والعباد.

يجنّ المسؤول اليوم لدى نشر كلمةٍ أو تغريدة موثّقةٍ تدينه لثرواته المتدفقة المسروقة، والناس جياع. قد يخلعك هذا الجائع يوماً ببساطةِ من يخلع ضرساً مهترئاً من تجويفته. لقد كثرت الوجوه الصفراء المستبدة من دون عِللٍ في لبنان، وتزايد أصحاب الشفاه الرقيقة الممطوطة والمزمومة التي تذكرك ببسمة الجوكوند التي أهدرت كلّ الجهود الفرويدية في قراءة مكامن تلك الشخصية عبر الملامح التي  يفهمها أحد. أقول : “معظمهم”، خوفاً من التعميم الذي قد يجرّ كلمتي نحو لهو بعض رجال العدليات بالسطحيّات في محاكمة الكلمات، لشدة ما ابتلينا بأحداثكم وموبقاتكم يا ساسة الذل.

قال لي عامل إثيوبي صديقي اعتدت أن أغسل سيارتي لديه، وأسامره وأكرمه أكثر مما أكرم مسؤولاً في بلدي. قال: إن قلوب العديد من اللبنانيين مليئة بالغرور والتعالي والتفوق. قلت في نفسي: حسناً، بالتهديد والوعيد قد تدفعون بي أن أعيش في الخارج أو أن أبصق الكتابة والمنابر والصحافة من بين أصابعي وشفتيّ مثل بذور الزعرور، وقد يموت الجائعون ويسقط المسؤولون من فوق أعمدتهم إلى جهنم، لكن الحبر النقدي النظيف ما مات ولن يموت في تاريخ بناء الأوطان والشعوب، من سلاطين بذور بني عثمان إلى سلاطين وأولاد وأحقاد وبذور من لا علاقة لهم بلبنان.

كاتب واكاديمي لبناني

الفيديو

تابعونا على الفيس