الدكتور فياض قازان
سعادة السيدة السفير الأمريكي في لبنان،
أرجو الإحاطة أنك لا تمثليني شخصيا كمواطن أمريكي، ولا تمثلين الشعب الأمريكي الذي لن ينتخب رئيسك لفترة ثانية. إن دبلوماسية البلطجة أو دبلوماسية الزوارق الحربية التي تنفذيها في لبنان اليوم تمثل مصالح الرئيس ترامب الشخصية، ومصالح قوى اللابي الصهيوني، وشركات تصنيع وتجارة الأسلحة الأمريكية المفرطة في هيمنتها على السياسة الخارجية الأمريكية. إن قيامك بخدمة مصالح هذه الأطراف، يتناقض تماما مع المصالح الحقيقية للشعب الأمريكي، ومع مبادىء فلسفة التنوير التي رأى فيها أباءنا المؤسسون قاعدة للمثل والممارسات السياسية الأمريكية في داخل الولايات المتحدة وخارجها! إني وعشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين ندين ممارساتك، وما تمثلينه من مصالح شخصية للرئيس ترامب، وسياسات حكومته غير الإنسانية في لبنان! لهذا، ننصحك بل ونطالبك بالإستقالة الفورية من منصبك لأنك لا تمثلينا، فيما تقومين به في لبنان، مطلقا.
قد لا تعيشي لتقرأي ما سيكتبه التاريخ عن دورك غير الإنساني في تنفيذ نظام العقوبات التي تستهدف لبنان بلدي الأم حيث ولدت، وتستهدف سوريا! إني أخشى أن ممارساتك في لبنان وممارسات حكومة ترامب التي تشكلين جزءا منها تعكس صورة مؤسفة عن المستوى الذي انحدرت إليه السياسة الخارجية الأمريكية اليوم حيث تهيمن عليها الأهداف السياسية والاقتصادية المشبوهة على حساب المثل الديمقراطية، ومثل السلام والازدهار في العالم! إنه لمن المؤسف، إن اتجاه أمريكا اليوم للهيمنة على العالم من أجل الهيمنة ذاتها، ليس سوى استمرار للسياسة الأمريكية المتبعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية! ربما تنظرين إلى هذا الإتجاه الأمريكي الخاطىء على أنه الاتجاه الصحيح بسبب دراستك في الكلية الحربية.
من الصعب عليّ تصور كيفية تمكنك من مواجهة أعضاء أسرتك، وأحفادك بالتأكيد عندما ينتج عن السياسات التي تنفذيها مجاعة لملايين الأبرياء من الشعبين اللبناني والسوري وأطفالهم! وفي المستوى ذاته من الأهمية، هل ستتمكني من الدفاع عن دورك الراهن في لبنان أمام عشرات الملايين من الأمريكيين الشرفاء الذين يمقتون فكرة استخدام سلاح التجويع، والحصار الاقتصادي مرة أخرى في العالم العربي بعد العراق، هذه المرة ضد الشعبين اللبناني والسوري وأطفالهم!
إن معظم الأمريكيين يدركون، في الوقت الحالي، أن هذه السياسة نفسها التي نفذتها الولايات المتحدة من قبل تسببت في المجاعة والمرض على نطاق واسع في العراق، بينما أنها لم تؤذ صدام حسين الذي )تقاضى راتب موظف رسمي من الحكومة الأمريكية سابقا) والذي استمر في الاستمتاع بالعيش في قصوره طوال فترة العقوبات! إن سياسة قانون الغاب التي تجعل “القوة حق” والتي تقومين بتنفذيها تجاه لبنان وسوريا بإسم رئيس مارق، تجعل من الصعب على أي شخص شريف لديه أي معرفة بلبنان، وبقية العالم العربي أن يدمغ عمل االسفير الإيراني في لبنان بالإرهاب! إن الشعب اللبناني ذكي يشاهد، ويقارن بين، نشاطك ونشاط السفير الإيراني في بيروت، ويدرك طبيعة النشاط الذي يجسد الإرهاب! أعتقد أن استقالتك من هذا المشهد الإجرامي المتفاقم سيكون أفضل طريقة لك لحفظ شرفك وتقديرك لذاتك!
إنني أدرك أنه من المعتاد استخدام اللغة الدبلوماسية عند مخاطبة المسؤولين مثلك. لكن اللغة الدبلوماسية لا يمكنها التعبير عن التداعيات الجسيمة للعقوبات التي تخططين لفرضها على الشعبين اللبناني والسوري! ناهيك عن العداء المتفاقم ضد الولايات المتحدة والمواطنين الأمريكيين العاديين الذي سينجم عن سياسة الحكومة الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة. من مجمل الأخطار التي قد تخلقها هذه السياسة للمواطنين الأمريكيين، المزيد من التورط العسكري. إني كمواطن أمريكي، لا أرغب في رؤية المزيد من إراقة الدماء وتبديد الموارد المالية العالية في مغامرات عسكرية أمريكية جديدة! إني أخشى أن قيامك بتنفيذ سياسات ترامب الشخصية التي تهدد لبنان وسوريا يعني اتباعك خطى جنكيز خان، الزعيم المنغولي وربما خطى هولاكو زعيم التتار أيضا!
لقد كنت أنا، وغيري من عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين، نتوقع من مسؤولونا، خاصة من الرئيس ترامب الذي وعدنا “بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” إعطاء الأولوية للمصالح الحقيقية للشعب الأمريكي في العالم وفق رؤية الرئيس الراحل رونالد ريجن: “إن أمريكا تشبه مدينة منيرة على تلة عالية تهتدي بنورها الشعوب التواقة للحرية والعدل في كل مكان!” أين هي أمريكا الآن؟ وأين ينبغي أن تكون وفق رؤية الرئيس ريجن، ووفق ما يريده ويتمناه لها أصدقاءها ومحبيها عبر العالم؟: “زعيما للعالم الحر، وراعيا للحرية، والتنوع، والتسامح، والاندماج، والشرعية الدولية، وحماية كوكب الأرض، والسلام القائم على العدل في كل مكان!” على النقيض من هذه الرؤية، أرى سياسات الولايات المتحدة كابوسا يقض مضاجع الشعوب التواقة للحرية والعدل في معظم أنحاء العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث تدعم الولايات المتحدة سياسات الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين الذي يمنح اليهود امتيازات على العرب الفلسطينيين، حتى لو كانوا مواطنين إسرائيليين! وتواصل الولايات المتحدة أيضًا دعم وتمويل الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، مثل خطة ضم الضفة الغربية، والاحتلال المتواصل للضفة الغربية، ومرتفعات الجولان السورية، وحصار غزة بشكل عام!
إن هذه السياسات هي التي جعلت الولايات المتحدة تفقد هيبتها وإعجاب شعوب العالمين العربي والإسلامي بها لأنها مستمرة في الترويج للحروب والحصارات، وانتهاك القانون الدولي، واتباع سياسة الكيل بمكيالين، في الوقت الذي تفتح الصين ذراعيها اليوم لهذه الشعوب التواقة إلى العدل والسلام والازدهار!
إن فرض العقوبات على لبنان وسوريا لن يفعل شيئًا سوى التسبب في المزيد من المعاناة لشعوب هذه الدول، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى مزيد من الصراع المدني داخل لبنان وسوريا، وإلى المزيد من الخطر على أمن الأمريكيين أيضًا! إذا كان كل ما يمكنك فعله هو الاستمرار في دعم السياسات التي ستضر على المدى القريب والبعيد بمصالح الشعبين اللبناني والسوري، إلى جانب الضرر بمصالح المواطنين الأمريكيين، فمن الأفضل لك الاستقالة من منصبك. إنني لاأدعوك للتحيز إلى لبنان، بل أدعوك إلى نصرة الحق والعدل والسلام، والمصالح الحقيقية للشعب الأمريكي.
مؤلف كتاب: الإعلام والحداثة والتنمية في دول الخليج العربية، 2000
خبير في الإعلام الدولي والتنمية المستدامة.
واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة الأمريكية.