السفير د. عبدالله الأشعل
لاحظت أن التيارات الإسلامية تخلط بين الاجتهادات الدينية وعدم الإدراك السياسى. ولذلك اعتقدت أن المسلمين فى جميع بقاع الأرض يشكلونأمة واحدة والمسلم أقرب إلى المسلم مهما تصدت الأوطان والدول والولاءات. وقد اختصر الإسلاميون الانجليز هذه القضية عندما انضموا إلى اخوانهم العراقيين فى مقاومة الاحتلال البريطانى الأمريكى فقالوا أن العراقى المسلم ودعمه يدخل الجنة وينتمى إلى الآخرة، وأما المسلم البريطانى بالنسبة لصنوه البريطانى فيجمع بينهما رابطة الجنسية وهى خاصة بالدنيا، وعندما نخير بين الدنيا والآخرة فإننا قطعا نختار الآخرة ونهجر الدنيا.
هذا الفهم مغلوط ومشوش لأنه تفسير دينى دخل فى ظلمات السياسة، فلن يفهم الإسلامي تعقيدات السياسة إلا بالتخصص، ولن يفهم المتسرع كيف يفكر الإسلامى إلا بالصبر والتركيز وعدم التمييز وقد أخذ الإعلام ذلك واعتبره من سوءات التيارالإسلامي، ورد بالتركيز حتى الآن على معنى الوطن والوطنية لدرجة أن خطبة الجمعة الأولى من شهر يوليو خصصت لهذا الموضوع. وربما كان السبب في ذلك ان التيار الاسلامي فهم ان المسلم غير المصري اولي بالمعروف من المصري غير المسلم ، وكان بذلك يعتقد أن الأمة الإسلامية تضم جميع المسلمين ولم يفهم أن المواطنة الوطنية مقدمة على الوشائج الدينية الإنسانية وهو ماتنص عليه جميع الشرائع.
على الجانب الآخر عندما طرجت فكرة وحدة الأمة العربية ومعالجة تفتيت المستعمر لهذه الأمة إلى أوطان وحدود وفق تصور الفكر القومى، فإن ذلك استفز المكونات الدينية والعرقية داخل الجسد العربى ونحن نشهد عداءا مستحكما بين العرب وبين هذه المكونات وقد قلنا أن ما لايفهمه الإسلاميون أن مصر بمكوناتها تحتمل أن يكون رئيسها مسلما ولكنها لا تحتمل أن يكون إسلاميا والفرق بين المسلم العادى والإسلامى واضح فيما رأيناه من تعقيدات وهذا هو أحد أهم الأسباب التى استعدت طوائف مصرية كثيرة ضد الحكم الاسلاموى مما هدد الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين الذين عاشوا طيلة هذه القرون مع اخوانهم المسلمين ولم نكن نعرف الفرق ولا يهمنا أن نعرف ديانة أصدقائنا وزملائنا الفضلاء. ومما ينبغى أن يذكر أننى عندما التحقت بوزارة الخارجية عملت فى قسم يرأسه زميل أقدم مسيحى وكان نعم الراعى والمعلم وكان نموذجا للمواطن المعتز بكرامته واسع الأفق والثقافة حتى أننى اصطحبته وحد كولى الأمر لي وتقدمت لخطبة زوجتى وأذكر أننى قلت له ضع يدك فى يد حمايا واقرأ الفاتحة ولن تسلم، وكانت النفوس صافية ولازلنا نحتفظ بهذه النفوس الصافية حتى اليوم وتعجبت ما حل بالمجتمع المصرى غريبا عليه.
وعندما تحدث فلاسفة القرن التاسع عشر فى أوروبا عن القومية كان يقصد بها مكونات الشخصية الوطنية فى دولة واحدة، وكان من بينها الدين . ولكن القوميين العرب فهموا خطأ المكون الديني فى الشخصية الوطنية فعمدوا إلى إنكاره أملا في توحيد المكونات المختلفة دينيا ولذلك عرف التيار القومي الوحدوي بأنه تيار علمانى يعادى الدين، مع أن أوروبا لم تستقيم أحوالها إلا بعد أن عبرت مرحلة المراهقة الفكرية والدينية بتضحيات باهظة واستندت إلى مذهب الحرية والمواطنة المطلقة، فتعبد من تشاء ولكننا ننتمى إلى الوطن الواحد الذى يشاركك فيه غيرك من ذوى الملل والنحل وهذا هو الإسلام الصحيح الذى قامت عليه دولة المدينة ولم تكن دولة دينية .
ومصر بالذات عندما استقلت عن الدولة العثمانية بعد زوالها تمسك الإسلاميون فيها بقشور لا أساس لها وهى التباكى على الخلافة الإسلامية، فلا ينطبق على مصر مسألة التفتيت لأن الكيان المصرى قائم متصل قبل الاستعمار وبعده .
بقيت نقطة أخيره وهى استخدام الدين كأساس للتضامن ونحن ننكر أن مسلمى الصين وبورما ينكل بهم فنحن نريد أن يكون التضامن معهم على أساس أنهم مواطنون فى بلادهم يستحقون الحياة ولا يجوز التنكيل بهم بسبب دينهم أو معتقداتهم وإنكار الحق فى العبادة عليهم لأى سبب ولكن يجوز للدولة أن تنظم هذا الحق مما لا يجور عليه.
معنى ذلك أن المسلم فى أى بلد مرجعيته القيم الإنسانية التى تضمنتها كافة الشرائع . ومن حسن الحظ أن القوانين الغربية والدولية تتسق إلى حد معقول مع هذه القيم. ويترتب على ذلك أن المسلم يدافع عن أى إنسان تتعرض حقوقه الإنسانية للانتهاك، ولذلك فإن الدول الغربية لا ترتاح إلى التكتل الدينى، ولهذا السبب نظرت باستخفاف إلى منظمة التعاون الإسلامى التى كنت المستشار القانى لها عدة سنوات ولمست بنفسي ذلك . فالبشاعة فى التعامل ومجافاة الإنسانية ليس مصدرها شريعة سماوية أو أرضية حتى وإن قاد رجال العقيدة البوذية حملة التنكيل بالمسلمين فى بورما أو الحاخامات اليهود جرائمهم ضد الفلسطينيين باسم التوراة.
نائب وزير الخارجية المصري الاسبق