ازمة واشنطن مع المحكمة الجنائية الدولية

خميس, 07/02/2020 - 13:28

السفير د. عبدالله الأشعل
منذ تولى الرئيس ترامب رئاسة الولايات المتحدة، دخلت واشنطن في صدامات وازمات مع معظم المنظمات الدولية بل وقررت الانسحاب منها فى الآونة الاخيرة، فقد انسحبت من منظمة الصحة العالمية واتهمتها بالقصور فى ادارة ازمة الوباء العالمى كورونا، ومن قبلها دخلت فى ازمة مع اليونسكو ومع الأونروا الخاصة باللاجئين الفلسطنيين وتواكب ذلك مع الانحياز المطلق لمشروعات اسرائيل فيما عرف بصفقة القرن ودخلت واشنطن طرفا فاعلا لتنفيذ هذه الصفقة فقررت تبعية القدس لأسرائيل وكذلك الجولان، وتضغط على الاردن كى يتخلى عن دوره فى رعاية أوقاف المسجد الاقصى واسناد الدور للسعودية حتى يسهل هدم المسجد والاستيلاء عليه كما ناهضت كل الحركات المناهضة للعنصرية الأسرائيلية.
ولكن لفت نظرى ان مارتن أنديك سفير واشنطن السابق فى اسرائيل الذى تجسس علي بلاده لصالح اسرائيل فسحب من منصبه وعين فى منصب اعلى وهو مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط وقدم نفسه فى مقال نشر فى 20/6/2020 على انه خبير عتيد فى مسائل المحكمة و حضر جميع مراحل انشائها و انه حضر كافة مراحل ابرام اتفاق اوسلو وهو مرجع فى هذا الشأن واراد ان ينطلق من ذلك لكى يرد على المدعية االعامة للمحكمة الجنائية الدولية ويتهمها بالجهل فى تفسير اتفاق اوسلو. وجهة نظر المحكمة انها مقتنعة بالأدلة على ارتكاب اسرائيل جرائم تدخل فى اختصاص المحكمة و انها بصدد تحقيقات اولية حول الجرائم.
وجهة نظر مارتن انديك اليهودى الصهيونى المتحدث بلسان اسرائيل هى ان اتفاق اوسلو اطلق يد اسرائيل فيما تسميه المحكمة جرائم، فهى اعمال متفق عليها بين السلطة و الدليل على ذلك التعاون الامنى بين الطرفين ضد المقاومة الذى قرره اتفاق اوسلو.
وهذا التفسير المبتكر لا يجد له سندا فى النص او فى الممارسة، فالجرائم الاسرائيلية لسلطات الاحتلال جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية و انتهاك لمبادئ و قواعد القانون الدولى الانسانى و القانون الدولى لحقوق الانسان، وهى جرائم جنائية تدخل فى اختصاص المحكمة و فق نظامها الاساسى في المواد 5-9. وهذا الموقف ليس جديدا، ذلك ان واشنطن تشجع اسرائيل علانية على تحدى القانون الدولى و ارتكاب الجرائم ومع ذلك تصر على انها وسيط نزيه فى الصراع الذى صار محدودا بين اسرائيل والفلسطنيين بعد ان كان الصراع العربي الاسرائيلى. و لكن هذا الصدام مع المحكمة هو استمرار لأزمة لازمت المحكمة منذ مؤتمر روما فى يوليو 1997 فقد تدخلت واشنطن لحذف عدد من بنود النظام الاساسى و وافقت الدول على امل ان تنضم الولايات المتحدة الى المحكمة.
ولكنها وقعت على النظام الاساسى ثم سحبت التوقيع واعلنت الحرب على المحكمة و تحدتها و اكدت واشنطن ان المحاكم الامريكية هى المختصة وحدها لمحاكمة الجنود الامريكيين فى اى مكان بل و هددت بضرب مقر المحكمة فى مدينة لاهاى. وازدادت الأزمة حدة بعد ان قررت المحكمة التحقيق فى الجرائم الامريكية فى افغانستان. وبذلك اضيفت مسألة جرائم اسرائيل الى قائمة مسائل الازمة المتصاعدة مع واشنطن والذى استوقفنى فى هذا السياق هو تفسير مارتن أنديك لاتفاق أوسلو وهو اكثر تطرفا مما قدمته اسرائيل نفسها للاتفاق. ولاشك أن اتفاق أوسلو كان محطة أساسية للمشروع الصهيوني ولصالح إسرائيل تماما مادامت إسرائيل أصلا تأخذمن الوثائق مايحقق هدفها ولاتلزم نفسها بأي التزام في المقابل.
صحيح أن المحكمة لاتستطيع أن تجلب واشنطن الي عدالتها ولكن هذا الموقف له آثار سياسية واسعة كما يكسب المحكمة مصداقية هي بحاجة اليها بعد انسحاب عدد من الدول الافريقية منها.
نائب وزير الخارجية المصري السابق

الفيديو

تابعونا على الفيس