كيف يسر الله لي الحج؟
كان حجي سيمْضي في صمتٍ، كسائر حجاج بيت الله، لولا أنهم شَكوا في أمر إسلامي، بالمطار، رغم إدلائي بتزكية مهمة. أحالوني على القاضي الشرعي؛ ولهذا اضطررت، خوفا من حرماني من الحج، إلى طلب تدخل إحدى الشخصيات المعروفة جيدا بالمملكة السعودية.
من هنا ابتدأت صفة ضيف المملكة، والملك فيصل رحمه الله؛ بعد زوال الحاجز الشرعي.
أُفرِدت بجناح في فندق مُصنف، ووضِعَتْ تحت تصرفي سيارة بسائقها، لأتنقل على هواي. بعد هذا اتصلتُ بي التشريفات الملكية، ورُتِّب لي لقاءٌ، بعد الحج، مع الملك فيصل رحمه الله، دام قُرابة الساعة، وكان موضوعه إسلام السود بأمريكا.
لم تكن أبَّهة الضيافة الرسمية لتُبْهِرني، ولتَشْغَلني عن شيء مُهِم غيَّر كل نظرتي إلى الحياة والناس.
لقد تأثرت أيما تأثر وأنا أخالط الناس، من جميع الأجناس والألوان وأراهم سَواسية، في ملبَسهم ومأكلهم ونومهم، وعلاقاتهم. عجبا لا أحدَ هنا يلتَفِت إلى لونك، ولغتك. رباه أكُلُّ هذا موجود في عالم أراد لنا البيض الأمريكيون أن نجهله؟
انتبه الناس لجنسيتي، وراحوا يتوافدون لرؤيتي حيثما حلَلّت؛ وسُؤالي عن أحوال السود هناك في بلد "العم توم".
تلقيت إشارات ربانيةً أنني موضِعَ عناية إلهية، منذ ركوبي الطائرة بجوار مسلمَيْن إلى توقيفي في المطار، وإبقائي حبيس فندق؛ إلى الضيافة الملكية.
وهل من الصُّدف أن يكون محمدٌ هو اسم المطوف الذي تكَفل بي؟
"لقد من الله علي فحجَجْت البيتَ، وطُفت به برفقة مُطوف اسمه محمدٌ، وشرِبت من ماء زمزم، وسعيتُ بين الصَّفا والمروة، وصليت في منى، ووقفت بعرفات مع عشرات الآلاف من الناس القادمين من كل أرض، والذين يُمثلون كُلَّ درجات الألوان البشرية.. فأديت معهم المناسك نفسَها، في إخاء ووحدة، كنت أحْسَب من تجربتي في أمريكا أنهما أمران مستحيلان، بين الإنسان الأبيض والإنسان الأسود".
سِفارات مالكوم إكس إلى رؤساء بعض الدول الإفريقية:
بعد الحج قصدت بيروت ثم مصر؛ لأجد نفسي بعدها في الطائرة المُتجهة صوب نيجيريا. كنت مُقتنعا بكون إخواننا الأفارقة السود، لا يعرفون شيئا عن مآسي بني جِلدتهم بِبراري أمريكا؛ ربما لظروفهم الاقتصادية يعتبرونهم محظوظين في بلاد الديمقراطية والثراء.
كان علي أن أُرتب لقاءاتٍ مع سياسيي بعض الدول الإفريقية ومثقفيها، لأُطْلِعهم على الحقيقة كاملة؛ ولألتمسَ منهم الدعم السياسي الأممي؛ إذ بإمكان الدول الإفريقية، حسب اعتقادي، أن تضْغطَ، في المحافل الأممية، لتنتزع للسود حقوقَهم.
لا بد أن يعرف الأفارقة الحقيقة.
يسَّر الله لي النجاح في مهمتي، وقَيَّض لي لقاءَ رؤساء أفارقة وشخصيات وازنة أذكر بعضها.
في لاغوس استقبلني البروفيسور "ايسيان أودوم" من جامعة " ايبادام. سَعِدنا بلقائنا لأننا تعارفنا من قبل في الولايات المتحدة، حينما قدِمَ إليها باحثا في "جماعة أمة الإسلام". ثم ركبت الطائرة إلى "أكرا "عاصمة غانا، حيث كانت لي لقاءات مهمة جامعية وصحافية؛ وحلَلْت ضيفا على وزير الدفاع الغاني "كوفي باكو" في حفل أقامه على شرفي. بعدها اسْتُدعيتُ للتحدث أمام البرلمان. بعد هذا دعيت للقصر الرئاسي حيث استقبلني الرئيس "قوامي نكروما"؛ وكان موضوع حديثنا حول الوحدة بين الأفارقة والشعوب المتحدرة من أصول إفريقية. حتى السفير الصيني، والسفير الكوبي استضافاني واستمعا إلى كل أطروحاتي.
وحينما غادرت صوب الولايات المتحدة كنت واثقا من أفرقة قضية السود الأمريكيين، ومن تدويلها؛ خصوصا وقد واكبتني وسائل الإعلام الأمريكية، كما خَفَرَني مُخبرون أمريكيون في تنقلاتي.