مقترح قانون بتتميم الكتاب الخامس من مدونة التجارة

أربعاء, 07/01/2020 - 07:10

قراءة في السياق وسؤال النجاعة التشريعية

إن القراءة المتأنية لهذا المقترح تجعلنا نبدي جملة من الملاحظات ليس فقط لكون مقترح القانون به عيوب من حيث المبنى والمعنى، ولكن لأن مثل هذه المبادرات تعطينا صورة حقيقية عن كيفية صناعة التشريع بالمغرب والتي تثير أكثر من علامة استفهام.

فالعملية التشريعية ليست مجرد وضع مقترح قانون أو مشروع قانون ومناقشته والمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول، ولكن الصياغة التشريعية لها تأثير على عملية الإصلاح القانوني، لأن العلاقة بين الصياغة الجيدة والإصلاح التشريعي علاقة جلية، تتمثل أساسا في أن صياغة القوانين تشكل المكنة الأساسية التي يمكن من خلالها تحويل السياسات والأهداف العامة للدولة إلى قواعد قانونية متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض حتى يسهل تطبيقها، وبالتالي لا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفة إلا إذا جاءت نتاجا لمنهج واضح في التعبير عنها، وصياغتها بأسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها مستساغا وسهل التحقيق.

فالقانون كالكائن الحي، له ذاتيته واستقلاله وكيانه وشهادة ميلاده، وهو أحد أهم الأدوات التي تلجأ إليها الحكومات من أجل تحويل السياسة العامة للدولة إلى واقع، ومن هنا وجب التمييز بين من يضع السياسة التشريعية، حيث أن وضع السياسة التشريعية عادة ما يكون من المنتمين إلى فئة الساسة كرئيس الحكومة والوزراء والأحزاب السياسية، بينما من صائغ الصياغة التشريعية لا يشترط أن يكون من طائفة الساسة، وأن كان لا يوجد ما يمنع من ذلك، ولكن ينبغي أن يكون من القانونيين ذوي الخبرة والدراية بأصول وقواعد علم الصياغة التشريعية.

وانطلاقا من أهمية الصياغة التشريعية، وارتباطا بمقترح قانون المتمم للكتاب الخامس من مدونة التجارة، وبقراءة متأنية لمضمونه يمكن إبداء الملاحظات الاتية:

الملاحظة الأولى: أن مقترح القانون يراهن على إضفاء نوع من المرونة على مفهوم التوقف عن الدفع لكي تستفيد كل المقاولات المتأثرة بجائحة فيروس كورونا كوفيد-19 من مسطرة الإنقاذ الجديدة، لكن مقترح القانون بنهجه لهذا المنحى يسير في اتجاه هدم ما راكمه الفقه والقضاء وما استقر عليه التشريع بخصوص مفهوم التوقف عن الدفع.

فالتوقف عن الدفع كمفهوم قانوني لا يحتمل أن نغلفه بعدة أغلفة ونعطيه مفاهيم تتراوح بين المفهوم المرن الذي جاء به مقترح القانون والمفهوم الذي وضعه المشرع في المادة 575 من مدونة التجارة، لأن التوقف عن الدفع وإن كان المشرع حدد عناصره التي تستخلص من كل المعطيات المتعلقة بالمقاولة فإن للمحكمة دورا كبيرا في تقدير مدى تحقق هذه العناصر من عدم تحققها.

من جهة أخرى، فإن التوقف عن الدفع هو المحدد الأساسي والخط الفاصل بين مساطر الوقاية ومساطر المعالجة، وبالتالي لا يمكن تغيير مفهومه أو إلباسه لباسا غير اللباس المعروف به الذي هو عدم قدرة المقاولة على سداد ديونها بسبب عدم كفاية أصولها في مواجهة خصوصها، وبالتالي وجب عدم المراهنة على إعطاء مفهوم جديد للتوقف عن الدفع بعيدا عن المفهوم الذي استقر عليه المشرع في المادة 575 من مدونة التجارة لأنه حسب المفهوم الجديد للتوقف عن الدفع فانه لم يعد يكفي ثبوت عدم أداء ديون حالة، لاعتبار المقاولة تعاني من صعوبات تعكس توقفها عن الدفع، وذلك دون أدنى اعتبار لمسألة ما إذا كانت موسرة أم معسرة، وإنما تجاوز مفهوم التوقف عن الدفع المظاهر الخارجية والمادية للامتناع أو رفض أداء الديون في أجل الاستحقاق، إلى البحث في المركز الحقيقي للمقاولة العاجزة عن سداد ديونها من خلال البحث في أصولها وخصومها، ومتى ثبت أن الخصوم أكثر من الأصول تكون المقاولة في حالة توقف عن الدفع.

وفي الإطار نفسه وارتباطا بالملاحظة السابقة فإن السؤال الذي يطرح هو: هل فيروس كورونا كوفيد-19 يعتبر كاشفا للتوقف عن الدفع أم منشئا له؟ لأن الأمر يختلف بين ما إن كان كاشفا أم منشئا، بمعنى أنه إذا كان فيروس كورونا كاشفا للتوقف عن الدفع، فإنه يتعين عدم إقران فتح المسطرة بضرورة إثبات أن المقاولة أنها كانت قبل الجائحة في وضعية جيدة وغير متعثرة، لأن المقاولة قبل الجائحة كانت تعاني دون أن تصل إلى الوضعية الصعبة، لكن جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 كشفت الصعوبات، وبالتالي كشفت واقعة التوقف عن الدفع وفي هذه الحالة المقاولة حسب مضمون مقترح القانون، فإنه لا يمكن أن تستفيد من هذا المقتضى القانوني وهو أمر غير مرغوب فيه، لأنه يجب أن تستفيد جميع المقاولات التي تعاني صعوبات سواء بسبب جائحة كورونا أو أي سبب آخر لأن الغاية من وضع مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة هي إنقاذ المقاولات كيفما كانت الأسباب التي جعلتها في وضعية صعبة.

أما إذا كان كوفيد-19 منشئا، فمعنى ذلك أن المقاولة كانت في وضعية جيدة لكن جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، هي التي أدت إلى توقف المقاولة عن الدفع، وبالتالي تستفيد المقاولة من هذا المقتضى القانوني.

وارتباطا بهذا السؤال يجب الجواب عن سؤال آخر هو، هل فيروس كورونا كوفيد-19 يعد السبب الأساسي في الوضعية التي آلت إليها المقاولة، أم أن حالة الطوارئ الصحية التي أعلنت عنها الحكومة هي السبب في تأزم وضعية المقاولة؟ لأن الجواب عن هذا السؤال وتحديد مصدر أزمة المقاولة يجعلنا نحدد بدقة المقاولة التي تستفيد من مسطرة الإنقاذ التي جاء بها هذا المقترح، ذلك أن هذا الأخير يطبق فقط على المقاولات التي تعاني صعوبات بسبب فيروس كورونا كوفيد-19، وليس بسبب التدابير الصحية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، لأن المقاولات التي تأثرت بفعل تدابير حالة الطوارئ الصحية لا يمكن لها الاستفادة من هذا المقتضى القانوني، وبالتالي سيطرح إشكال حول كيفية التمييز بين المقاولات التي تأثرت بشكل مباشر بالجائحة والمقاولات التي تأثرت بفعل حالة الطوارئ الصحية مما يجعل مقترح القانون بعيدا عن ضوابط وشروط الصياغة التشريعية المتمثلة أساسا في الوضوح والبساطة والقابلية للتطبيق.

الملاحظة الثانية: استعمال هذا المقترح لعبارات فضفاضة وغير دقيقة، وهو أمر يتنافى مع شروط الصناعة التشريعية التي يجب أن تعتمد على الدقة، حيث استعمل المقترح مصطلح "ليس بمقدورها تجاوزها"، صحيح أن هذا المصطلح من صميم الكتاب الخامس، ولكن توظيفه بالطريقة التي جاءت في المقترح ستخلق إشكالا وتأخذ أكثر من تفسير، لأن المصطلح يفهم منه أن المقاولة متوقفة عن الدفع، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مساطر الإنقاذ وإنما مساطر المعالجة. وفي هذا السياق فإن الحديث عن مساطر المعالجة يقتضي التمييز بين مسطرة التسوية القضائية ومسطرة التصفية القضائية، ومن ثمة فإذا كان المقترح يهدف إلى إخضاع المقاولات غير المتوقفة عن الدفع لهذه المسطرة، فإن ذلك يفرض الإشارة إلى ذلك بوضوح على غرار الصياغة التي يستعملها المشرع في الكتاب الخامس، حيث يربط صياغة "ليس بمقدورها تجاوزها" بمصطلح دون أن تكون في وضعية توقف عن الدفع، أما إذا كانت غاية المقترح أن تكون المقاولة متوقفة عن الدفع لتستفيد من هذه المسطرة يكفي ذلك المصطلح بمفرده لأنه كفيل للدلالة على أن المقاولة متوقفة عن الدفع.

الملاحظة الثالثة: أقصى المقترح دور المحكمة في تقييم مخطط الإنقاذ وذلك من خلال الموافقة عليه إذا وافق عليه الدائنون، ليجعل المحكمة بمثابة مصلحة لتصحيح الإمضاء.

ويمكن القبول بهذا المقترح إذا كان الأمر يتعلق بمسطرة المصالحة التي تهدف فقط إلى إبرام اتفاق مصالحة بين الدائنين بتدخل أو وساطة المصالح، لكن مسطرة الإنقاذ تتجاوز مصلحة الدائنين لأن مخطط الإنقاذ لا يتضمن فقط تسديد ديون المقاولة لفائدة دائنيها، وإنما يتضمن أهدافا أخرى إلى جانب تسديد الديون، كالحفاظ على مناصب الشغل واستمرارية نشاط المقاولة، وهي أهداف لا علاقة للدائنين بها، وبالتالي ليس من المقبول جعل مصير مخطط الإنقاذ بيد الدائنين.

من جهة أخرى أن اختزال دور المحكمة في إصدار حكم بقبول المخطط دون منحها إمكانية تقييمه أو تعديله أو رفضه أمر مناف لدور المحكمة في الكتاب الخامس، لأن المخطط له أبعاد ومرام تتمثل أساسا في تصحيح وضعية المقاولة، وبالتالي متى تبين للمحكمة أنه لا يتضمن ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف وجب عليها رفضه، وهنا يكمن دور القضاء في مراقبة إجراءات المسطرة، وأيضا حماية النظام العام الاقتصادي.

الملاحظة الرابعة: تتطلب عملية تتميم أي قانون من الجهة الساهرة على وضع المقتضيات القانونية المتممة له، الإلمام بالقانون المراد تتميمه، وذلك حتى تكون النصوص المتممة منسجمة مع النصوص المتممة، وهذا الأمر لم نجد له أثرا في مقترح القانون الذي نحن بصدد مناقشته، لأن هذا المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار المراحل التي يمر منها الطلب المقدم من قبل رئيس المقاولة إلى المحكمة والإجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل البت في الطلب.

فالمحكمة قبل إصدار الحكم القاضي بفتح مسطرة الإنقاذ تقوم بمجموعة من الإجراءات تكون بين مرحلة تقديم الطلب والحكم القاضي بفتح المسطرة وتسمى الإجراءات السابقة عن الحكم من قبيل:

ـ الاستماع لرئيس المقاولة بغرفة المشورة.

ـ الاستماع لكل شخص يمكن أن يفيدها في وضعية المقاولة.

ـ الاستعانة بخبير لتقييم وضعية المقاولة.

وبالتالي وجب عدم سلب المحكمة الدور الاقتصادي الذي تقوم به من خلال ضمان إنقاذ المقاولة وذلك بالمشاركة في تقييم وإمكانية تعديل مشروع مخطط الإنقاذ.

الملاحظة الخامسة: عدم وضوح الرؤية في هذا المقترح لدور المحكمة، إذ جردتها الفقرة الثالثة من الدور الأساسي الذي يجب أن تلعبه وخصتها فقط بالموافقة على مشروع المخطط، ثم بعد ذلك يتراجع المقترح في الفقرة الرابعة ليعطيها دورا يصل إلى درجة التحكم في مدة تنفيذ المخطط وهي سنة، وإن كانت مسألة المدة يجب أن تحدد من خلال النص وعدم تركها للمحكمة، ثم بعد ذلك يسلبها هذا الحق عندما يجعل تمديد مدة تنفيذه بيد الدائنين كلهم أو بعضهم، ودون تحديد الدائنين هل الدائنين أصحاب الضمانات أم الدائنين العاديين.

الملاحظة السادسة: من عيوب الصياغة أنه في الفقرة الثالثة مدة تمديد تنفيذ المخطط غير محددة، بحيث لم يحدد عدد مرات تمديد المخطط، وأيضا نسبة الدائنين المقبولة لتمديد المخطط، ناهيكم عن أن مدة سنة لتنفيذ المخطط تبقى غير كافية، بل يستحيل معها تنفيذ مخطط الإنقاذ داخل هذا الأجل.

الملاحظة السابعة: أن واضعي مقترح القانون لو رجعوا إلى مواد الكتاب الخامس واستحضروا غاية المشرع من وضع مقتضياته لما وضعوا الجزاء الجنائي المتمثل في جريمة خيانة الأمانة، لأن هذا المقتضى القانوني بعيد كل البعد عن المنحى الذي اعتمده المشرع في صياغة الكتاب الخامس.

إن الأسلوب الذي يتبناه الكتاب الخامس هو أسلوب تحفيز رئيس المقاولة على التسريع بطلب فتح المسطرة المناسبة لوضعية المقاولة وليس ترهيبه وتخويفه من خلال متابعته بجريمة خيانة للأمانة، إضافة إلى ذلك فان الأفعال التي يأتي عليها رئيس المقاولة لا تدخل ضمن جريمة خيانة الأمانة المنصوص على عناصرها التكوينية في المادة 547 من القانون الجنائي.

من خلال هذه الملاحظات المشار إليها سابقا، فإنه لا بد من إثارة سؤال كبير يتعدى عيوب مقترح القانون، هو: هل نحن بحاجة إلى هذا المقترح لإنقاذ المقاولات من آثار الجائحة؟ أم أننا بحاجة إلى تعديل وإصلاح شمولي للكتاب الخامس؟ هذا السؤال يدفعنا إلى طرح سؤال آخر ويجب الجواب عليه هو: هل يمكن المراهنة على الكتاب الخامس للتخفيف من آثار الجائحة على المقاولات التي تعاني صعوبات بسبب الظرفية الراهنة؟

إن الجواب الواضح والصريح على السؤال الأول يأتي من خلال مضمون القانون رقم 73/17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، وهو القانون الذي روج له بمناسبة إعداده على أنه سيأتي بمقتضيات جديدة يتجاوز بها علل القانون الملغى، لكنه في نهاية المطاف أخلف الموعد ولم يأت بما كان منتظرا منه لعدة أسباب هي كالتالي:

1/ إن الغاية من تعديل الكتاب الخامس لم تكن بهدف تجويده وتجاوز المقتضيات التي لم تعد صالحة للتطبيق، وإنما كانت الغاية الأساسية من تعديله هي تحسين وضعية المغرب ضمن مجموعة "دوين بزنس"، حيث كان المغرب قبل التعديل يحتل الرتبة 134 ولكن بعد تعديل الكتاب الخامس تحسن ترتيبه وأصبح يحتل الرتبة 53.

2/ الغاية التي كانت أيضا وراء التعديل هو توحيد التشريع المغربي مع التشريع الدولي، وذلك لتشجيع الاستثمار الأجنبي بسبب انخراط المغرب في مجموعة من العلاقات الدولية.

3/ جل مقتضيات القانون الحالي هي من القانون الملغى حيث تم فقط تغيير أرقام المواد باستثناء بعض التعديلات الطفيفة، كتغير مفهوم التوقف عن الدفع، وتنظيم جمعية الدائنين، وإلغاء مسطرة التسوية الودية وتعويضها بمسطرة المصالحة، وإدخال مسطرة الإنقاذ، وأيضا المساطر العابرة للحدود.

في حين كنا ننتظر تعديلات أكثر جرأة، خاصة أن القضاء التجاري راكم قواعد قضائية في غاية الأهمية استطاع من خلالها إيجاد حلول للمقاولات من خارج النص القانوني، وبالتالي كنا نأمل أن يقوم المشرع على الأقل بتبني تلك القواعد القضائية وتحويلها إلى نصوص قانونية، وذلك لضمان براءة اختراع نص قانوني مغربي أو صنع محلي، لأن أغلب المقتضيات التشريعية مستوردة من الخارج "فرنسا"، أضف إلى ذلك أنه إذا كان المشرع يخلق قواعد قانونية شكلية، فإن القضاء يخلق قواعد قانونية مادية، وعليه، فإن من بين المقتضيات التي كان على المشرع إدخالها في التعديل:

توسيع الجهات أو الأطراف التي لها حق تعديل مخطط الاستمرارية حيث أن تعديل المخطط موكول فقط لرئيس المقاولة، وهو أمر غير مقبول خاصة إذا كان رئيس المقاولة سيء النية ويهدف إلى تصفية المقاولة، والقضاء التجاري بمناسبة تنزيل مقتضيات الكتاب الخامس قبل تعديله تجاوز النص وقبل طلب الدائن والقاضي المنتدب الرامي إلى تعديل مخطط الاستمرارية بعلة أنهم أصحاب حقوق، ومن ثمة وجب قبول طلباتهم لتجاوز فسخ مخطط الاستمرارية والحكم بتصفية المقاولة، وبالتالي كنا نأمل من مشرع قانون 73/17 أن لا يأتي بالمادة 629 على هذه الصيغة التي أتى بها، وإنما أن يسمح من خلالها للدائن والقاضي المنتدب في طلب تعديل مخطط الاستمرارية إلى جانب رئيس المقاولة.

2- قبول عروض التفويت التي تأتي خارج الأجل إذا كانت فيها مصلحة للمقاولة عكس النص الذي لا يقبل بها مما يضيع على المقاولة فرصة الإنقاذ من خطر التصفية.

وقد تجاوز القضاء التجاري بمناسبة تطبيق الكتاب الخامس قبل تعديله الذي لا يقبل بعروض التفويت التي تأتي خارج الأجل وقبل عروض التفويت التي وردت خارج الأجل من أجل إنقاذ المقاولة، وكنا أيضا نأمل أن يترجم المشرع هذه القاعدة القضائية إلى نص تشريعي طالما أنه يخدم مصلحة المقاولة.

3- على مستوى العقود الجارية جعل هذا القانون الحق بيد السنديك في التقرير في مصير العقود الجارية بدون استثناء، وكنا ننتظر من التعديل إخراج بعض العقود الجارية على غرار القانون الفرنسي الذي أخرج عقد النشر والتأمين وعقود الإنتاج السمعي البصري وعقد كراء العقارات المعدة لاستغلال تجاري.

خاصة وأن القضاء التجاري تجاوز حرفية النص وأخرج عقد الكراء التجاري من العقود الجارية التي يقرر فيها السنديك بالنظر إلى أهمية هذا العقد لحياة المقاولة.

4- كنا نأمل أيضا من المشرع أن يأتي بمقتضى قانوني يحدد من خلاله المقصود بالمبرر الموضوعي في دعوى رفع السقوط وأن لا يبقى هذا المبرر غامضا وخاضعا للسلطة التقديرية للمحكمة.

5- كنا أيضا نأمل من مشرع قانون 73.17 أن يتجاوز التعارض الحاصل بين مقتضيات الكتاب الخامس والمادة 503 من مدونة التجارة التي تنص على قفل الحساب بالتسوية أو التصفية القضائية للمقاولة، خاصة أن المقاولة تكون في حاجة إلى حساباتها البنكية من أجل تجاوز وضعيتها الصعبة.

هذه بعض النقط التي كنا ننتظر من المشرع بمناسبة وضعه لقانون 73/17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة أن يعمل على أخذها بعين الاعتبار وأن يعيد النظر فيها لجعل الكتاب الخامس من مدونة التجارة كتابا يؤدي الغاية المنشودة منه وهي إنقاذ المقاولة، وعليه، ومن خلال ما سبق ذكره فإن الإجابة عن السؤال الثاني أضحت واضحة، وبالتالي يمكن القول إن الكتاب الخامس بوضعه الحالي لا يمكن المراهنة عليه بشكل كبير لإخراج المقاولة من الوضعية التي ستخلفها جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 وذلك بسبب عيوبه، وأيضا بسبب الهشاشة في واقع المقاولة المغربية، إذ أن النسيج الاقتصادي المغربي 96 في المئة من مقاولاته هي متوسطة أو صغرى وهي تابعة اقتصاديا لشركات كبرى، وهي مقاولات ذات طابع عائلي في حين أن الكتاب الخامس موجه للمقاولات الكبرى.

غير أن دورنا كباحثين في المجال القانوني لا يقتصر فقط على النقد وإنما على إعطاء تصورات وحلول، وهكذا ومن أجل مساعدة المقاولات على الخروج من الوضعية الصعبة التي تعترضها، يتعين تدعيم الكتاب الخامس من مدونة التجارة بوسائل وآليات التمويل وفي هذا الإطار نقترح تدعيم دور القاضي التجاري بآليات لتمويل المقاولات وذلك من خلال إحداث صناديق خاصة بذلك يمكن للقاضي اللجوء إليها بدلا من اللجوء إلى الدائنين الرئيسين للمقاولات.

ومن مصادر التمويل التي نقترح:

ـ صناديق الجماعات المحلية حيث إن هذه الصناديق يمكن الاعتماد عليها كآليات للتمويل، خاصة وأن المقاولات تساهم في مداخيله من خلال الضرائب التي تؤديها للجماعة التي تكون المقاولة فوق ترابها، وبالتالي أن دعم صندوق الجماعة التي يوجد فوق دائرتها المقاولة المتضررة يدخل ضمن أهداف التنمية المحلية المسندة للجماعة المحلية، خاصة وأن هذه الصناديق تحقق دائما فائضا.

ـ إنشاء مؤسسات اقتصادية في مختلف مناطق المغرب عن طريق الاكتتاب ترصد أموالها لمساعدة المقاولة التي تعاني صعوبات قبل أن تفتح في حقها المسطرة أو خلال خضوعها لأحد مساطر الكتاب الخامس، في إطار ما يسمى اليوم الأسواق المالية المعاصرة.

ـ إحداث خريطة لمؤسسات التمويل عمومية أو خصوصية بكل جهة أو إقليم من أجل الاستفادة من أموالها من قبل المقاولة الموجودة فوق ترابها، وذلك في إطار تنزيل برنامج اللامركزية في الاستثمار.

في الختام، فإنه لا بد من توفر ثلاثة شروط أساسية لتحقيق كل هذه الاقتراحات، وهي:

الإرادة السياسية الحقيقية.

قوة التنفيذ.

التخطيط المستقبلي والشمولي.

*محام بهيئة سطات أستاذ / زائر بكلية الحقوق سطاتVV

قراءة في السياق وسؤال النجاعة التشريعية

إن القراءة المتأنية لهذا المقترح تجعلنا نبدي جملة من الملاحظات ليس فقط لكون مقترح القانون به عيوب من حيث المبنى والمعنى، ولكن لأن مثل هذه المبادرات تعطينا صورة حقيقية عن كيفية صناعة التشريع بالمغرب والتي تثير أكثر من علامة استفهام.

فالعملية التشريعية ليست مجرد وضع مقترح قانون أو مشروع قانون ومناقشته والمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول، ولكن الصياغة التشريعية لها تأثير على عملية الإصلاح القانوني، لأن العلاقة بين الصياغة الجيدة والإصلاح التشريعي علاقة جلية، تتمثل أساسا في أن صياغة القوانين تشكل المكنة الأساسية التي يمكن من خلالها تحويل السياسات والأهداف العامة للدولة إلى قواعد قانونية متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض حتى يسهل تطبيقها، وبالتالي لا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفة إلا إذا جاءت نتاجا لمنهج واضح في التعبير عنها، وصياغتها بأسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها مستساغا وسهل التحقيق.

فالقانون كالكائن الحي، له ذاتيته واستقلاله وكيانه وشهادة ميلاده، وهو أحد أهم الأدوات التي تلجأ إليها الحكومات من أجل تحويل السياسة العامة للدولة إلى واقع، ومن هنا وجب التمييز بين من يضع السياسة التشريعية، حيث أن وضع السياسة التشريعية عادة ما يكون من المنتمين إلى فئة الساسة كرئيس الحكومة والوزراء والأحزاب السياسية، بينما من صائغ الصياغة التشريعية لا يشترط أن يكون من طائفة الساسة، وأن كان لا يوجد ما يمنع من ذلك، ولكن ينبغي أن يكون من القانونيين ذوي الخبرة والدراية بأصول وقواعد علم الصياغة التشريعية.

وانطلاقا من أهمية الصياغة التشريعية، وارتباطا بمقترح قانون المتمم للكتاب الخامس من مدونة التجارة، وبقراءة متأنية لمضمونه يمكن إبداء الملاحظات الاتية:

الملاحظة الأولى: أن مقترح القانون يراهن على إضفاء نوع من المرونة على مفهوم التوقف عن الدفع لكي تستفيد كل المقاولات المتأثرة بجائحة فيروس كورونا كوفيد-19 من مسطرة الإنقاذ الجديدة، لكن مقترح القانون بنهجه لهذا المنحى يسير في اتجاه هدم ما راكمه الفقه والقضاء وما استقر عليه التشريع بخصوص مفهوم التوقف عن الدفع.

فالتوقف عن الدفع كمفهوم قانوني لا يحتمل أن نغلفه بعدة أغلفة ونعطيه مفاهيم تتراوح بين المفهوم المرن الذي جاء به مقترح القانون والمفهوم الذي وضعه المشرع في المادة 575 من مدونة التجارة، لأن التوقف عن الدفع وإن كان المشرع حدد عناصره التي تستخلص من كل المعطيات المتعلقة بالمقاولة فإن للمحكمة دورا كبيرا في تقدير مدى تحقق هذه العناصر من عدم تحققها.

من جهة أخرى، فإن التوقف عن الدفع هو المحدد الأساسي والخط الفاصل بين مساطر الوقاية ومساطر المعالجة، وبالتالي لا يمكن تغيير مفهومه أو إلباسه لباسا غير اللباس المعروف به الذي هو عدم قدرة المقاولة على سداد ديونها بسبب عدم كفاية أصولها في مواجهة خصوصها، وبالتالي وجب عدم المراهنة على إعطاء مفهوم جديد للتوقف عن الدفع بعيدا عن المفهوم الذي استقر عليه المشرع في المادة 575 من مدونة التجارة لأنه حسب المفهوم الجديد للتوقف عن الدفع فانه لم يعد يكفي ثبوت عدم أداء ديون حالة، لاعتبار المقاولة تعاني من صعوبات تعكس توقفها عن الدفع، وذلك دون أدنى اعتبار لمسألة ما إذا كانت موسرة أم معسرة، وإنما تجاوز مفهوم التوقف عن الدفع المظاهر الخارجية والمادية للامتناع أو رفض أداء الديون في أجل الاستحقاق، إلى البحث في المركز الحقيقي للمقاولة العاجزة عن سداد ديونها من خلال البحث في أصولها وخصومها، ومتى ثبت أن الخصوم أكثر من الأصول تكون المقاولة في حالة توقف عن الدفع.

وفي الإطار نفسه وارتباطا بالملاحظة السابقة فإن السؤال الذي يطرح هو: هل فيروس كورونا كوفيد-19 يعتبر كاشفا للتوقف عن الدفع أم منشئا له؟ لأن الأمر يختلف بين ما إن كان كاشفا أم منشئا، بمعنى أنه إذا كان فيروس كورونا كاشفا للتوقف عن الدفع، فإنه يتعين عدم إقران فتح المسطرة بضرورة إثبات أن المقاولة أنها كانت قبل الجائحة في وضعية جيدة وغير متعثرة، لأن المقاولة قبل الجائحة كانت تعاني دون أن تصل إلى الوضعية الصعبة، لكن جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 كشفت الصعوبات، وبالتالي كشفت واقعة التوقف عن الدفع وفي هذه الحالة المقاولة حسب مضمون مقترح القانون، فإنه لا يمكن أن تستفيد من هذا المقتضى القانوني وهو أمر غير مرغوب فيه، لأنه يجب أن تستفيد جميع المقاولات التي تعاني صعوبات سواء بسبب جائحة كورونا أو أي سبب آخر لأن الغاية من وضع مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة هي إنقاذ المقاولات كيفما كانت الأسباب التي جعلتها في وضعية صعبة.

أما إذا كان كوفيد-19 منشئا، فمعنى ذلك أن المقاولة كانت في وضعية جيدة لكن جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، هي التي أدت إلى توقف المقاولة عن الدفع، وبالتالي تستفيد المقاولة من هذا المقتضى القانوني.

وارتباطا بهذا السؤال يجب الجواب عن سؤال آخر هو، هل فيروس كورونا كوفيد-19 يعد السبب الأساسي في الوضعية التي آلت إليها المقاولة، أم أن حالة الطوارئ الصحية التي أعلنت عنها الحكومة هي السبب في تأزم وضعية المقاولة؟ لأن الجواب عن هذا السؤال وتحديد مصدر أزمة المقاولة يجعلنا نحدد بدقة المقاولة التي تستفيد من مسطرة الإنقاذ التي جاء بها هذا المقترح، ذلك أن هذا الأخير يطبق فقط على المقاولات التي تعاني صعوبات بسبب فيروس كورونا كوفيد-19، وليس بسبب التدابير الصحية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، لأن المقاولات التي تأثرت بفعل تدابير حالة الطوارئ الصحية لا يمكن لها الاستفادة من هذا المقتضى القانوني، وبالتالي سيطرح إشكال حول كيفية التمييز بين المقاولات التي تأثرت بشكل مباشر بالجائحة والمقاولات التي تأثرت بفعل حالة الطوارئ الصحية مما يجعل مقترح القانون بعيدا عن ضوابط وشروط الصياغة التشريعية المتمثلة أساسا في الوضوح والبساطة والقابلية للتطبيق.

الملاحظة الثانية: استعمال هذا المقترح لعبارات فضفاضة وغير دقيقة، وهو أمر يتنافى مع شروط الصناعة التشريعية التي يجب أن تعتمد على الدقة، حيث استعمل المقترح مصطلح "ليس بمقدورها تجاوزها"، صحيح أن هذا المصطلح من صميم الكتاب الخامس، ولكن توظيفه بالطريقة التي جاءت في المقترح ستخلق إشكالا وتأخذ أكثر من تفسير، لأن المصطلح يفهم منه أن المقاولة متوقفة عن الدفع، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مساطر الإنقاذ وإنما مساطر المعالجة. وفي هذا السياق فإن الحديث عن مساطر المعالجة يقتضي التمييز بين مسطرة التسوية القضائية ومسطرة التصفية القضائية، ومن ثمة فإذا كان المقترح يهدف إلى إخضاع المقاولات غير المتوقفة عن الدفع لهذه المسطرة، فإن ذلك يفرض الإشارة إلى ذلك بوضوح على غرار الصياغة التي يستعملها المشرع في الكتاب الخامس، حيث يربط صياغة "ليس بمقدورها تجاوزها" بمصطلح دون أن تكون في وضعية توقف عن الدفع، أما إذا كانت غاية المقترح أن تكون المقاولة متوقفة عن الدفع لتستفيد من هذه المسطرة يكفي ذلك المصطلح بمفرده لأنه كفيل للدلالة على أن المقاولة متوقفة عن الدفع.

الملاحظة الثالثة: أقصى المقترح دور المحكمة في تقييم مخطط الإنقاذ وذلك من خلال الموافقة عليه إذا وافق عليه الدائنون، ليجعل المحكمة بمثابة مصلحة لتصحيح الإمضاء.

ويمكن القبول بهذا المقترح إذا كان الأمر يتعلق بمسطرة المصالحة التي تهدف فقط إلى إبرام اتفاق مصالحة بين الدائنين بتدخل أو وساطة المصالح، لكن مسطرة الإنقاذ تتجاوز مصلحة الدائنين لأن مخطط الإنقاذ لا يتضمن فقط تسديد ديون المقاولة لفائدة دائنيها، وإنما يتضمن أهدافا أخرى إلى جانب تسديد الديون، كالحفاظ على مناصب الشغل واستمرارية نشاط المقاولة، وهي أهداف لا علاقة للدائنين بها، وبالتالي ليس من المقبول جعل مصير مخطط الإنقاذ بيد الدائنين.

من جهة أخرى أن اختزال دور المحكمة في إصدار حكم بقبول المخطط دون منحها إمكانية تقييمه أو تعديله أو رفضه أمر مناف لدور المحكمة في الكتاب الخامس، لأن المخطط له أبعاد ومرام تتمثل أساسا في تصحيح وضعية المقاولة، وبالتالي متى تبين للمحكمة أنه لا يتضمن ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف وجب عليها رفضه، وهنا يكمن دور القضاء في مراقبة إجراءات المسطرة، وأيضا حماية النظام العام الاقتصادي.

الملاحظة الرابعة: تتطلب عملية تتميم أي قانون من الجهة الساهرة على وضع المقتضيات القانونية المتممة له، الإلمام بالقانون المراد تتميمه، وذلك حتى تكون النصوص المتممة منسجمة مع النصوص المتممة، وهذا الأمر لم نجد له أثرا في مقترح القانون الذي نحن بصدد مناقشته، لأن هذا المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار المراحل التي يمر منها الطلب المقدم من قبل رئيس المقاولة إلى المحكمة والإجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل البت في الطلب.

فالمحكمة قبل إصدار الحكم القاضي بفتح مسطرة الإنقاذ تقوم بمجموعة من الإجراءات تكون بين مرحلة تقديم الطلب والحكم القاضي بفتح المسطرة وتسمى الإجراءات السابقة عن الحكم من قبيل:

ـ الاستماع لرئيس المقاولة بغرفة المشورة.

ـ الاستماع لكل شخص يمكن أن يفيدها في وضعية المقاولة.

ـ الاستعانة بخبير لتقييم وضعية المقاولة.

وبالتالي وجب عدم سلب المحكمة الدور الاقتصادي الذي تقوم به من خلال ضمان إنقاذ المقاولة وذلك بالمشاركة في تقييم وإمكانية تعديل مشروع مخطط الإنقاذ.

الملاحظة الخامسة: عدم وضوح الرؤية في هذا المقترح لدور المحكمة، إذ جردتها الفقرة الثالثة من الدور الأساسي الذي يجب أن تلعبه وخصتها فقط بالموافقة على مشروع المخطط، ثم بعد ذلك يتراجع المقترح في الفقرة الرابعة ليعطيها دورا يصل إلى درجة التحكم في مدة تنفيذ المخطط وهي سنة، وإن كانت مسألة المدة يجب أن تحدد من خلال النص وعدم تركها للمحكمة، ثم بعد ذلك يسلبها هذا الحق عندما يجعل تمديد مدة تنفيذه بيد الدائنين كلهم أو بعضهم، ودون تحديد الدائنين هل الدائنين أصحاب الضمانات أم الدائنين العاديين.

الملاحظة السادسة: من عيوب الصياغة أنه في الفقرة الثالثة مدة تمديد تنفيذ المخطط غير محددة، بحيث لم يحدد عدد مرات تمديد المخطط، وأيضا نسبة الدائنين المقبولة لتمديد المخطط، ناهيكم عن أن مدة سنة لتنفيذ المخطط تبقى غير كافية، بل يستحيل معها تنفيذ مخطط الإنقاذ داخل هذا الأجل.

الملاحظة السابعة: أن واضعي مقترح القانون لو رجعوا إلى مواد الكتاب الخامس واستحضروا غاية المشرع من وضع مقتضياته لما وضعوا الجزاء الجنائي المتمثل في جريمة خيانة الأمانة، لأن هذا المقتضى القانوني بعيد كل البعد عن المنحى الذي اعتمده المشرع في صياغة الكتاب الخامس.

إن الأسلوب الذي يتبناه الكتاب الخامس هو أسلوب تحفيز رئيس المقاولة على التسريع بطلب فتح المسطرة المناسبة لوضعية المقاولة وليس ترهيبه وتخويفه من خلال متابعته بجريمة خيانة للأمانة، إضافة إلى ذلك فان الأفعال التي يأتي عليها رئيس المقاولة لا تدخل ضمن جريمة خيانة الأمانة المنصوص على عناصرها التكوينية في المادة 547 من القانون الجنائي.

من خلال هذه الملاحظات المشار إليها سابقا، فإنه لا بد من إثارة سؤال كبير يتعدى عيوب مقترح القانون، هو: هل نحن بحاجة إلى هذا المقترح لإنقاذ المقاولات من آثار الجائحة؟ أم أننا بحاجة إلى تعديل وإصلاح شمولي للكتاب الخامس؟ هذا السؤال يدفعنا إلى طرح سؤال آخر ويجب الجواب عليه هو: هل يمكن المراهنة على الكتاب الخامس للتخفيف من آثار الجائحة على المقاولات التي تعاني صعوبات بسبب الظرفية الراهنة؟

إن الجواب الواضح والصريح على السؤال الأول يأتي من خلال مضمون القانون رقم 73/17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، وهو القانون الذي روج له بمناسبة إعداده على أنه سيأتي بمقتضيات جديدة يتجاوز بها علل القانون الملغى، لكنه في نهاية المطاف أخلف الموعد ولم يأت بما كان منتظرا منه لعدة أسباب هي كالتالي:

1/ إن الغاية من تعديل الكتاب الخامس لم تكن بهدف تجويده وتجاوز المقتضيات التي لم تعد صالحة للتطبيق، وإنما كانت الغاية الأساسية من تعديله هي تحسين وضعية المغرب ضمن مجموعة "دوين بزنس"، حيث كان المغرب قبل التعديل يحتل الرتبة 134 ولكن بعد تعديل الكتاب الخامس تحسن ترتيبه وأصبح يحتل الرتبة 53.

2/ الغاية التي كانت أيضا وراء التعديل هو توحيد التشريع المغربي مع التشريع الدولي، وذلك لتشجيع الاستثمار الأجنبي بسبب انخراط المغرب في مجموعة من العلاقات الدولية.

3/ جل مقتضيات القانون الحالي هي من القانون الملغى حيث تم فقط تغيير أرقام المواد باستثناء بعض التعديلات الطفيفة، كتغير مفهوم التوقف عن الدفع، وتنظيم جمعية الدائنين، وإلغاء مسطرة التسوية الودية وتعويضها بمسطرة المصالحة، وإدخال مسطرة الإنقاذ، وأيضا المساطر العابرة للحدود.

في حين كنا ننتظر تعديلات أكثر جرأة، خاصة أن القضاء التجاري راكم قواعد قضائية في غاية الأهمية استطاع من خلالها إيجاد حلول للمقاولات من خارج النص القانوني، وبالتالي كنا نأمل أن يقوم المشرع على الأقل بتبني تلك القواعد القضائية وتحويلها إلى نصوص قانونية، وذلك لضمان براءة اختراع نص قانوني مغربي أو صنع محلي، لأن أغلب المقتضيات التشريعية مستوردة من الخارج "فرنسا"، أضف إلى ذلك أنه إذا كان المشرع يخلق قواعد قانونية شكلية، فإن القضاء يخلق قواعد قانونية مادية، وعليه، فإن من بين المقتضيات التي كان على المشرع إدخالها في التعديل:

توسيع الجهات أو الأطراف التي لها حق تعديل مخطط الاستمرارية حيث أن تعديل المخطط موكول فقط لرئيس المقاولة، وهو أمر غير مقبول خاصة إذا كان رئيس المقاولة سيء النية ويهدف إلى تصفية المقاولة، والقضاء التجاري بمناسبة تنزيل مقتضيات الكتاب الخامس قبل تعديله تجاوز النص وقبل طلب الدائن والقاضي المنتدب الرامي إلى تعديل مخطط الاستمرارية بعلة أنهم أصحاب حقوق، ومن ثمة وجب قبول طلباتهم لتجاوز فسخ مخطط الاستمرارية والحكم بتصفية المقاولة، وبالتالي كنا نأمل من مشرع قانون 73/17 أن لا يأتي بالمادة 629 على هذه الصيغة التي أتى بها، وإنما أن يسمح من خلالها للدائن والقاضي المنتدب في طلب تعديل مخطط الاستمرارية إلى جانب رئيس المقاولة.

2- قبول عروض التفويت التي تأتي خارج الأجل إذا كانت فيها مصلحة للمقاولة عكس النص الذي لا يقبل بها مما يضيع على المقاولة فرصة الإنقاذ من خطر التصفية.

وقد تجاوز القضاء التجاري بمناسبة تطبيق الكتاب الخامس قبل تعديله الذي لا يقبل بعروض التفويت التي تأتي خارج الأجل وقبل عروض التفويت التي وردت خارج الأجل من أجل إنقاذ المقاولة، وكنا أيضا نأمل أن يترجم المشرع هذه القاعدة القضائية إلى نص تشريعي طالما أنه يخدم مصلحة المقاولة.

3- على مستوى العقود الجارية جعل هذا القانون الحق بيد السنديك في التقرير في مصير العقود الجارية بدون استثناء، وكنا ننتظر من التعديل إخراج بعض العقود الجارية على غرار القانون الفرنسي الذي أخرج عقد النشر والتأمين وعقود الإنتاج السمعي البصري وعقد كراء العقارات المعدة لاستغلال تجاري.

خاصة وأن القضاء التجاري تجاوز حرفية النص وأخرج عقد الكراء التجاري من العقود الجارية التي يقرر فيها السنديك بالنظر إلى أهمية هذا العقد لحياة المقاولة.

4- كنا نأمل أيضا من المشرع أن يأتي بمقتضى قانوني يحدد من خلاله المقصود بالمبرر الموضوعي في دعوى رفع السقوط وأن لا يبقى هذا المبرر غامضا وخاضعا للسلطة التقديرية للمحكمة.

5- كنا أيضا نأمل من مشرع قانون 73.17 أن يتجاوز التعارض الحاصل بين مقتضيات الكتاب الخامس والمادة 503 من مدونة التجارة التي تنص على قفل الحساب بالتسوية أو التصفية القضائية للمقاولة، خاصة أن المقاولة تكون في حاجة إلى حساباتها البنكية من أجل تجاوز وضعيتها الصعبة.

هذه بعض النقط التي كنا ننتظر من المشرع بمناسبة وضعه لقانون 73/17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة أن يعمل على أخذها بعين الاعتبار وأن يعيد النظر فيها لجعل الكتاب الخامس من مدونة التجارة كتابا يؤدي الغاية المنشودة منه وهي إنقاذ المقاولة، وعليه، ومن خلال ما سبق ذكره فإن الإجابة عن السؤال الثاني أضحت واضحة، وبالتالي يمكن القول إن الكتاب الخامس بوضعه الحالي لا يمكن المراهنة عليه بشكل كبير لإخراج المقاولة من الوضعية التي ستخلفها جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 وذلك بسبب عيوبه، وأيضا بسبب الهشاشة في واقع المقاولة المغربية، إذ أن النسيج الاقتصادي المغربي 96 في المئة من مقاولاته هي متوسطة أو صغرى وهي تابعة اقتصاديا لشركات كبرى، وهي مقاولات ذات طابع عائلي في حين أن الكتاب الخامس موجه للمقاولات الكبرى.

غير أن دورنا كباحثين في المجال القانوني لا يقتصر فقط على النقد وإنما على إعطاء تصورات وحلول، وهكذا ومن أجل مساعدة المقاولات على الخروج من الوضعية الصعبة التي تعترضها، يتعين تدعيم الكتاب الخامس من مدونة التجارة بوسائل وآليات التمويل وفي هذا الإطار نقترح تدعيم دور القاضي التجاري بآليات لتمويل المقاولات وذلك من خلال إحداث صناديق خاصة بذلك يمكن للقاضي اللجوء إليها بدلا من اللجوء إلى الدائنين الرئيسين للمقاولات.

ومن مصادر التمويل التي نقترح:

ـ صناديق الجماعات المحلية حيث إن هذه الصناديق يمكن الاعتماد عليها كآليات للتمويل، خاصة وأن المقاولات تساهم في مداخيله من خلال الضرائب التي تؤديها للجماعة التي تكون المقاولة فوق ترابها، وبالتالي أن دعم صندوق الجماعة التي يوجد فوق دائرتها المقاولة المتضررة يدخل ضمن أهداف التنمية المحلية المسندة للجماعة المحلية، خاصة وأن هذه الصناديق تحقق دائما فائضا.

ـ إنشاء مؤسسات اقتصادية في مختلف مناطق المغرب عن طريق الاكتتاب ترصد أموالها لمساعدة المقاولة التي تعاني صعوبات قبل أن تفتح في حقها المسطرة أو خلال خضوعها لأحد مساطر الكتاب الخامس، في إطار ما يسمى اليوم الأسواق المالية المعاصرة.

ـ إحداث خريطة لمؤسسات التمويل عمومية أو خصوصية بكل جهة أو إقليم من أجل الاستفادة من أموالها من قبل المقاولة الموجودة فوق ترابها، وذلك في إطار تنزيل برنامج اللامركزية في الاستثمار.

في الختام، فإنه لا بد من توفر ثلاثة شروط أساسية لتحقيق كل هذه الاقتراحات، وهي:

الإرادة السياسية الحقيقية.

قوة التنفيذ.

التخطيط المستقبلي والشمولي.

*محام بهيئة سطات أستاذ / زائر بكلية الحقوق سطات

الفيديو

تابعونا على الفيس