ماذا نريد بالأمازيغية؟، هل نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال، بعيدا عن لغة المؤامرة، أو منطق القبيلة؟.
نستطيع أن نزعم أن الجواب البدهي والأولي هو: نريدها أن تأخذ مكانتها التي تليق بها، ليقفز سؤال آخر هو: وما هي مكانتها التي تليق بها، وبناء على أية معايير ومقدمات؟، هنا تتفرع الأجوبة، وتتناسل التأويلات، وتتعدد الدفوعات بتعدد الرؤى والولاءات.
إن أصعب شيء في اللغة هو أنها ليست مجرد كلمات، بل هي الرؤى والتمثلات. ومن ثمّ يتطلب الحديث فيها وعنها الكثير من التريث والإلمام والإحاطة، والإنصات الجيد والعميق لصوت المعرفة والتاريخ والمستقبل؛ صوت المعرفة لأن مجال اللغويات يتطلب إلماما كافيا بتضاريس الكلمة.. وصوت التاريخ لأن الأمر يتعلق بموروث لغوي عريق امتزج بلحمة هذا البلد وأهله جميعا، فلا حديث يصح عن تاريخ للمغرب بلا أمازيغية.. وصوت المستقبل باعتباره الرهان الأساس، والتحدي الأكبر الذي يجب أن يهم الجميع؛ فالحديث الجدي عن المغرب، هو بالضرورة حديث عن مستقبله المادي وغير المادي، فإلى أي حد تتم مناقشة المكون الأمازيغي في بلادنا، بهذا النفس المعرفي والتاريخي والمستقبلي؟.
يسهل أن نلاحظ أن الكثير من المتدخلين في تناول موضوع الأمازيغية عندنا لا يمتلكون الحد المعقول والمقنع من هذه العناصر، وغالبا ما تشغلهم التفاصيل والهوامش وتستهويهم المنابزات والذاتيات والمضايق؛ ما يحول الموضوع أحيانا كثيرة إلى رهانات طائفية، تهم جهات معينة ضدا على جهات أخرى، هوياتية أو سياسية، ما يؤدي في النهاية إلى الدوران في نفس الحلقة، واستهلاك نفس المضامين والدعاوى، الشيء الذي يؤكد وجود إعاقات حقيقية، ومن طبائع مختلفة ومتنوعة، معرفية وثقافية وسياسية، وتهم كل الأطراف المتدخلة، بجميع تلاوينها.
تبدو حاجة الأمازيغية في بلادنا ماسة إلى تجديد النظر في المنطلقات، العلمية والمنهجية، بما يجعلها أوسع وأعمق مما هي عليه الآن، وبما يضع موضوعها على طاولة النقاش المعرفي، المسكون بأفق مستقبلي حقيقي.. لست أدري ماذا يفعل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إذا كان لا يضطلع بهذه المهمة، وبهذا النفس المستقبلي؟، ولماذا لا يتم تركيز الجهود من أجل إنجاح مهمته، بما هو مؤسسة رسمية، تضم افتراضا الكفاءات المخولة بالبحث الجدي في مفاصل هذا الموضوع؟، فلا معنى لتحويل المؤسسات مع الأيام إلى جزر معزولة، في مقابل إشاعة الثرثرة واستسهال الردود الذاتية، فأمر الأمازيغية ليس مضمارا لاستعراض العضلات الإثنية واللغوية، بقدر ما هو مجال لتأكيد مغربية المغاربة، فالأمازيغي تعني (مغربي)، ولا تعني شيئا آخر، تماما كما العربي والأندلسي والإفريقي، كلها تعني المغربي وكفى، هذا هو اسمنا الجامع، والباقي مجرد تفاصيل وهوامش، إذا لم نحسن توظيفها، سنحولها إلى هرطقات وعصبيات فارغة.
عموم المغاربة اليوم يقولون بأصالة المكون الأمازيغي، وبقيمته الرئيسة ضمن عناصر الهوية التي يفترض أن تكون عامل تجميع وتقريب بين أهل البلد الواحد، والدستور لدينا يروم هذا المعنى... السؤال الكبير، الذي يبدو عصيا اليوم، يتعلق بالمستقبل، مستقبل المغرب بالأمازيغية، ما هو مستقبل المغرب، بالأمازيغية؟، ولا أقول مستقبل الأمازيغية في المغرب، فالهدف يجب أن يكون هو البلد، ولا شيء غير البلد..
مرة أخرى، الأمر يحتاج إلى صوت العلم والتاريخ والمستقبل، لا صوت الماضي، ولا صوت الطائفة. لمثل هذه المعضلات والإشكالات يجب أن يتجه البحث والسؤال، وبتكاثف جهود الجميع، لأنهم كلهم مغاربة، مغاربة وكفى.