صراحة، ما أجمل الإحساس بالحرية، ويزداد ويكبر طعم هذه الحرية كلما ارتبط الأمر "بالحرية الجماعية"، قد يحصل أن يخرج الإنسان لوحده وهو يحاول استنشاق الهواء الطلق، لكن حلاوة ذلكم الخروج تبقى منقوصة، في الوقت الذي يحس فيه المرء بأن "الأجواء الجماعية" ليست على ما يرام، من شبه المؤكد أن كورونا كان لها دور إبراز أهمية أمثال هاته الأحاسيس، وتأكيدها على الأهمية البالغة التي تكتسيها الحرية "في بعديها الفردي والجماعي".
باسترجاع عقارب الساعة إلى الوراء، نتذكر جميعا كيف أن "أمور كورونا" ابتدأت كقصة وحكاية عن معاناة أهل الصين مع فيروس غريب قاتل، مع ما رافق ذلك من تفسيرات كانت تروم قراءة هذا المستجد، في إطار من الصراع والتدافع السياسي بين الصين وأمريكا، ثم بدأت وتيرة "زحف الفيروس" في التصاعد حتى وصل بفعل انفتاح الأجواء والعولمة إلى أوروبا، لتضيق الدائرة علينا بفعل امتداد الوباء وتمططه، حد فرضه علينا سد الأجواء ثم سد الأبواب في تطبيق لسياسة الحجر، في حدث غريب لم يكن يخطر على بال وكأننا أمام أحد أفلام الخيال أو الرعب يحكي عن فيروس قاتل.
وربما الذاكرة لازالت تسعف في تذكر تلكم الصدمة والأثر النفسي الكبير على المغاربة، حين تم الاستماع إلى البلاغات الصحفية التي تحدثت عن موضوع الحجر الصحي والطوارئ الصحية وعن قطع الأجواء وتوقف الدراسة، وكيف تفاعل المغاربة مع تلكم الوقائع في تصرف كان فيه الكثير من الخوف والحيرة، وهو ما انعكس من خلال الإسراع والجري وراء محلات التسوق مخافة نفاذ المؤونة، حتى أحاديث الساعة التي كانت تحكي وقتها عن طريقة وسرعة انتقال العدوى، وعن قدرات فتك الفيروس، وعن ضعف قدرات المنظومة الصحية الوطنية على المواجهة والصمود.. كلها تساؤلات كانت ترخي بظلالها على المشهد العام وهي التي زادت من ضبابية وقسوة المشهد.
الحاصل، ومن خلال طول المدة الزمنية للحجر، لحوالي ثلاثة أشهر تقريبا، ومع المتابعة اللصيقة لتطور الحالة الوبائية في العالم والبلد، وبحكم شبه التحكم في مجريات الوضعية الوبائية عندنا هنا في المغرب، ونسب الشفاء المرتفعة وكذا ضعف نسب الفتك، وأخذا بعين الاعتبار ملحاحية البعد الاجتماعي والاقتصادي لعدد كبير من الساكنة، أن تمثلات جزء من المغاربة لذلكم الفيروس الفتاك بدأت تضعف في ظل الرغبة في الانفراج والخلاص، ولعل أبرز صورة بإمكانها إعطاء فكرة عن الموضوع تلكم الطريقة التي استقبلت بها عاملات معامل فراولة للاميمونة للفيروس، بحيث وفي غمرة تسفيرهن إلى المستشفى الميداني ببنسليمان أطلقن "زغاريد السخرية" من الوباء اللعين، تعبيرا منهن على أن الخوف من الفيروس عندهن لم يعد بتلكم الصورة المرعبة بل تم أخذ الخوف بقدر محدود.
وإذا كان مفيدا في سياق المجابهة، تصوير الخصم بالحجم الذي هو عليه من دون تهويل أو استخفاف، إلا أنه، في تقديرنا، وما دامت الصحة هي المستهدفة، فيتعين أن تبقى الإجراءات الاحترازية في حدود مرتفعة اعتبارا لكون أذى هذا الوباء قد لا يبقى محصورا في حدود "مساحة جسد لفرد"، ولكن في إمكانه أن يتعداه ويستغل بعض ثغرات الذات للتسلل وولوج عالم الأسرة وقد يستهدف الحلقات الدنيا من أعز ما نملك من أفراد الأسرة من المرضى وكبار السن.
من جهة أخرى، وإذا كانت الدولة قد تصرفت بكيفية مسؤولة في مواجهة هذا الفيروس اللئيم، بحيث اصطفت في الصفوف الأولى والأمامية للمواجهة، محاولة احتضان جميع أبنائها، في تغليب للبعد والجانب الصحي على حساب كافة الأبعاد، إلا أنه قد تبين، في ظل شبه الشلل الكلي للمنظومة الاقتصادية للبلد، أن الأمور لا يمكنها أن تمضي هكذا على هذا النحو. من خلال إقرار الرفع التدريجي لسياسة الحجر الصحي. فيبدو أن الدولة قد سلمت هذه المرة مشعل حماية الصحة الذي احتفظت به طول هذه المدة ووضعته بين يدي المواطن يفعل به ما يشاء، فإما أن يقدر هذه المهمة حق قدرها فتكون النتائج إيجابية أو أن الأمور لا قدر الله ستنقلب وبالا عليه وعلى الأسرة والمجتمع بأكمله.
بحسب العديد من المتتبعين، فإن طول مدة هذا الحجر بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه الإعلام (حتى لا نقف إلا على هذين العاملين)، من شبه المؤكد أنهما قد أسهما في منح بعض جرعات من الوعي واكتساب بعض أفضل الممارسات من حيث تملك تقنيات التعامل مع الوباء وطرق تجنبه، (التباعد، الكمامات التعقيم).. مع ذلك يبدو أنه ما نزال محتاجين لنوع من المواكبة لسلطة البلد في إنجاح هذا التحول من مركزية الدولة في مواجهة هذا الوباء إلى مركزية الفرد في تدبير الجائحة، باعتبار مركزية عامل الوعي الذي انبرى كعملة ثمينة أثبت جدارته واتضح بأنه خير سلاح للمقاومة ومجابهة هذا الوباء اللعين.v