تترقب دول الخليج يوم غد ( الثلاثاء) 30 يونيو / حزيران الجاري، احتمال ابرام التسوية الدولية في الملف النووي الايراني، وهو ما سيفسح المجال لبروز “ايران بلا عقوبات”، وما يستتبع ذلك من التمهيد لاتفاق إقليمي يهدف الى رسم صورة مغايرة عن تلك التي اعتادت دول الخليج العربية (باستثناء سلطنة عمان) في نظرتها وتعاملها مع الجارة إيران. وكثيرا ما تختلف دول الخليج الست (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان) بشأن الإستراتيجية الإقليمية، إلا أنها جميعها – باستثناء عمان – تساورها شكوك إزاء نوايا إيران في المنطقة. فبالنسبة للبعض، تمثل إيران تهديدا لا يحتمل، وربما وجوديا، هذا في الوقت الذي يزداد الحديث عن فكرة بناء تحالفات بديلة من قبل دول الخليج تحل محل الدور الأميركي المتضائل في المنطقة، وتجسد ذلك بتشكيل تحالف بشأن اليمن، كما تم تنشيط التحالف بين بعض دول الخليج و تركيا فيما يتعلق بسورية.
ونشاهد حاليا زيارات مكوكية بين السعودية وكل من روسيا وفرنسا لمد جسور تحالفات جديدة، فيما يزداد الشعور بان أميركا خذلت حلفائها التقليديين، مثل شاه ايران في 1979 وحسني مبارك في 2011، وهناك اعتقاد سائد بأن أميركا تتخلى عن حلفا~ها عندما تتغير المعادلات الاقليمية، وليس مستبعدا ان يتكرر هذا الأمر مع دول أخرى.
الاتفاق النووي مع إيران – في حال ابرامه – سينتج عنه تخفيف العقوبات، وهذا قد يعني عدم امكانية كبح جماح طهران التي لا تتمتع حاليا بعلاقات حسنة مع الكثير من دول المنطقة، وكانت هذه العلاقات متوترة مع جيرانها العرب من دول الخليج منذ العام 1979.هذه العلاقة التي تثير ريبة وقلق دول الخليج ليست وليد أحداث هذه الفترة وحسب، ولكنها تمتد الى ابعاد سياسية واخرى مذهبية. ولذا فاذا تم التوصل لاتفاق نووي بين طهران والدول الكبرى، فان هناك احتمال لعودة العلاقات الاستراتيجية بين اميركا وايران، وهذا يعتبر كابوسا بالنسبة لعدد غير قليل من دول المنطقة.
دول الخليج حاليا تتأهب لمواجهة مرحلة أخرى مع الجار الإيراني الذي قد يرجع ويلعب دورا مؤثرا على مستوى المنطقة وهو ما لا يحبذه الساسة الخليجيون وقيادات هذه الدول، وفي حال حدث ذلك، فان هناك مناطق نفوذ وساحات ستتحرك فيها مختلف الاطراف الباثة عن تعزيز النفوذ.
لقد أشار تقرير عن وكالة رويترز الى ان “مثار القلق الأكبر هو ما تعتبره هذه الدول توسع إيران الشيعية في المنطقة والذي ترى أن من ظواهره دعم طهران للرئيس بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والفصائل الشيعية في العراق وجماعة الحوثي في اليمن”. مضيفة : ” باتت تصرفات دول الخليج العربية في الشهور الأخيرة نابعة من إحساس بأن إيران على أعتاب عودة”. وقال سامي الفرج المستشار الأمني الكويتي لدول مجلس التعاون الخليجي “سيعلق في الأذهان أن أوباما هو الرئيس الأميركي الذي أعاد العلاقات مع إيران. ولكن سيعلق في الأذهان أيضا أنه الرئيس الأميركي الذي خسر حلفاءه التقليديين في المنطقة.”
وعلى ما يبدو، فان اشادة واشنطن علنا باتخاذ السعودية موقفا أقوى على الساحة الإقليمية واستعدادها لتشكيل تحالفات يأتي ضمن فكرة اميركية تتحدث عن تقاسم السعودية العبء، ولكنه يشير ايضا الى بدء انحسار اهتمام أميركا ونفوذها في المنطقة.
ولو رجعنا الى اللقاء السعودي – الروسي الأخير، فقد وقع البلدان اتفاق تعاون نووي في إطار اتفاقات أبرمتها الرياض مع قوى نووية ضمن خططا لبناء 16 مفاعلا بغرض توليد الكهرباء. و السعودية التي ذكرت مرارا إن ما ستحصل عليه إيران في أي اتفاق يجري التوصل إليه سيكون تماما ما ستستخدمه في برنامجها النووي ألمحت إلى أنه إذا صنعت طهران قنبلة ذرية فلن يمضي وقت طويل قبل أن تحذو حذوها.
هذه الاستعدادات كلها تسبق مرحلة “ايران بلا عقوبات” وهي مرحلة لا يعلم أحد ما ستؤول اليه، لأن المنطقة تعودت على ترتيبات منذ العام 1979 تقوم على عداء اميركي-ايراني يستفيد منه الخليجيون، ولكن اذا انتهى هذا العداء فان الكثير من المعادلات الاقليمية قد تتأثر، وهذا ما يفسر جانبا من الأجواْ المحمومة والمشتعلة حاليا في المنطقة.