
من البداية مدت مصر يدها من أجل إزالة أى توتر أو قلق نتيجة الخلافات حول قضية السد الإثيوبي ، ورغم ذلك أعلنت الدولة المصرية أنها ليست ضد بناء السد، بل ما سوف يلحق الضرر بالشعب المصري، فنحن مع حق إثيوبيا فى التنمية وتوليد الكهرباء وهذا حقها، لكنها لا تحرم مصر من حق تاريخى محدد باتفاقيات قانونية ودولية ملزمة لكل الدول من بداية اتفاق 1902 والذى وقعته انجلترا وقت احتلالها مصر والسودان مع امبراطور إثيوبيا وبمقتضاه لا يتم تشييد أى أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط. تمنع تدفق المياه إلى دولتى المصب «مصر والسودان»، كما جرى توقيع اتفاقية عام 1959 وهى مكملة لاتفاقية عام 1929.وفى عام 1993 وقعت مصر وإثيوبيا اتفاقية تتعلق بعدم إقامة أى مشروعات تؤثر بالسلب على الدولة الأخري، مع التشاور بين البلدين عند إقامة أى مشروعات. وترحب كل دولة بما تقيمه الدولة الأخرى بالمشروعات التنموية بشرط ألا تسبب الأضرار، كان هذا موقف مصر طوال الأعوام المائة الماضية، وبعد أحداث يناير 2011، انتهزت إثيوبيا الفوضى التى حدثت فى مصر، وفى الأسبوع الثالث من شهر فبراير 2011 سارعت إثيوبيا للإعلان عن البدء فى إنشاء السد فى وقت كانت فيه مؤسسات مصر مشغولة بعدم سقوط الدولة، وكان ذلك هدفا رئيسيا لكى تبقى مصر وهى المسئولية الرئيسية للقوات المسلحة، وفى تلك الفترة التى حافظت فيها قواتنا المسلحة على مصر، من المحاولات المستميتة لإسقاطها، فى ظل تلك الفوضي، وضعت إثيوبيا حجر أساس بناء السد فى 2 أبريل 2011، وقتها كان من خططوا لفوضى 2011 ينامون فى خيام التحرير وأمام المؤسسات الكبرى وعقد الجلسات والاتفاقيات لمن يحكم منهم. ولم ينظروا لما قامت به إثيوبيا من إجراء عملى لبناء السد، والذى أصبح واقعا أمام العالم، وما كان ليتم هذا لولا الفوضى التى حدثت فى مصر خلال يناير 2011.
ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي المسئولية عام 2014، كان سد إثيوبيا واقعا ومراحل الانشاء بلغت نحو 35% منه، وبدأ التفاوض للوصول لحل مع إثيوبيا وتم التوافق على توقيع إعلان المبادئ فى العاصمة السودانية الخرطوم فى مارس 2015، وهذا الاتفاق وفر أرضية صلبة لالتزامات وتعهدات تؤدى فى النهاية لاتفاق كامل بين مصر والسودان وإثيوبيا حول اسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله بطريقة لا تؤثر على حياة 150 مليون مواطن مصرى وسوداني، وضمنت المبادئ العشرة لاعلان المبادئ حفظ حقوق مصر المائية والتى تتفق مع مبادئ القانون الدولى التى تنظم استغلال المياه لنهر دولى عابر للحدود بين الدول، ولم يتم المساس إطلاقا باستخدامات مياه النيل والتى تتناولها اتفاقيات دولية قائمة، لكنه اقتصر على قواعد الملء والتشغيل والتعهد بعدم إحداث ضرر لأى دولة، ومع التعنت الإثيوبى طالبت مصر بدخول الولايات المتحدة كطرف رابع وجرت مفاوضات لعدة أشهر فى العاصمة الأمريكية واستمرت حتى فبراير الماضي، وبدون مقدمات لم تشارك إثيوبيا فى الاجتماع المحدد للتوقيع على الاتفاق، مما أثار علامات الاستفهام حول مدى توافر الارادة السياسية لقادة إثيوبيا للتوصل لاتفاق ملزم بعدم الإضرار لحياة المصريين، وجرى التفاوض فى جولات أخرى طوال الأسبوعين الماضيين، ووضح أن إثيوبيا تريد اقتطاع كميات هائلة من حصتى مصر والسودان عندما نكون فى حاجة لهذه المياه فى فترات الجفاف، وهو ما يؤثر على منسوب المياه أمام السد العالى «165م»، وهو الحد الأدنى الذى يمكنه حماية مصر من موجات الجفاف.
وفى حالة استمرار هذا التعنت الإثيوبي، ربما ستكون لمصر خطوات سياسية أخرى بوضع العالم، ا مسئولياته أما التوصل لاتفاق فيجب أن ترعاه الأمم المتحدة حتى يصبح حاكما وملزما على مر الأجيال القادمة، مصر تتمسك بحقها الكامل فى مياه النيل، وأن تكون هناك ثقة ومنافع مشتركة بين الدول وهذا ما حرصت عليه القيادة السياسية فى التعامل مع ملف سد إثيوبيا، فالحقوق والالتزامات واضحة ولا تقبل التنصل منها فى أى زمن.. النيل هو حياة للمصريين.
نقلا عن صحيفة الأهرام