نشرت البوابة الإلكترونية لمجلس النواب نص مشروع قانون رقم 20.04 يتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية. وهو النص الذي صادق عليه المجلس الحكومي بتاريخ 12 مارس الماضي، وأودع بمكتب مجلس النواب يوم الأربعاء 03 يونيو...
نقرأ في المادة الرابعة من مشروع القانون المذكور تفاصيل تتعلق بالمعطيات التي تتضمنها بطاقة التعريف الإلكترونية، حيث تم تغييب الأمازيغية تماما في ما يرتبط بكتابة المعلومات المتعلقة بالاسم العائلي والشخصي ومكان الولادة وعنوان السكنى... على وجهي البطاقة. ونظرا لرمزية ودلالة البطاقة الوطنية باعتبارها وثيقة اعتراف بالمواطنة والانتماء الهوياتي، فإن عدم حضور حرف التيفيناغ على هذه الوثيقة في مرحلة ما بعد دستور 2011، يعد تأكيدا جديدا على أن التعاطي الرسمي مع الأمازيغية لم يتغير أبدا، وأن الترسيم ليس إلا شعارا لدغدغة العواطف بدون محتوى واقعي. ذلك أن مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون من هذا القبيل؛ يثبت أن إرادة تعطيل الأمازيغية هي التي تتحكم في صناعة القرار السياسي والتشريعي، وهي الإرادة نفسها التي أخرجت القانون التنظيمي (التأجيلي) المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بعد طول انتظار استمر لثماني سنوات.
لقد أدمنت مكونات الحركة الأمازيغية خلال السنوات الأخيرة خطاب المظلومية الذي تحكمه العواطف والانفعالات، لذلك اختزل حضورها في بلاغات وبيانات آخر ساعة التي لا تجد في العادة آذانا صاغية في ظل غياب أي تأثير أمازيغي في صناعة القرار... وبالرغم من الزخم الترافعي الذي ميز نضالات الحركة الأمازيغية خلال المرحلة التي سبقت الإفراج عن القانون التنظيمي رقم 26.16، فإن الصيغة النهائية التي تمت المصادقة عليها داخل البرلمان لم تكن في مستوى التطلعات، ولم تأخذ بعين الاعتبار اقتراحات وملاحظات هيئات وجمعيات المجتمع المدني الأمازيغي، وخصوصا في ما يتعلق بالآجال التي حددها القانون لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، حيث تم اعتماد آلية التدرج من خلال ثلاثة آماد زمنية تصل في أقصاها إلى 15 سنة كاملة.
لقد كان واضحا أن البعد الزمني في القانون التنظيمي للأمازيغية من شأنه أن يتحول إلى مسوغ يتم الاستناد إليه لتبرير التأخير الممنهج لتفعيل طابعها الرسمي، لذلك لا ينبغي أن نتفاجأ من قرار تغييب الأمازيغية في بطاقة التعريف الوطنية، لأن الباب التاسع من القانون التنظيمي الذي ينظم آجال "مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبعه"، يحدد( في المادة 31) الحيز الزمني للعمل بأحكام المادة 21 التي تقضي بتحرير البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية (وعلى رأسها بطاقة التعريف الوطنية) باللغتين العربية والأمازيغية في "أجل عشر سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية". وهذا يعني أن هذا التغييب الذي نحن بصدد الحديث عنه يستند إلى مادة قائمة في القانون التنظيمي ستستعمل كمسوغ قانوني للفرملة والتأجيل والتعطيل... وهذا يعني أن المنطق الذي تحكم في رؤية التنزيل هو نفس المنطق الذي سعى إلى "إماتة" الأمازيغية منذ الاستقلال... وهو ما سبق لي أن نبهت إليه في مقال سابق بعنوان: قراءة في مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية.
يدرك الجميع أن انتظار عشر سنوات من أجل كتابة بعض المعطيات الشخصية للمواطنين في وثائق رسمية مثل بطاقة التعريف باللغة الأمازيغية؛ أمر ليس له أي مبرر واقعي أو تقني، خصوصا في ظل حضور حرف تيفيناغ في فضاء الرقمنة الإلكترونية. لذلك فإن مجهودات مكونات الحركة الأمازيغية يجب أن تنصب على رص صفوفها لبناء جبهة وطنية ضاغطة بالمشاركة مع كل القوى الحية التي تؤمن بالديموقراطية من أجل اقتراح آليات وتدابير من شأنها تسريع وتيرة الأجرأة والتفعيل، لا أن تظل وفية لموقفها الدفاعي الذي يخدم إرادة تأبيد النضال المطلبي الأمازيغي، فلقد كان جديرا بالحركة الأمازيغية بعد مرحلة دستور 2011 أن تنتقل من مستوى الانفعال إلى مستوى الفعل والمبادرة... ثم إن على الفعاليات التي اختارت ممارسة الفعل السياسي من داخل الأحزاب القائمة (سواء في الحكومة أو المعارضة) أن تعيد النظر في طبيعة علاقتها بالخط السياسي والإيديولوجي لهذه الأحزاب التي مازالت تنظر إلى الأمازيغية بوصفها مخزونا انتخابيا وليست مشروعا مجتمعيا وإطارا هوياتيا يجمع كل المغاربة... لذلك فإن وصول مشروع القانون المتعلق ببطاقة التعريف الإلكترونية إلى البرلمان قد يتحول إلى مناسبة جديدة للمزايدات الحزبية التي تبدو متصادمة إيديولوجيا في الظاهر، لكنها في العمق تخدم إرادة تعطيل مطلب أجرأة المقتضى الدستوري. وهو ما يعيد إلى الأذهان التجاذبات الحزبية الضيقة داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، التي أبقت القانون التنظيمي للأمازيغية حبيسا في مكاتبها قرابة ثلاث سنوات... ومن تم فإن الرهان على البرلمان (في قراءته لمشروع القانون رقم: 20.04) لتمكين الأمازيغية من حقها في الحصول على بطاقتها الوطنية قد لا يكون ناجحا استنادا إلى تجارب سابقة.
لقد كنت دائما على قناعة بأن النضال الحقيقي للحركة الأمازيغية لم ينته بإقرار النص الدستوري الجديد، فالترسيم (النظري) لم يكن أبدا غاية في حد ذاته، لأن التحدي الحقيقي يرتبط برهان الأجرأة والتفعيل الواقعيين في ظل غياب إرادة سياسية ملتزمة بالمصالحة مع هوية المغاربة. لذلك ينبغي على مكونات الحركة الأمازيغية وكل الهيئات الحقوقية والديموقراطية أن تعي اليوم أن النهوض الفعلي بالأمازيغية يتطلب قرارا سياسيا قبل أن يكون تشريعيا، وبدون نضال سياسي حقيقي سيبقى مطلب تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية قائما لسنوات طويلة تتجاوز الآجال التي حددها قانونها التنظيمي نفسه. لذلك فإن التفكير في تأسيس إطار سياسي يدافع عن الأمازيغية ويرافع من أجلها بات أمرا ضروريا بعدما تأكد أن الرهان على الأحزاب الممثلة داخل البرلمان لم يعد مجديا، ما دامت أغلب هذه الأحزاب تتعاطى مع الأمازيغية بمنطق براغماتي أو إيديولوجي، وتتخذها موضوعا لمزايدات سياسية حول الوطنية والهوية والانتماء.