عندما يتم الحديث عن التعليم الخصوصي، تتحول المدارس في مختلف المستويات التعليمية إلى مؤسسات للإنتاج الاقتصادي المدر للربح، بحيث تتحول جودة منتجاتها إلى أحد ركائز التسويق (Marketing) في هذا المجال، ليكون سعره مرتبطا بقوة درجات استيعاب التلاميذ وتقوية قدراتهم التحليلية ودرجة سمو ذكائهم، وحجم تراكماتهم اليومية، وإعدادهم نفسيا ومعرفيا لبناء مستقبلهم.
لقد توقفت المؤسسات التعليمية زمن الكورونا عن العمل نهائيا وأغلقت أبوابها، لتختزل العملية التعليمية في رمتها في مجهودي الأسر ورجال التعليم. إنه اختزال تحول، بفعل المسؤولية التربوية للأسرة، إلى عبء ثقيل تحملته كواهل الآباء والأمهات، المضطرين إنسانيا لمواكبة أبنائهم وبناتهم في العمليات التكوينية على مدار الدقيقة. لقد لاحظ أولياء التلاميذ نوع من اليسر في الإدراك عند التلاميذ في بعض المواد كالعربية (القريبة من لغة الأم)، ونسبيا في المواد العلمية، لتتعسر كثيرا في اللغات الأجنبية نظرا لما تتطلبه عملية التلقين من مجهود في بناء المفاهيم وتوظيفها. لقد تابعنا كيف تم استغلال واجب تربية الطفل على "الحساسية الصوتية" وتحويل هذا الهاجس إلى ذريعة لاعتماد السرد اللغوي السريع، والذي امتد حتى للمستويات الدراسية التي تتطلب نوع من الفطنة والتروي في التعامل مع فلذة أكباد المغاربة. إنها المستويات التي لا زال التلميذ المعني بها في حاجة ملحة للتجسيد والبناء قصد ترسيخ المصطلحات والمفاهيم وإدراكها واستعمالها في تعبيراته الشفاهية والكتابية.
لقد استمرت نسبيا عملية التعلم عن بعد عبر الواتساب أو تطبيق مجاني آخر، باعتماد الحديث المنفرد والأداء الفردي (بدون تفاعل التلاميذ)، لتتقلص مدة التلقين اليومي إلى 4 ساعات فقط (ساعتين في الفترة الصباحية وساعتين في الفترة المسائية). لقد اتضح بالواضح تخلي الدولة والمؤسسات التعليمية الخاصة عن الأسر وتحميلهم أعباء ثقيلة، انضافت إلى معاناتهم المتراكمة جراء تبعات الكورونا وويلاتها. لقد انشغل الآباء والأمهات بكامل المسؤولية بالسير العادي لعمليات تعليم أبنائهم، ساهرين بحرص شديد على إعادة تركيب وبناء الدروس والمفاهيم من جديد، وحريصين على تحويلها إلى رأسمال معرفي في أذهان أبنائهم وبناتهم.
بكل صراحة، الفائدة في التعليم عن بعد لم تتجاوز وعي الآباء والأمهات بضعف المدارك بعد انتهاء كل حصة تكوينية، ليضطروا إلى البحث عن الكشف عن المستلزمات المنهجية للتكفل بأبنائهم على الوجه الصحيح.
والحالة هاته، لا يمكن تصنيف مطالب أحقية أرباب المؤسسات في الواجبات المادية كاملة، كسعر يجسد قيمة المنتوج التكويني، إلا في خانة اللاموضوعية أو الابتزاز. فالوسائل المادية والمعنوية المستعملة في التعليم عن بعد هي مجرد وسائل شخصية تحملها المعلم وأسرة المتعلم (الهواتف النقالة الإلكترونية والحواسيب المحمولة والثابتة والانخراط في شبكات الأنترنيت...). إنها الوسائل التي أصبحت حيوية بفضل الشركات الكبرى متعددة الجنسيات والعابرة للقارات التي تبرعت على الجميع مجانا بالتطبيقات المعلوماتية الذكية كالواتساب والزوم وغيرها. إنه تعبير واضح عن ضعف الاستثمار في التعليم الخصوصي، ليبقى اللجوء إليه، وهو في هذه الحالة الفاقدة لعوامل الجاذبية المطلوبة، ما هو إلا تعبير عن رفض الأسرة لما تعيشه المدرسة العمومية من مشاكل عويصة وعلى رأسها الاكتظاظ، وضعف الوسائل.
فما تعيشه البلاد من صراع ما بين ممثلي آباء وأولياء التلاميذ وأصحاب المدارس الخصوصية، لا يمكن أن ينم إلا عن الضعف الوزاري في تدبيره لفترة الجائحة، الشيء الذي تمخض عنه اتهام أصحاب الرأسمال في هذا المجال بالجشع هنا وهناك.
التشخيص الحصيف للوضعية يؤكد أن العبء الثقيل في مرحلة الحجر الصحي تحملته الأسرة سواء من خلال استثمارها اليومي، المادي والزمني في مواكبة العملية التعليمية أو من باب تأثرها بما تبذله غالبية رجال ونساء التعليم من جهد شخصي بوسائل ذاتية من أجل إتمام المقرر، ليكون بكل موضوعية مجهود أرباب المؤسسات التعليمية والدولة في هذا المجال يوازي الصفر، ولا يمت بصلة بقيمة العمليات التعلمية ومضمونها، ودرجات استيعابها بالنسبة لأبنائنا. إنه منتوج صنعه آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بمشاركة أساتذتهم.
في هذه النازلة، على كل الأطراف تحمل مسؤوليتهم الكاملة خاصة تمثيليات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ لما تتحمله من مسؤولية جسيمة وأمانة الوفاء للثقة التي منحها إياهم أولياء أمور التلاميذ.