الإعلام الجماهيري وخطورته في تفييء الرأي العام

أحد, 06/07/2020 - 10:50

*حوالي أكثر من 3 مليارات شخص يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي أي ما يعادل 40٪ من سكان العالم، وبمعدل ساعتين في اليوم، كما تشير إحصائيات حديثة إلى حصول نصف مليون تغريدة وصورة كل دقيقة من خلال برنامج سناب شات.

في دراسات العلوم السياسية، والسوسيواقتصادية بشكل حصري، نبحث عن شيء اسمه "المنطق السياسي" Political logic فلا نعثر على أرض الواقع ولو في الخفاء؛ سوى على المصالح المتبادلة؛ ومعايرتها بأدوات فعالة، كالنفوذ وسلطة المال، وقد لا يعدو أن يكون المنطق السياسي من هذا المنظور تفاعل مجموعة من المتغيرات على قاعدة انتقائية تروم البقاء للأقوى، يتداخل فيها الخاص بالعام ولو بدرجات متفاوتة.

بالأمس كان الرأي العام يتشكل عبر مؤسسات فاعلة؛ كالإعلام في صوره التقليدية؛ من مجتمع ووسائل ثقافية عامة بما فيها الكتاب والسينما والأسرة والمؤسسات التربوية والدينية والنوادي.. لكن وفي ضوء الثورة التكنولوجية التي غزت وهيمنت على كل مناحي الحياة؛ تزعمت وسائط التواصل الاجتماعي؛ أو الإعلام الجماهيري Popular Media هذه المهمة، وأصبحت ذات أدوار استراتيجية خطيرة في صنع المواد الإعلامية ونشرها بين الجمهور المتواصل (Communicated Audience) على أوسع نطاق، ويمكن النظر إلى أوجه خطورتها بمستويات عديدة؛ إن على المستوى البشري "الهوية الثقافية"، أو على مستوى (المعلومة الإعلامية)، فعلى المستوى الأول يلاحظ وجود الصورة كعامل تقاطع بين كل المتدخلين، أو بالأحرى بين كل المستهلكين للمواد الإعلامية الشعبية؛ متعلمين كانوا أو أميين أو مختلقين أو لفًّاقين متاجرين أو نصابين.. أما على مستوى (المعلومة) فثمة قضية كبرى استأسدت باهتمام الأفراد والجماعات، وتؤكد الملاحظة الأمبريقية (المعاينة العلمية المنتظمة) أن نصيب مصداقيتها يزداد ضعفا تبعا للنضج الثقافي لدى الشعوب والجماهير، فكلما كان هشا غارقا في الخرافة والظلامية والتقليد الأعمى أو القدوة السيئة، كلما تحولت المعلومة إلى إشاعة وكذب ودجل.. وصدام بالواقع، وهو ما يترك تداعيات خطيرة على الرأي العام، يتمظهر بمظاهر مغلوطة موغلة في ثقافة النصب والاحتيال وترسيخ اتجاهات سلوكية عدوانية.

استهلاك الإشاعة والتلفيق

هناك أسلحة عديدة تستعملها عدة أطراف تمتد من الفرد والجماعة إلى المؤسسات، بغرض التستر على الحقيقة وتزييفها أو ضد اتجاه أو تيار معين، لتحويل أنظار الرأي العام وتأليبه ضد مؤسسات اقتصادية معينة، وكانت إلى عهد قريب تجند لها أبواق إعلامية مأجورة في شكل تصريحات وبيانات لا أساس لها من الصدقية، أو إطلاق قنابل إشاعة بالمنتديات لتتلقفها وسائل التواصل الاجتماعي، فتعمل في الحين على بث سمومها بالوجدان الشعبي.

وقد يصبح أمرا مستعصيا التمييز بين الإشاعة Rumor والتلفيق Fabrication في صناعة الأكاذيب وتلفيقها، كما يلاحظ في العديد من المجتمعات المنغلقة والمتخلفة مدى المكانة التي تحظى بها الإشاعة في ثقافاتها وتشكل الرأي لديها؛ كإدمان البهتان والخوارق فتقبل عليها بشكل محموم، إلى درجة وجود مرتزقة داخلها يعتاشون على تلفيق الأكاذيب وتحريض الجماهير ضد شخص أو مؤسسة اقتصادية أو حكومية معينة؛ مستقلين بأسماء مستعارة وينشرون موادهم في مجالات تتنوع بين الديني الوعظي والأدبي والإيحائي التهكمي والسياسي المخادع... والسحري الخرافي... ولا يتورعون؛ بين آونة وأخرى؛ عن تحيينها تحت تعليقات رواد متواصلين ومعجبين. فكم من شخص لقي حتفه أو مؤسسة أفلست تحت نيران الإشاعة والأكاذيب.

الخطر الأزرق آت.. آت..!

لوحظ بشكل لافت في غضون ثلاث سنوات الأخيرة تعاظم الأدوار الخطيرة التي باتت تتصدرها مواقع التواصل الاجتماعي داخل المجتمعات، فأصبحت الدول والحكومات قبل وبعد إقدامها على أي قرار؛ تحسب ألف حساب في ما سيترتب عنها من ردود أفعال ومواقف، فكم من قرار ألغي تحت نيران قصف هذه المواقع والمنصات، وتأجيج حركات المعارضة، بلغت حدا في حملاتها إلى درجة دفعت بالعديد من الحكومات إلى البحث عن أنجع الطرق والوسائل لخنق أصواتها ولو بتقنينها وبسط السيطرة عليها، علما أن تكنولوجيا التجسس Spying Technology بلغت مستوى من الذكاء الاصطناعي حتى أصبح بإمكانها رصد المكالمات والمواد التي تعبر الهواتف والحواسيب، وبالتالي صار ميسورا وفي متناول السلطات الحكومية تعقب أصحاب السلع والمواد الإعلامية التي "تمس" بها أو تسيء إلى جهة معينة؛ صورة كانت أو شريط فيديو أو نشرا أو تعليقا.. بل إن هناك حكومات اضطرت؛ تحت القصف العشوائي لهذه المنصات في التواصل الاجتماعي؛ إلى إيقاف الشبكات العنكبوتية أو التخفيض من قدرة صبيبها لثني مستهلكيها عن "الإقلاع" عن "مؤامراتهم"، علاوة على تجنيد كتائب زرقاء منبثة داخل شبكات التواصل لصد خطاب المعارضة والتحريض بالتشكيك في مصدره أو تفنيده باللجوء إلى الإشاعة المضادة ومبادلة التحريض بالتحريض.

الفيديو

تابعونا على الفيس