الحلول الاستثنائية لتأجيل الانتخابات

جمعة, 06/05/2020 - 12:48

إثر جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) هبت عاصفة مالية واقتصادية على كثير من دول العالم، ولم تصمد أمامها حتى الدول العظمى في بعض النواحي، إذ أصيبت في أسس اقتصادها بعطب كبير وعميق. وقد أثرت أيضا هذه الأزمة الصحية على الاقتصاد المغربي.

سيعرف المغرب ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة سنتي 2021 و2022: قوانين مالية متقشفة وتراجع في الادخار بسبب نقص في العملة الصعبة وقلة الموارد المتاحة عن الضرائب والرسوم، والرسوم الجمركية وانخفاض معدل النمو، وتراجع في الصادرات والواردات، ونقص حاد في مداخل القطاع السياحي، وإفلاس عدد من المقاولات، وغيرها من الآثار السلبية التي ترتبت عن الأزمة.

الحكومة المغربية اتخذت مجموعة من التدابير لمواجهة الأزمة خلال الثلاثة الأشهر المنصرمة، لكن تبقى أمامها تحديات كبرى خلال الفترات القادمة لإصلاح الأعطاب والاختلالات الاقتصادية، ما يستدعي وضع مخطط إستراتيجي لمواجهة انعكاسات الأزمة بناء على دراسات وتحاليل اقتصادية ومالية، قد تعدها الجهات المختصة.

وتبعا لذلك، سيكون البعد الاقتصادي محل اهتمام كبير وذا أولوية من قبل الدولة أكثر من الشأن السياسي خلال السنوات القادمة، على الأقل خلال ما تبقى من سنة 2020 وخلال سنتي 2021 و2022، لأنه لا يمكن أن يكون الوضع السياسي مستقرا في أي بلد ما لم يكن الوضع الاقتصادي جيدا ومريحا. ولن تكون الانتخابات ذات مغزى ديمقراطي لدى المواطن ما لم تكن هناك تنمية ورفاه اقتصادي.

وإذا كانت جائحة كورونا غيرت الحياة والاقتصاد في العالم فإنها ستكون لا ريب سببا في إعادة رسم مستقبل الحياة السياسة بالمغرب. والقانون كغيره لن يكون بمنأى عن المستجدات التي تطرأ بسبب الجائحة، وبالتالي هل يمكن الحديث إذن عن مفهوم جديد في المادة الدستورية يتعلق بـ"الظروف الخاصة" لتبرير قرار تأجيل الانتخابات التشريعية؟ وهل هناك مجال للاجتهاد خارج الدستور في ما يتعلق بتعيين حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات؟ أم أن النصوص الصريحة للدستور تمنع ذلك؟.

أولا : تأجيل الانتخابات التشريعية

جرت الانتخابات التشريعية الأخيرة يوم 7 أكتوبر سنة 2016، وبناء على الفصل الفصـل62 من الدستور ينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس. وهذا يفيد بأن الانتخابات التشريعية ينبغي إجراؤها قبل دورة أكتوبر سنة 2021، أي إنه يتوقع عادة تنظيمها شهر شتنبر 2021، حتى يسمح افتتاح أول دورة برلمانية شهر أكتوبر لمجلس نواب جديد من قبل جلالة الملك.

وفي نظرنا، هناك مجموعة من العوامل والأسباب ترجح تأجيل الانتخابات التشريعية المقررة تنظيمها سنة 2021 إلى تاريخ لا حق. ويمكن بسط ذلك في ما يلي:

1 ) من الناحية الواقعية والموضوعية :

أ - أزمة كورونا ألحقت أضرارا اقتصادية كبيرة بكثير من القطاعات والفئات الاجتماعية، ويتطلب ذلك على الأقل سنة بعد رفع الحجر الصحي لكي تتعافى، على أساس أن تتخذ الحكومة التدابير اللازمة للتخفيف من هذه الأضرار.

ولذلك فإنه خلال سنة 2021 سيكون اهتمام المواطن بالشأن السياسي والانتخابي ضعيفا، ما قد يولد ظاهرة العزوف السياسي وضعف المشاركة في الانتخابات؛ وقد أتوقع أن تكون نسبتها أقل بكثير من استحقاقات سنة 2016.

ب – تنظيم الانتخابات غالبا ما تسبقه إجراءات تحضيرية، مثل إعادة النظر في القوانين الانتخابية، والتمويل العمومي للأحزاب وللحملات الانتخابية، ومراجعة اللوائح الانتخابية والتسجيل فيها، والتوافق على نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي ونظام الكوطا، وغيرها من الأمور التي تقتضي اجتماعات مكثفة بين الحكومة والأحزاب السياسية، وأيضا اللجنة البرلمانية المختصة بمجلسي البرلمان والمستشارين. هذا مع العلم أن الوقت الذي يفصلنا عن الانتخابات القادمة لا يتجاوز سنة إذا استثنينا فترة الصيف.

ولذلك لن يكون الوقت سانحا بما فيه الكفاية للإعداد لانتخابات 2021 بالشكل الديمقراطي التي تريده الدولة والأحزاب والمواطن، لأن أي عمل ارتجالي في تنظيم الانتخابات قد يتيح الفرصة للجهات المعارضة داخل وخارج المغرب للتشكيك في مصداقيتها.

ج - الدولة ستواجه إكراها ماليا على مستوى ميزانية الدولة في تمويل الأحزاب وحملاتها الانتخابية، حيث يتطلب ذلك ميزانية مهمة ينبغي صرفها لفائدة الأحزاب، في وقت الحكومة مقبلة على مشروع قانون للمالية تعديلي، لأن قانون المالية الحالي لسنة 2020 ينبغي إعادة النظر فيه، نظرا لتوفره على أرقام سواء في ما يتعلق بالنفقات أو الإيرادات لم تعد صالحة، وينبغي تعديلها وفق المعطيات الاقتصادية الحالية المترتبة عن الجائحة. كما أن الحكومة سبق لها في شهر أبريل أن طالبت الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية بنهج سياسة التقشف في ما يخص النفقات، وتوقيف عدد من الصفقات العمومية غير الضرورية.

ثم إن عددا كبيرا من المواطنين قد يتساءلون: كيف أن المغرب يواجه أزمة اقتصادية وفي نفس الوقت ينفق أموالا مهمة على الحملات الانتخابية، التي قد يمكن الاستغناء عنها بصفة مؤقتة.

2 ) من الناحية الدستورية

أ – القاعدة القانونية ومبدأ الاستثناء الوارد عليها :

بالرجوع إلى الدستور المغربي، فقد حدد في فصله 62 مدة ولاية مجلس النواب في خمس سنوات، وتبعا لذلك عندما تنتهي عضوية النواب البرلمانيين عند افتتاح دورة أكتوبر 2021 يتوجب إجراء انتخابات تشريعية جديدة. فهل يمكن تجاوز هذا النص الدستوري؟.

إن مقتضيات المصالح العليا للبلاد قد تفرض في بعض الأحيان تجاوز بعض النصوص والمواعيد الدستورية والقانونية، باعتبار أن حماية النظام العام والصحة العامة للمواطنين هي مصالح عليا جديرة بالحماية في مواجهة الأزمة الصحية، باعتبارها كارثة إنسانية عالمية قد تؤدي، في حالة عدم التصدي لها بحزم، إلى خسائر في الأرواح والأموال، هذا مع العلم أن الوباء مازال منتشرا وليست هناك مؤشرات علمية للقضاء عليه، وحتى إن تم رفع الحجر الصحي، تدريجيا أو كليا، تبقى التدابير الاحترازية لمواجهته واجبة وتأهب السلطات العمومية والمحلية ينبغي أن يبقى قائما.

وقد أدت التدابير الاستثنائية إلى تأجيل إجراء الانتخابات في كثير من الدول. فعلى سبيل المثال، أجلت الانتخابات الوطنية ببريطانيا، التي كانت مقررة في 7 مايو المنصرم، لمدة عام. وفي تشيلي، أجل الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي كان مقررا في 26 أبريل لمدة 6 أشهر. وفي إيران، أجلت الدورة الثانية لانتخاب مجلس الشورى، التي كانت مقررة في 17 أبريل، إلى 11 سبتمبر المقبل. وفي فرنسا، أجلت الدورة الثانية للانتخابات البلدية، التي كانت مقررة في 22 أبريل، إلى 21 يونيو المقبل. وفي إثيوبيا أعلنت مفوضية الانتخابات تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان مقررا لها شهر غشت القادم بسبب مواجهة فيروس كورونا. وهناك دول أخرى حاليا بصدد مناقشة قرار تأجيل الانتخابات البرلمانية والبلدية.

وعلى سبيل الإشارة في هذا السياق نذكر سابقة بالمغرب، وهي أن انتخابات 1983 كان من المقرر أن تنتهي ولايتها سنة 1989، إلا أنه تم تمديدها بسنتين، أي إلى غاية 1992 لأسباب ترتبط بما كان مطروحا آنذاك حول الاستفتاء في الصحراء المغربية.

وفي هذا الإطار، نستعرض بعض الأمثلة لمبدأ الاستثناء الذي يرد على القاعدة القانونية :

فقد أجاز المجلس الدستوري الجزائري في قرار صادر بتاريخ 1 يونيو 2019 إثر قضية تتعلق بالانتخابات الرئاسية "تجاوز أحكام الدستور استنادا لظروف خاصة"، حيث برر المجلس الدستوري قراره بأن "التمسك بالأحكام الدستورية على حرفيتها سيؤدي إلى تهديد الوحدة الوطنية والإخلال بالنظام العام".

وهناك مثال آخر يتعلق بدولة بوليفيا، حيث كانت تنوي الحكومة إجراء الانتخابات الرئاسية يوم 3 ماي 2020، غير أن المحكمة العليا الانتخابية تصدت لها بموجب قرار لها بتاريخ 21 مارس 2020 لتأجيل هذه الانتخابات، استنادا إلى ظروف خاصة واستثنائية تتهدد صحة الأمن الصحي العام، وتقرر قطع الحملة الانتخابية وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى تاريخ لاحق. هذا مع العلم أن عدد المصابين بفيروس كورونا في بوليفيا غير كبير.

وأيضا فإن الظروف الخاصة التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية فرضت على كثير من حكام الولايات الأمريكية إقرار تدابير الحجر الصحي، وبالتالي تم تأجيل الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية لاختيار ممثل الحزب الديمقراطي في كثير من الولايات، على رأسها ولاية نيويورك وولاية أوهايو، كما جرت عليه الأعراف الدستورية الأمريكية، والتي ينبغي أن يتم إجراء آخرها في شهر يونيو 2020.

ب - "الظروف الاستثنائية" و"الظروف الخاصة":

تعتمد أجهزة الدولة على قوانين تنفذها في الظروف العادية، كما تسن تشريعات تكون مطابقة للدستور باعتباره القانون الأسمى للبلاد، وأي مخالفة له تعرض هذه التشريعات للإلغاء بمقتضى قرار المجلس أو المحكمة الدستورية أو الهيئة المخول لها صلاحية مراقبة دستورية القوانين، عندما تعرض عليها إما اختياريا أو إلزاميا.

غير أنه قد تحدث ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع كحالة الطوارئ أو حالة الحرب أو وجود أزمات صحية حادة أو غيرها، فتلجأ السلطات التنفيذية المختصة لمواجهتها بتدابير استثنائية، كما هو الشأن بالنسبة لقانون الطوارئ الصحية.

وتستمد نظرية "الظروف الاستثنائية" مدلولها من القاعدة الرومانية التي تقول إن "سلامة الشعب فوق القانون"؛ وقد كرسها قضاء مجلس الدولة الفرنسي، ومن مقتضاها أن بعض الإجراءات الإدارية التي تعتبر غير مشروعة في الأوقات العادية يمكن اعتبارها إجراءات مشروعة في بعض الظروف، إذا كانت ضرورية لحماية النظام العام أو استمرار سير المرافق العامة. ولعل أول حكم لمجلس الدولة الفرنسي في هذا الشأن هو حكمه المعروف باسم حكم Heyriesالصادر بتاريخ 28 يونيو 1918، والذي يعتبر إعلانا بمولد النظرية قضائيا في فرنسا والبداية الحقيقية كما يرى البعض لظهور نظرية الضرورة في القضاء الفرنسي.

وقد طور القضاء الدستوري الفرنسي نظرية جديدة وهي نظرية "الظروف الخاصة" مختلفة عن نظرية "الظروف الاستثنائية" التي تطبق في حالة الحرب أو العصيان المدني أو الزلازل على سبيل المثال، وتستدعي اتخاذ قرارات وإجراءات ضبطية من قبل السلطات الإدارية قد تكون مخالفة للقانون.

ويقصد بنظرية "الظروف الخاصة" في القانون الدستوري الظروف التي تبرر للمؤسسات الدستورية في الدولة خرق الدستور تحقيقا للصالح العام خارج حالات الظروف الاستثنائية التي تتطلب إجراءات شكلية بعينها.

وأول ما ظهرت هذه النظرية ظهرت في مجال البت في النزاعات الانتخابية، وبعد ذلك طبقت أيضا في مجال مراقبة دستورية القوانين بموجب المادة 61 من الدستور الفرنسي.

وفي هذا الإطار، أسس القاضي الدستوري الفرنسي اجتهادا مفاده أن "الظروف الخاصة" تبرر الإخلال بالالتزامات الناشئة عن قانون الانتخابات، وبالتالي لا يوجد سبب لقبول الإحالة إليه. وكان أول قرار له في هذا الباب يرجع إلى سنة 1959، إذ اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي، إثر نزاع انتخابي عرض عليه، أن "الظروف الخاصة للانتخابات في الجزائر من شأنها تبرير التشكيل غير القانوني لمكاتب التصويت المخصصة للناخبين"؛ ونفس الأمر كرسه في نازلة سنة 1969 وأخرى سنة 2007. فبمقتضى الظروف الخاصة يمكن تجاوز القانون.

كما امتدت نظرية "الظروف الخاصة" إلى مراجعة دستورية القوانين وفق المادة 61 من الدستور الفرنسي. وفي هذا السياق، يرى القاضي الدستوري أن "الظروف الخاصة تبرر الإخلال بالالتزامات الدستورية، وبالتالي، ينبغي التصريح بمطابقة القانون للدستور". ونستشهد هنا بأربعة قرارات تكرس نظرية "الظروف الخاصة".. الأول هو القرار رقم 88-248 المؤرخ 17 يناير 1989، والثاني هو القرار رقم 99-425 دس المؤرخ 29 ديسمبر 1999، والثالث هو القرار رقم 99-423 دس المؤرخ 13 يناير 2000، والرابع هو القرار رقم 756- 2017 الصادر بتاريخ 21 ديسمبر2017.

وخلال الأزمة الصحية الحالية، كرس المجلس الدستوري الفرنسي من جديد نظرية "الظروف الخاصة" في قرار له بتاريخ 26 مارس 2020.

فمن أجل تطبيق تدابير الحجر الصحي، تقدمت الحكومة الفرنسية بمشروع قانون تنظيمي أمام البرلمان يتعلق بحالة الطوارئ الصحية. غير أن ما أقدمت عليه الحكومة بخصوص إجراءات إيداع مشروع القانون كانت تعتريها مخالفات صريحة للدستور، حيث تقضي المادة 46 من الدستور الفرنسي بأنه لا يمكن النظر في مشاريع القوانين المعروضة من طرف الغرفة الأولى إلا بعد انقضاء 15 يوما من تاريخ إيداعها لدى كتابة المجلس؛ غير أن إجراءات تبني القانون التنظيمي لم تراع فيه الآجال الدستورية، وتم التصويت عليه مباشرة بعد يوم من إيداعه لدى مكتب الجمعية الوطنية ( الغرفة الأولى للبرلمان )، وهو ما يخالف صراحة نص المادة 46 من الدستور.

لكن المجلس الدستوري، بعدما أحيل عليه القانون للتحقق من مطابقته للدستور، أصدر قراره رقم 2020/799 بتاريخ 26 مارس 2020، قرر بمقتضاه دستورية القانون التنظيمي، واعتبر أن "التصدي لانتشار الوباء الذي يتهدد صحة المواطنين الفرنسيين يقتضي تبني القانون في أقصر الآجال، وبأن وجود ظروف خاصة يتعين التصدي لها عاجلا تجعل من غير الممكن الحديث عن خرق دستوري".

ونلاحظ في هذا الخصوص، أن هناك خيطا رابطا بين نظرية "الظروف الخاصة للقضية" التي أشار إليها المجلس الدستوري الفرنسي في قراره الصادر في 26 مارس 2020 مع "نظرية الظروف الاستثنائية" التي أسسها مجلس الدولة الفرنسي، إنها بالتحديد استثنائية الظروف، أي الطبيعة الشاذة والخطيرة للحالة الوبائية الناتجة عن جائحة فيروس كوفيد 19، التي تجيز خرق الدستور.

ثانيا : تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات التشريعية

رأينا خلال جائحة فيروس كورونا المستجد كيف أن مواد دستورية ونصوصا تشريعية في دول مختلفة عبر العالم تتعلق بآجال انتخابية، تم تجاوزها وخرقها بحجة حماية الأمن الصحي العام الذي يهدده الوباء.

وإذا كان نفس الأمر يمكن تطبيقه في المغرب في ما يخص تأجيل الانتخابات التشريعية، فهل يمكن الاجتهاد خارج نطاق الدستور في ما يتعلق بتعيين حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات التشريعية المقررة تنظيمها قبل شهر أكتوبر 2021؟.

بالرجوع إلى الفصـل 47 من الدستور فإنه ينص على أن "الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها ".

لكن في الحالة التي نحن بصددها، هناك ترجيح لتأجيل الانتخابات التشريعية، وأن الحكومة الحالية ستنتهي ولايتها شهر أكتوبر 2021، ما يطرح بقوة فرضية تعيين حكومة جديدة.

هنا سنكون أمام أمرين :

- إما الانتظار حتى تنتهي ولاية الحكومة الحالية شهر أكتوبر 2021، وبعد ذلك يتم تعيين حكومة جديدة لتدبير مرحلة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات باللجوء إلى الفصل 47 من الدستور.

- وإما تعيين حكومة جديدة خلال الأشهر القادمة بعد إعفاء الحكومة الحالية بناء على تقديم رئيس الحكومة استقالته أو من خلال إمكانية إسقاطها بملتمس رقابة أو لجوء الملك إلى الفصـل 42 من الدستور باعتباره الممثل الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها. في هذه الحالة، يتم استبدال تطبيق الفصل 47 بالفصل 42 من الدستور، لأن القواعد الدستورية كلها في مرتبة واحدة من حيث القيمة القانونية، ولأن الظروف الخاصة التي تمر منها البلاد تستدعي عدم التقيد الحرفي بنصوص الدستور وأحيانا تجاوزها لتحقيق المصالح العليا للبلاد. لأن الغاية من وضع الدستور وتطبيق أحكامه هو تنظيم السلطات والعلاقات في ما بينها تحقيقا للاستقرار وخدمة للصالح العام. وإذا كانت الغاية من قرارات رئيس الدولة هي تحقيق الصالح العام، دون أن تكون من وراء ذلك نية للاستبداد أو الإجهاز على الحقوق والحريات، فإن قراراته تبقى مشروعة حتى ولو ضيقت من تطبيق أحكام الدستور.

ثم تثار مسألة أخرى حول شكل الحكومة. هل ستكون حكومة تكنوقراطية أم حكومة سياسية منبثقة عن الأحزاب، أو كما سماها البعض حكومة ائتلاف وطني؟.

في حالة ما إذا تقرر تأجيل الانتخابات التشريعية فإن الحكومة السياسية لن يكون لها سند شعبي إثر الانتخاب المؤجل أو سند دستوري وفقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، لأنه في هذه الحالة قد يتم تجاوز تطبيق هذا الفصل الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز الأول في الانتخابات، وبالتالي يقوم هذا الأخير باقتراح تعيين باقي الوزراء من الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي بعد المشاورات التي يجريها مع الأحزاب في هذا الصدد. ويمكن تفسير ذلك في ما يلي :

في الحالات العادية، يكون جلالة الملك مقيدا بتطبيق الفصل 47 من الدستور احتراما للمشروعية الدستورية، خاصة أن النص صريح لا يقبل لا تأويلا ولا اجتهادا، خصوصا عندما تجرى الانتخابات داخل آجالها ويفرز الحزب الأول الفائز فيها.

لكن في الظروف الخاصة، التي نحن بصدد دراستها، والتي فرضتها الحالة الوبائية بالمغرب، ما يستوجب اتخاذ تدابير استثنائية قد ترجح تأجيل الانتخابات، فإن الملك يمكن له اللجوء إلى الفصل 42 بصفته الممثل الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها؛ وفي هذه الحالة، يجوز له تعيين شخصية تكنوقراطية رئيسا للحكومة، وذلك خلال مدة لا تتجاوز سنتين، إلى حين إجراءات انتخابات تشريعية جديدة.

رئيس الحكومة الجديد له ثلاثة خيارات:

- يمكنه أن يقترح على الملك جميع أعضاء الحكومة من التكنوقراط.

- أو أن يقترح جميع الأعضاء من الأحزاب السياسية.

- أو أن يقترح حكومة مختلطة نصفها تكنوقراط والنصف الثاني من الأحزاب.

على أساس أن يتم اختيار الوزراء من الكفاءات من مختلف المشارب العلمية والفنية والمهنية القادرة على إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية. كما يمكن للملك تعيين رئيس الحكومة وباقي أعضائها مباشرة، مادام الأمر لا يتعلق بتطبيق الفصل 47 من الدستور.

ويترتب عن تأجيل الانتخابات تمديد ولاية البرلمان سنة أو سنتين حسب الظروف السياسية والاقتصادية للبلاد. فالبرلمان الحالي هو الذي سيناقش ويصادق على برنامج الحكومة الجديدة؛ ويمكن تسميتها "حكومة الطوارئ "، مدتها قصيرة لكن مهامها ستكون جسيمة بالنظر للأهداف والسياسات التي ستضعها الدولة وفق مخطط إستراتيجي لمدة لا تتجاوز السنتين، وذلك للشروع في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لإخراج البلاد من الأزمة.

*أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية

الفيديو

تابعونا على الفيس