محطة الانتظار

أربعاء, 06/03/2020 - 12:03

يقف رئيس المحطة، وحيدا، متهالكا. يجيل النظر في المحطة المعزولة. يتأمل. يتحسر. سكة حديدية صدئة. أسلاك كهربائية متآكلة. رصيف خال. مقاعد خشبية باهتة. ينظر إلى ساعته اليدوية. يرنو إلى الساعة الحائطية. يخطو خطوات بطيئة، يقترب من الباب. يتوقف. يعود إلى مكانه. يحسب خيوط الشمس. ينتظر. ينتظر قطارات لا تأتي. يشيع قطارات لا تتوقف. يتعب. يتعرق. يحتمي بظل المحطة. يحيي كلبا هرما، بضع قطط. يمسح دراجته الهوائية.

يسرح بصره نحو اللامكان. خلاء. فراغ. هضبة صخرية. آفاق غائمة. مشهد جامد. أشجار بدون ظلال، بدون ثمار. طيور تحلق بعيدا. تتعب. تغيب في الأفق الغائم. لا تعود. ينتظر. لا تعود. تضيع نظراته في الوادي العميق. يشيع أشباحا تتراقص. تتلاشى في السراب. لا تعود. ينتظر. يطول الانتظار. يدخل المحطة. يفحص آلة التلغراف. ينقر. ينقر. ينتظر. يتهالك على أريكة خشبية. قديمة. يتناول إبريقا. يصب شايا. يشعل سيجارة. ينفث الدخان. يدخل الكلب. تدخل القطط. تضيق الأريكة بالأجساد. يعم الدفء. ينام الجميع.

يصيخ الكلب السمع. يفتح عينيه. ينطلق في نباح مزعج. يقفز الرئيس واقفا. تهب القطط مذعورة. يخرج من المحطة. يوجه نظره نحو أعلى الهضبة. يسمع أصواتا. تتبين الأصوات تدريجيا. تعلو. تقترب. أصوات طبول، زغاريد، أهازيج. يرفع بصره. يتراءى له المشهد. موكب بشري في أعلى الهضبة. نساء، أطفال، عجائز، شيوخ، شباب، رايات. جوقة من العازفين. يتقدمهم القايد. محاطا بالقوات والأعوان. خلفه العمدة والأعيان والأتباع. يلهث الكلب. تموء القطط. يعجز الرئيس عن الفهم. ينتظر.

يصل الموكب. تنتظم الصفوف. يسير القائد العازفين، يلهب الحماس. تعلو الأناشيد. يتساءل الرئيس. تتناسل الأجوبة. يفهم الرئيس. يفرح. ينشد. يحرك الكلب ذيله. يتوقف الغناء. يسمع صوت القطار. ينظر الموكب صوب الصوت. دخان متصاعد. القطار قادم. يرتفع الهتاف. تعلو الزغاريد. يشير القايد إلى الجوق. ينطلق العزف. يتقدم العمدة الصفوف. يتوقف الضجيج. يتغنى العمدة بالقطار. يمجد راكبيه. تهتف الجماهير بحياتهم. تنفجر أمانيهم. يحلمون. يصدقون.

يبدو القطار في الأفق. تشرئب الأعناق. تنطلق الزغاريد، الأهازيج، الأصوات المبحوحة. يقترب القطار. يتهادى في منعرجات المنحدر. يصل إلى المحطة. يتوقف. ينبهر رئيس المحطة. يرفع رأسه إلى مقدمة القطار. يستعرض الأيقونات المنحوتة: (مطرقة، منجل، مصباح، سنبلة، حمامة..). يستغرب من طول القطار. يحسب عدد المقصورات. 39 مقصورة - حقيبة. يتساءل عن الشكل، عن الرقم. ينتظر.

تفتح كل الحقائب آليا. تمتد الأجساد المركونة. يطل المستوزرون والمستوزرات. يطل أعضاء وعضوات الدواوين. تلمع البذل الرمادية الزرقاء. تشع ربطات العنق الحريرية. تستنشق الروائح والعطور. ترتسم الابتسامات بلهاء.

يستغرب الموكب من الكائنات الغريبة. تشعر الجماهير بالخيبة، تتبادل نظرات باردة. تكف عن التهليل. تتحرك الأجساد نحو جحورها. يأمر القايد جوقته بالعزف. يتركونه. يحار العمدة بين الولاء للحزب والهرولة نحو الصناديق. يتفرق الموكب بين الشعاب. يقفز رئيس الحكومة خارج القطار. يهرول. يحمل مصباحا. يبحث في أمواج السراب. يسابقه صاحب الحمامة المستنسرة. يتفق صاحبا السنبلة والمنجل على الزرع والحصاد. يظل التكنوقراط في الحقائب الوتيرة، يستمتعون. لا يبالون بالمشهد العبثي، بالحضور والغياب، أو بدفع الحساب.

يسمع صفير القطار إيذانا بالرحيل. يهرول أصحاب المصباح والحمامة والمنجل والسنبلة، وأشياء أخرى. ينطلق القطار. تنكمش المحطة. تعود إلى عزلتها. يحك رئيسها رأسه مبتسما. يبسط الكلب ذراعيه. تنط القطط. تبتلع القطار سكة المجهول.

 

الفيديو

تابعونا على الفيس