عرفت موريتانيا عبر تاريخها السياسي القصير الكثير من التحولات السياسية في فترة لا تتجاوز الخمسين عاما ففي هذه الخمسين عام حكم البلاد ثمانية رؤساء واحد منهم فقط مدني و الباقون خرجوا جميعهم من المؤسسة العسكرية هذا التناوب خلق نوعا من النمطية في الحكم وجعل نظام الأقلية يسود حيث لم يكن في يوم من الأيام رأي الشعب بتلك الأهمية أو ذا بال في مسالة الانتقال السياسي لأنه انتقال صنع من طرف الأقلية وليس من الأغلبية (الشعب) وهذا ما خلق أوليغارشية محلية لها خصائصها ومميزاتها عن العديد من الأنماط التي تحكم في المنطقة العربية و الإفريقية .. ظلت المؤسسة العسكرية الموريتانية هي مدرسة الرؤساء بامتياز ومع ذالك كان ثمة مستوى من الممارسة الديمقراطية في البلاد فبعد كل انقلاب كانت المؤسسة التي تحكم تسعى إلى إجراء انتخابات يشارك فيها الشعب و إن تميزت بالشفافية فان النزاهة في اغلب الأحيان تكون معدومة لأسباب تنموية بالدرجة الأولى وهو ما يحول الموسم الانتخابي إلى موسم اقتصادي بامتياز هذه الأوليغرشية جعلت من المؤسسة العسكرية الطريق الأقصر للوصول إلى الحكم ثم من بعدها خلع البزة العسكرية و التظاهر بالمدنية لنيل القبول العالمي طالما أن المجال الإفريقي كله أوليغارشيات و أوليغارشيات . "هذه المسرحية الانتخابية تكون دائما نوع من التنظير بشكل عالمي والتصرف بشكل محلي" لان أي حكم في العصر الراهن بات بحاجة إلى القبول الدولي كدليل على شرعيته أكثر من تصريح الشعب (ضمانا للمساعدات و القروض الدولية إلى غير ذالك من مزايا القبول الدولي "الأمريكي") . فمنذو الانقلاب على المختار ولد داداه -رحمه الله- دخلت موريتانيا حلقة مفرغة من الانقلابات سيمتها الأقلية والعسكرية وان لبست جبة الإصلاح و التغيير والحفاظ على الوطن من سلفها الذي جاء بنفس الحجة. هذه الأوليغرشية العسكرية تبدأ في خلق وسائل بقائها واستمرارها اكبر وقت ممكن فتعمد إلى استغلال أتباع سابقتا ممن باتوا يعرفون محليا (بالصفاكة ) أو سماسرة الدولة العميقة وخبراء بقاء الأنظمة والصناديق السوداء للفساد وما تلبث هذه الأوليغرشية أن تتحول إلى سلطة شرعية تحكم بما تشاء وتسن القوانين كما تشاء لتحصين البلاد من الانقلابات وغير ذالك من مصادر التهديد لزوال أي مجموعة استطاعت الوصول إلى الكرسي ومكنت لنفسها من وسائل خلق ديمقراطية على مقاسها دون مراعاة للأخر ودره ومكانه ومكانته لتصنف الناس حسب التصفيق لمشروعها وليس حسب التدقيق في مشروعيتها ونواياها , وتخط لنفسها الطريق الأمثل لديمقراطية البقاء و الاستمرار إلى أن يحين دور رجل آخر مر من نفس المدرسة ليطيح بتلك الأوليغرشية ويصنع هو أخرى بعيدا عن طموحات الشعب المغلوب على أمره وليس له إلا التظاهر مناصرة و إلا دخل صف المغصوب عليهم والضالين عن طريق السلطة الحاكمة وبالتالي الوظيفة والتوظيف . فهل هذا هو دور المؤسسات العسكرية صناعة رجال الحرب أم رجال السياسة ؟ و أين هم من واجبهم الوطني في حماية الديار وطموحهم الشخصي في كتابة تاريخ لأنفسهم ؟ ولماذا الأوليغرشيات العسكرية كلها في إفريقيا وغيرها وهي أسوا مئات المرات من موريتانيا ومعارضتنا لا تعرف إلا المعارضة ؟ ألم يخطر ببالها أن تجرب دور المراقبة على هؤلاء العسكر علهم يعرفون سبيلا للديمقراطية و الإصلاح بدل عنادهم والوقوف ضدهم ؟ ...... يتبع... "دراعة في ظل القبعة"