لقد تابعت باهتمام مضامين خطاب رئيس الجمهورية الماضي بمناسبة عيد الفطر المبارك، وقد وردت فيه بعض العبارات التي تهمني كثيراً من بين أمور أخرى وهي:
مكافحة الغبن والهشاشة؛
الشفافية؛
عدم التساهل مع أي شكل من أشكال الفساد؛
الصرامة؛
ما بعد الجائحة
إذ تعتبر ظاهرة الغبن والإقصاء وعدم الشفافية والفساد كلها أمراض تفشت وتجذرت في الفترات السابقة. فمضامين خطاب الرئيس لمكافحة هذه الأمراض وغيرها تبعث بالارتياح بأن بلادنا تتجه نحو تطبيق العدالة في تسيير شؤوننا، وتصحيح سلوكنا تجاه وطننا من خلال قيمنا النبيلة وما يترتب علينا من واجبات وحقوق تجاه أبناء هذا الوطن. كما يبعث بالارتياح أن يتم التحضير الجيد لما بعد الجائحة في مختلف أبعادها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وأريد في هذا المقام أن أذكر بنقطتين تتعلقان بالسيد الرئيس إحداهما عشتها والأخرى سمعتها:
فأما الأولى فهي أنني كنت ضمن جماعة التقت بالرئيس خلال حملته الانتخابية وتناول كل واحد منا الكلام وعندما وصلني الكلام قلت: بعد عبارات الترحيب "السيد الرئيس نحن حاصل لدينا في العلم بانكم من جهة طيبة ونطلب منكم تطبيق العدالة".
وعندما تناول الكلام كنت أول من قابلني بالرد قائلا "أريد أن أطمئنك بأن العدالة ستكون هي نهجي إن شاء الله"
وأما الثانية فهي أنني سمعت وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي في مقابلة مع قناة الموريتانية يقول إنه وبعد تشكيل الحكومة أمره الرئيس في تعليمات له أن لا يقرب بأي حال من الأحوال ما يخالف الشرع ولو أمره بذلك.
إن الغرض من ذكري لهاتين النقطتين هو إضافتهما إلى مضامين هذا الخطاب وما ورد في خطابات سابقة الشيء الذي يجعلنا نلتمس من شخصية السيد الرئيس بأننا نتجه نحو المسار الصحيح ونكافح ما عشناه من مظاهر الغبن ونهب الاموال العمومية والظلم والإقصاء والتهميش خلال الأحكام السابقة.
وإذا أردنا معالجة ظاهرة الغبن والقضاء عليها لابد أن نشخصها. ومن هذا المنطق سأحاول تشخيص بعض ما مارسته الأنظمة السابقة من هذه الظاهرة وجعلته ثقافة يقتدى بها. ويتلخص ذلك في النقاط التالية:
-عند تشكيل الحكومة: لا يتم تعيينه وزيرا في الحكومة إلا شخص ينتمي لجماعة عندها حقيبة وزارية بصفة دائمة في الحكومات السابقة أو ابن وزير سابق أو شخص مدعوم من شخصية وازنة في السلطة أو شخص رأت فيه السلطة أنه يخدم مصالحها ولا يخدم سوى ذلك إلا نفسه أو محيطه الضيق.
أما البقية من المجتمع فهي تتفرج على هذه الظاهرة والحكومات تتعاقب ولا شيء يتغير.
في الوظائف السامية : لا يمكن أن يتم تعيينه في وظيفة سامية إلا من كان معينا سلفا أومن ينتمي لجماعة الأسرة الحاكمة أو من قد تقاضى وظائف سابقة سامية في الدولة (وقليل من يشهد له بالنزاهة وحسن التسيير) أو من ينتمي لجماعة الوزير أو شخص تربطه علاقة اجتماعية بالأسرة الحاكمة أو بأحد الشخصيات النافذة في السلطة، أو شخص ينتمي لجماعة نافذة في السلطة، أو شخص جرد نفسه من ذاته ووجد طريقة لخدمة الأسرة الحاكمة أو أحد أفرادها أو شخصية نافذة أخرى.
كل هذا بعيد عن الكفاءة والأمانة والنزاهة وخدمة الوطن والمواطن. أما أطر وأبناء باقي المجتمع فلا أحد يذكرهم، فهم في خانة المنسيين، ومن وجد منهم فرصة ترقى به قليلا إلى السلم الأعلى فهو معرض للظلم في أية لحظة مهما كانت كفاءته وقدرته وأمانته وصدقه.
الوساطة: تعتبر ظاهرة الوساطة من مظاهر الغبن التي ترسخت وتجذرت خلال الأحكام السابقة. فأصبح من له وساطة تكون الفرص كلها متاحة له والأبواب مفتوحة أمامه ويتحدى الجميع. ومن لم تكن له وساطة فلا حق له والأبواب كلها مسدودة أمامه.
ومن مظاهر الغبن: أن توجد أسرة واحدة جميع من يحمل شهادة من أفرادها يتقاضى وظيفة سامية (وهذا حق لهم، من يحمل شهادة من حقه أن يجد وظيفة لأجل كسب رزقه وعيشه الكريم ولكي لا يكون عالة على الآخرين ويساهم في بناء وطنه) بينما توجد بعض الجماعات التي تعد بالآلاف لا توجد في أفرادها إلا وظيفة واحدة أو ما يزيد عليها بقليل رغم وجود أطرها وحملة الشهادات من أبنائها.
إننا وانطلاقا من وعينا بما التمسناه في شخصية السيد الرئيس من روح وطنية وحرص على حقوق المواطن وكرامته، لنرجو من الله العلي القدير أن يوفقه في القضاء على الأمراض الآنفة الذكر وغيرها من الأمراض الفتاكة الأخرى التي خلفتها الأنظمة السابقة، وأن يوفقه كذلك في تكوين المواطن الصالح القادر على المساهمة الفعالة في عملية البناء انطلاقا من روح التضامن والتآزر ومحبة الخير للجميع.
ولبلوغ هذه الأهداف ينبغي العمل على المبادئ التالية:
- نشر العدالة واتخاذها نهجا: لابد من تطبيقه في جميع مجالات الحياة. فإذا انتشرت العدالة يعم الخير وتكثر البركة ويشعر المواطن بالعز والكرامة والاطمئنان، كما تزول مظاهر الظلم والإقصاء والبؤس والحرمان ويرتفع البلاء.
- اختيار البطانة الصالحة: يجب لكل من تسند له مسؤولية الشأن العام أن تتوفر فيه المميزات التالية وهي: الكفاءة ، النزاهة ، الصدق والأمانة، وتبتعد في نفسه روح الجهوية والفئوية والقبلية، والتي تعتبر أمراضاً طُبعت في نفوس كثير من المسؤولين عن الشأن العام خلال الأحكام السابقة.
ومن مميزات المسؤول عن الشأن العام كذلك احترامه للوطن والمواطن وأن يجعل المصلحة العامة نصب عينيه وأن يعامل عمال القطاع أو المؤسسة التي يديرها بكل احترام ومساواة في جميع الحقوق وبصفة واضحة وشفافة.
-الصرامة: لا يمكن تطبيق العدالة ولا معالجة ظاهرة الغبن والأمراض الأخرى إلا بقرارات صارمة وإرادة قوية. ولتحقيق ذلك ينبغي قبل كل شيء إبعاد المفسدين وأكلة الأموال العمومية عن تسيير الشأن العام. فالشعب متعطش على أن يرى أوجها جديدة ليست لها سوابق ولا يشتبه في تورطها في الفساد وأكل المال العام. فإرضاء من ثبت تورطه في خيانة أمانته يعتبر مواصلة للنهج الذي كان قائما.
إن الشعب الموريتاني شعب كريم ونبيل، ناشئ على الفطرة النابعة من تعاليم ديننا الإسلام الحنيف، وكثيرون من هم فيه قادرون على أن يكونوا قدوة في حسن التسيير، حريصون على المصلحة العامة كما أنهم أيضا غيورون على بناء وطنهم بين الأمم.
أما فيما يتعلق بما بعد الجائحة فقد أصبح واضحا في أنحاء العالم أن المنظومة الاقتصادية ستتغير بعدها، إذ بات من الجلي أن كل دولة ستحاول أن تعتمد على ذاتها.
من هذا المنطلق يتعين على بلادنا –في إطار خطة ما بعد الجائحة- أن تعمل على تطوير القطاعات الاقتصادية التي ترتبط بحياة المواطن بصفة مباشرة.
ويمثل قطاع الزراعة أحد هذه القطاعات التي ينبغي العمل على تطويرها باعتباره الركيزة الأساسية لضمان الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي.
لذلك يمكن تطوير هذا القطاع من خلال دعم المجالات التالية:
-الإرشاد الزراعي: من أجل مواكبة المزارع وتزويده بالتقنيات اللازمة لضمان الرفع من عملية الإنتاج.
- التكوين والتكوين المستمر: من أجل توفير الكادر البشري التقني العالي الكفاءة لمواكبة المزارعين طيلة الحملات الزراعية وتنظيم دورات تكوينية مستمرة لصالح المرشدين الزراعيين العاملين في الميدان وممثلي رابطات المنتجين الزراعيين.
- البحث الزراعي: توفير الكادر البشري من الباحثين من أجل تطوير ونهوض البحث الزراعي.
- حماية النباتات: من أجل حماية المحاصيل الزراعية من الآفات الضارة عن طريق دعم وتطوير طرق المكافحة.
- السدود والحواجز المائية: بناء وتشييد وترميم السدود والحواجز المائية من أجل التحكم في المياه المطرية واستثمارها واستغلالها الأمثل لضمان تحقيق توسيع أكبر قدر من المساحة الزراعية.
- الاستصلاح الزراعي: سعيا لتوسيع المساحات المزروعة والنهوض بالمستوى المعيشي للسكان.
وفقنا الله لما فيه السداد وهدانا إلى الصراط المستقيم وعلى تأدية الأمانة التي في أعناقنا.
سيدي ولد محمد عبد الحي سيدي عبد الله مهندس زراعي بوزارة التنمية الريفية، نائب سابق لمقاطعة المذرذرة
هاتف: 48486426 /22417798
sidi.haye@yahoo.fr