في منشور يفطر القلب، كتب أب مكلوم منشورا على موقع أو منصة فيسبوك بعنوان "ريجو ليس" إرهابيا.
يحكي الأب المصدوم، كيف كان ابنه شابا وديعا محبا للناس، عاطفا على الحيوانات، ويروي كيف اعتنى بكلب لجارة كانت مريضة بالسكري، وكانت المرأة العجوز وحيدة في المستشفى بعد غيبوبة أصابتها من السكري. كان الجيران يضربون الكلب خوفا منه لشراسته، ولم يتحمل أذى الكلب وشراسته التي زادت حزنا على صاحبته، إلا "ريجو" ، كان يعضه الكلب ويتحمل الشاب حتى يطمئن الكلب له. ويروي الأب كيف استعطف الشاب أسرته كي يؤوي الكلب، ولما طالت المدة واشتكى الجيران اضطر الأب لأن يطلب من الشاب إخراج الكلب، فخرج الشاب مع الكلب يبحث له عن مأوى في ليلة شتوية ممطرة.
بعد أقل من أسبوع من هذه الرواية التي نشرها الأب عن ابنه الذي كان قد اختفى، يظهر الشاب على إحدى القنوات التابعة للنظام في مصر ليعترف على نفسه بأنه اتفق مع بعض من "الهاربين" في الخارج والمصنفين على قوائم الإرهاب في مصر؛ على أن ينتج تقارير تلفزيونية لإحدى القنوات تشوه صورة مصر وتعرض أمنها القومي للخطر.
قد يصدق العامة أو حتى الأجانب اعتراف الشاب، فهو سيد الأدلة، لكن أهل وأصدقاء وجيران الشاب لا يمكن أن يصدقوا هذه الرواية حتى ولو جاءت على لسان ابنهم صوتا وصورة. فالشاب طيب القلب المحب، عنده حب وحنان يكفيان الدنيا كلها، وكل قطط السلالم وكلاب الشارع تحبه، فريجو يكلم الورد والشجر والشمس والقمر، هكذا وصفه أبوه في منشوره.
في خطاب للمخابرات وُجه لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قالت الصحيفة إنها (المخابرات) حذرت رئيس مكتبها في القاهرة جراء التقارير الصحفية التي تنقل صورة يراها النظام أنها تشوه الصورة الحقيقية لمصر، لا سيما في تعاطي النظام مع وباء كورونا، والتدابير التي يتخذها القطاع الصحي والقيادة السياسية التي لا تبدو جادة في وقف تفشي الوباء أو حتى الحد منه. وهددت المخابرات من خلال الهيئة العامة للاستعلامات رئيس مكتب الصحيفة باتخاذ الإجراءات المناسبة والتي يكفلها القانون في مصر، في سبيل وقف ما يراه النظام أنه تشويه لسمعة مصر والإضرار بأمنها القومي (لاحظوا). وأكد ممثل الهيئة أن ما جاء في تقرير الصحيفة الأخير يعد انتهاكا مهنيا جسيما! إذ ينقل التقرير عن حقوقيين ومصادر طبية وشهود عيان لم يعرّفهم.
وتضمن التقرير اتهامات خطيرة للغاية للنظام المصري في تعامله مع الوباء، ويؤكد انتشار الوباء بشكل كبير بين صفوف الشعب. وأكد النشطاء أن من يحاول نقل الحقيقة أو يعمل على تحذير الشعب من خطر الوباء على خلاف النهج الذي ينتهجه النظام، فإنه يعتقل بموجب قانون الطوارئ، والتعديلات الأخيرة على توصيف مأمور الضبط القضائي الذي شمل مؤخرا ضباط وضباط صف القوات المسلحة، ومن ثم فإن الأمر بالنسبة للنظام يعد محض تلفيق وافتراء!
وإن كان الصحفي الذي يترأس الهيئة العامة للاستعلامات، والذي وجه تهديده للصحيفة الأمريكية، يحاول أن يتناسى أن المهنية التي نفاها عن تقرير الصحيفة الأمريكية، يحتم على الصحفي عدم الكشف عن مصادره للحفاظ على أمنهم، لا سيما في ساحات القمع والإرهاب، فإن قوانينه (رئيس الهيئة) أيضا التي يهدد بها، إنما هي صناعة ديكتاتورية جاءت على ظهر دبابة؛ طبخت في برلمان شكلته المخابرات الحربية لتزين وجه النظام القبيح. كما أن تقرير الصحيفة لن يخفي واقعا يعيشه المصريون كل يوم، وما وفاة الطبيب الشاب منذ أيام منا ببعيد.
غضب النظام المصري من الصحفيين الأجانب ليس جديدا، فالملاحقات الأمنية والقضائية مستمرة، بدءا بغلق مكتب صحيفة الجارديان البريطانية في مصر وسحب اعتماده، وترحيل مراسلة الصحيفة في مصر، وتهديد مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن يلقى المصير ذاته، وأخيرا صحيفة واشنطن بوست في مصر. والهدف بالنتيجة هو الحيلولة دون تداول أي أخبار عن مصر إلا تلك التي يريد النظام أن يروجها، ومع تنامي غضب النظام وأجهزته الأمنية، هل ينتظر أن يكتب والد رئيس مكتب صحيفة واشنطن بوست في مصر، على صفحته على فيسبوك، أن ابنه سوداسان راجافان كان طيب القلب محبا للناس والشجر والحيوانات، بعد أن يظهر معترفا بتكدير الأمن العام في مصر والانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بتحقيق أغراضها، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة لتشويه صورة النظام في الخارج؟!