خمسة وعشرون مشروع توطين وصفقة قرن

اثنين, 05/25/2020 - 01:49

أماني رباح

بعد فشل مؤتمر المنامة وقبله مؤتمر وارسو في محاولة لتمرير صفقة القرن، والتي تقوم أساسا على تلاشي حلم الدولة الفلسطينية،  وإنهاء قضية اللاجئين، وتذهب لأبعد من ذلك العودة لنقطة الصفر ، وكأن الحرب بدأت للتو، ومسلسل التهجير قد بدأت أولى حلقاته، وكأن سبعون عاما ونيف من التضحيات ونضال شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال تم القفز عنها، عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى الذين يقبعون في سجون الاحتلال من عمر دولة الاحتلال، كل هذا أصبح بلا ثمن أو بلا هدف يقدمه شعبنا، كل هذا لا يمكن أن يذهب سدى وحلم بناء الدولة التي اعترف بها أكثر من مائة وثمانية وثلاثون دولة، والاعتراف بحق العودة، وإنخراط فلسطين بالمنظومة الدولية، كيف يمكن القفز عن هذه التضحيات بمجرد مجيء ترامب وصهره كوشنير بتسويقه لصفقة تنهي كل هذا، شعبنا الفلسطيني ذاكرته ليست بالقصيرة فهو يحمل ذاكرته المعمدة بحب الأرض ويحمل إرث الذاكرة منذ ميلاد المسيح، فلا يمكن لصفقة تطمع في محو ذاكرته أن يقبل تحت أي ضغط، فهو الذي أمن في بيته وأرضه قبل ميلاد ترامب ودولة الاحتلال-إسرائيل- إلى أن وعد حلفاؤه بالحرب ببناء كيان على أرض ليست ملكا لهم، فلم تعرف الأرض منذ وقتها الأمن والسلام، إلى أن أصبح لاجيء وله هيئة دولية عرفت بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين”الاونروا” اعطته اسما في دساتيرها، واعترفت بحقه كلاجيء وقالت في نصوصها أن اللاجئين الفلسطينيين هم الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي في الفترة الواقعة بين يونيو/ حزيران 1946 ومايو/ أيار 1948 –أي أقاموا لفترة سنتين على الأقل في فلسطين قبل عام 1948 والذين فقدوا أماكن سكنهم ووسائل عيشهم نتيجة الصراع العربي -الإسرائيلي -عام 1948، مما اضطرهم للجوء إلى بلاد مجاورة كالأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن، وإدارة قطاع غزة الذاتية في ظل الحكم المصري.

نعم لقد اضطروا نتيجة الحرب الصهيونية على شعب أعزل يعيش بأمن وسلام في أرضه، دفعته الحرب إلى اللجوء إلى الدول المجاورة بعدما دمرت وحوصرت القرى والبلدات التي اضطر أهلها تركها قسرا  نتيجة المجازر والمذابح التي ارتكبتها عصابات الهاجانا المدفوعة من الصهيونية، وانتظر شعبنا الفلسطيني حينها أيام وليالي يبيت في الطرقات على أمل أن تتوقف الحرب ويعود إلى قراه ومزارعه ومدنه، كما يفعل اليوم بعد كل عدوان على غزة ينزح السكان وأهالي المخيمات إلى أماكن ربما فيها بعض الأمن ولا يصلها قصف الاحتلال توهما، وبعد انتهاء كل عدوان يعود الساكنة إلى بيوتهم يرممون ماتبقى من حطام منازلهم ويكملون حياتهم، وتبدأ تسرد ويلات الحرب كيف صمدنا، وكيف كان العدو وحشيا في قتله، وما لنا إلا الصمود والبقاء في المخيم الذي يعتبر محطة العودة الأولى .

لم يعود من هُجِر بعد حرب1948  فكانت المؤامرة  التي أرادت هذا التشتت ومحاولة إنهاء وجود شعب بأكمله جذوره ممتدة في أرضه عبر التاريخ،  بتوزيعه في مناطق مجاورة لفلسطين، تم ترحليهم وهم يحملون الذكريات والمفتاح ووثيقة ملكية الأرض والبيت، وبنيت الخيم التي تم رفضها وأنشأت الهيئة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين ضمن قرار  302الذي ينص على إقامة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين ، وقبلها كان قرار 212  الذي يدعو لتخفيف المجاعة والبؤس بين اللاجئين الفلسطينيين، أي بؤس أسوأ من أن تطرد من بيتك؟!

 لتصبح لاجئا في سوريا والأردن ولبنان ، وصرت ضيفا على أرضهم، بحث عن عمل بعدما كان لديك عملا وأرضا ومصنع تعتاش منه، كبرت العائلات الفلسطينية بعيدة عن وطنها، اندمجوا في تلك المجتمعات وتصاهروا ولم تنصهر  هويتهم الفلسطينية التي  لازالت حاضرة وبقوة وتتوارتها الأجيال جيلا بعد جيل .

وعلى مدار قرن من الزمن منذ الإعلان عن وعد بلفور وعد من لايملك لمن لايستحق منحته الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لدعم وتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك في 2 نوفمير عام 1917، وكأن هناك أرض بلا شعب، كانت البداية لشن حرب التهجير عام 1948، ونشأت دولة _إسرائيل- على أراضي شعب بأكمله عاد ليحلم بالعودة لوطنه المسلوب، ولازالت سياسة القتل والتهجير تنتهجها سلطات الاحتلال ضد شعبنا، في الوقت الذي تدعي فيه الديمقراطية تمارس العنصرية ضد شعبنا الذي لازال يعيش في الأراضي المحتلة ويحملون الجنسية -الإسرائيلية- هو مسلسل تمارسه الدولة العنصرية لتهجيرهم، حتى العنصرية لم تتوقف عندهم بل امتدت لتشمل اليهود “الفلاشا ” الذين تعتبرهم درجة ثانية وتحرمهم أبسط الحقوق، بل تمارس القتل في حقهم، هذا مايفضح هشاشة دولة الاحتلال المركبة من خمس وثلاثون اثنية من أعراق مختلفة كانوا قد تم جلبهم لأرض فلسطين لتنشأ تلك الدولة، وهذا كان سبب تشتيت شعبنا الفلسطيني في دول ومخيمات الشتات الموزعون على تسعة وخمسون مخيما تشرف عليه الأونروا التي نشأت بقرار أممي، لم يتوقف هنا الحال أن يعُزز صمود اللاجيء بعدما طرد من أرضه، بل تمت محاربته برغيف خبزه، عبر الضغط على الاونروا والدول المانحة بوقف تقديم مساعداتها وعدمها، مما سيؤثر على حياة اللاجئين في المناطق الخمس “سوريا ولبنان والأردن والصفة وقطاع غزة”  كل هذا امعان واذعان في إنهاء قضية اللاجئين ، إنهاء حق أكثر من سبعة مليون لاجيء في الشتات، لكن كل هذه المحاولات تثبت فشلها حتى محاولات التوطين التي سعت إليها قوى الشر  الداعمة لدولة الاحتلال منذ عام 1949 ومشروع “ماك غي “مستشار الخارجية الأمريكية لشؤن الشرق الأوسط الذي توجه إلى بيروت لشرح خطته لتوطين الفلسطينين في أماكن تواجدهم ويعتبر مشروع “ماك غي” من أقدم مشاريع التوطين التي فشلت، وفي نفس العام قُدم مشروع بعثة “غورد كلاب” يقوم على الدعم الاقتصادي وتوطين الفلسطينين، وتوالت المشاريع التي تهدف إلى نفس الغاية وأعيد طرح مشروع جديد عام 1951مشروع “جون بلاندفورد ” ويقوم على تخصيص ميزانية لدعم اللاجئين في الدول العربية، ومشروع مبعوث الرئيس الأمريكي “أربك جونستون “بين عام 1953-1955 لتوطين اللاجئين على الضفة الشرقية للأردن، ومشروع بريطاني عام 1955 لتوطين الفلسطينيين في العراق، ومشروع “جون كيندي “عام 1957ويهدف لتوطين اللاجئين الفلسطينيين الذين لايرغبون بالعودة والقيام بمشروعات اقتصادية لهم، وتوالت خلال السنوات بنفس الصيغة للتوطين  .

ومن  مشروع التوطين على الضفة الشرقية لنهر الأردن ،مشروع  التوطين في سيناء بين عام 1951-1953، والذي قوبل بانتفاضة شعبية عارمة اسقطت ذلك المشروع ، إذاً  كل هذه المشاريع تذهب للقضاء على حق العودة والتذرع بدعم الفلسطينيين اقتصاديا على حساب حقوقهم المشروعة هذا لن يقبل مهما تعددت الصيغ والطروحات المقدمة ، فهناك حق ووعي ونضال شعب بكاملة لازال مستمرا، ومستعد أن يقدم أكثر في سبيل حريته وعودته .

 أكثر من خمسة وعشرون مشروع توطين، بل خمسة وعشرون مشروعا وصفقة قرن، لم يكن حال شعبنا بأحسن حال واستطاع أن يفشل كافة المشاريع كان آخرها ولن يكون الآخر ضمن سياسة الاستهداف للاجئين، استطاع أن يفشل المؤتمر الذي عقد في البحرين ظنا أن إرادة شعبنا يمكن تنيها أو ابتزازه في كرامته وعيشه الكريم ، حتى محاولة تضييق الخناق عليه في مخيمات الشتات ومحاربته في سبل صموده  وماهذه المخيمات إلا محطة مؤقتة لحين عودته، فالذي يدور اليوم في مخيمات لبنان بعد القرار الجائر بحق الفلسطيني وما أصدره وزير العمل من قرار عنصري، يصب في  مصلحة صفقة القرن، التي تكشفت فصولها فالذي عجزوا عن تمريره في مؤتمر المنامة الخياني، يحاولون فعله بالمخيمات للضغط على الفلسطيني في عيشه في مساومة على حقوقه، فلا يوجد في شعبنا من يساوم أو يمكن ابتزازه في حقوقه، فخرج مطالبا بالعودة  وفتح الحدود، إن كانوا يعتبرون الفلسطيني عالة على الدولة، فهو الذي عمَر وبنى في كل مكان نزل فيه، إذا لا تحاربوا اللاجيء في قوت يومه وفي صموده، فكل هذه القرارات التي تتخذ ويعتقدون أن شعبنا يريد أن يتملك في أرض غير أرضه برغم أنه حق، لكنه لازال ينشد العودة إلى فلسطين، حتى الذي يموت ويدفن في مقابر الشتات لاينسى أهله أن يخطوا على قبره اسم بلدته التي سيعود إليها ولو رفاة، هذا هو الفلسطيني أينما حل وتواجد، لايمكن محوه أو شطبه، أو محاولة توزيعه في أسقاع الأرض لتنتهي قضيته، من يحاول ذلك لن يجنى سوى الوهم والسراب والخيبة .

فهذا لم يكن الاستهداف الأول فحتى طرق الاستهداف تنوعت والرد من شعبنا موحد إن اختلف المكان والزمان، حتى سياسية التقليصات  التي انتهجتها الاونروا منذ سنوات وإشغال اللاجيء في تفاصيل الكابونة، فيها زيت ولا فيها حليب، وشطب آلاف العائلات من الاستفادة من تلك المساعدة التي هي حق وليس مِنة من أحد، وتوال المسلسل ليشمل الصحة وتقليص الأدوية وإيقاف أصناف عديدة، ووقف عدد من التحاليل، وبدلا من تطوير خدماتها بما يتلاءم وحالة اللاجئين، استمر نهج التقليص، ووصل إلى التعليم بإيقاف القرطاسية، وعدد المعلمين ووقف البطالات، واكتضاض الفصول بدلا من بناء مدارس جديدة، تكدس الفصل بأعداد التلاميذ في مخالفة لقوانين ومعايير التي نصت عليه اليونسكو على اعتبارها أحد المنظمات الدولية والتي تعتبر التعليم حق من حقوق الإنسان ولابد من تأمينه وبمعايير جيدة،  لم يتوقف عند هذا الاستهداف الممنهج، وإنما بوقف التمويل نهائيا  للأونروا من قبل الولايات المتحدة  مع مجيء ترامب في ابتزاز ولسلب القرار السياسي الفلسطيني المستقل وحتى يقبل بمشروعه التصفوي الجديد المسمى بصفقة القرن ، لم يكن الفلسطيني وحده في هذه المعركة فأحرار العالم المؤمنون بعدالة قضيتنا استطاعوا أن يبقوا على استمرارية الأونروا في تقديم خدماتها .

الأمر لم يقتصر على الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجيء الفلسطيني التي من شأنها تعزز صموده، بل استمر التهديد بمكان لجوئه في دول الشتات لمحو صفة اللاجيء عنه التي أصبغوه بها قسرا، ولو لم يطرد من أرضه لما أصبح لاجيء، يطرد من جديد وشطب أي مظاهر تجمع للفلسطينيين، بدأ ذلك مع الحرب الأمريكية على العراق عام2003  وما تعرض له من تهجير وذبح ا هناك، هذا القتل والذبح لم يكن بعيدا في لبنان فمجزرتي صبرا وشاتيلا الشاهد الذي لازال يدمي في ذاكرة شعبنا حينما استهدف في المخيمات، لم يتوقف الأمر عند ذلك، فالأحداث التي شهدتها سوريا منذ عام 2011 كانت أكبر الأهداف مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني تم تهجرهم ثانية بعد المجازر والقصف الذي استهدف السوريين والفلسطيني في مخيمه، لمصلحة من كل هذا يحدث؟ فلا مشاريع توطين يمكنها أن تمر على شعبنا ولا صفقة قرن وغيرها .

كاتبة فلسطينية

الفيديو

تابعونا على الفيس