وجهة نظر مختلفة حول المطبع السعودي: بلطجة على طريقة باب الحارة وتقديم دعاية مجانية لإسرائيل

خميس, 04/30/2020 - 22:19

نادية عصام حرحش

تضيق دائرة الكتابة الإيجابية بالشأن الفلسطيني يوميا، في وقت تتفاقم المشاكل الحقيقية التي تواجه القضية الفلسطينية في محاولة متجددة لتصفيتها، هذه المرة …نهائيا.

اشعر بالإحباط لدرجة لا اعرف ان كان هناك جدوى للكتابة. فلا يمكن ان تكون مسموعا الا إذا ما ركبت العجلة التي يصعد عليها الجميع، حتى ولو كان طريقها هو الهاوية.

هل نعاني كشعب من خلل في ذاكرتنا، يؤدي الى نسياننا الماضي البعيد والقريب؟ عشت حياة كاملة وانا أحاول فهم معضلة قصور الذاكرة الجمعية الفلسطينية، التي طالما بررتها لسبب هول المصاب منذ النكبة. ولكن، اليوم نحن نعيش تاريخ يتم كتابته امامنا. فلم ننس بعد ما جرى ويجري. أوسلو منذ بدء تنفيذها وهي حاضرة ونشكل نحن الشعب جزء لا يتجزأ من كل اليات تنفيذها. وها هي انتهت لتدخل مرحلة جديدة تحت عنوان صفقة القرن، التي جرى العمل على تنفيذها منذ فتح السفارة الامريكية في القدس. من أالمهم التأكيد هنا، ان مشهد افتتاح السفارة لم يكن فجائيا، متعلقا بتعيين ترامب رئيسا لأمريكا، فهكذا خطوة كان يتم التحضير لها منذ سنوات طويلة. منذ ان قرر مفاوضونا ان القدس تقع في مفاوضات الحل النهائي. منذ تركوا القدس تحت مطرقة التهويد، وأهلها تحت الظلم والتنكيل المستمر من هدم وتشديد وتضييق خناق وفقر واهمال.

مرحلة جديدة من التنفيذ بدأت، تخللها إجراءات كثيرة على الأرض، في تحويل معالم المدينة الى يهودية وإسرائيلية من خلال ضخ أموال على المشهد الثقافي والاجتماعي والتعليمي في السنوات الأخيرة. المدارس تتحول الى مدارس تابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية تباعا، الدعايات والتسهيلات من اجل التحاق الخريجين بالكليات والمعاهد والجامعات الإسرائيلية من كل الاتجاهات، والطلبة مهرولين لفرصة تعليم في مؤسسة إسرائيلية ما. الجمعيات التنموية والاتفاقات العلنية والسرية مع بلدية الاحتلال في برامجها المختلفة جليا ويمارس في السر كذلك والعلن. المتاجر الإسرائيلية على عينك يا تاجر والتسوق فيها حدث ولا حرج.

والممارسات الإسرائيلية ضد الانسان الفلسطيني من حيث التنكيل والاضطهاد والتشريد والتهجير على نسق متسارع في تنفيذه، لم يتغير منذ بدء الاحتلال ولكن تتغير وتتجدد اساليبه. تطهير عرقي هو الهدف المباشر ضمن خطة للاستحواذ المطلق على الأرض والحجر واستعباد ما تبقى من بشر.

المشكلة ليست بهم. المشكلة فينا.

المشكلة ليست بالسلطة الفلسطينية. المشكلة فينا.

المشكلة فينا نحن الشعب الذين لا نتعلم ابدا مما يجري حولنا.

حدثان غلبا على الاعلام الفلسطيني والإقليمي والعالمي ووسائل التواصل من كل اتجاه: هدم عشرات العمارات والبيوت في قرية صور باهر في القدس، واعتداء مليء بالمسبات على زائر سعودي “مطبع” في المسجد الأقصى.

قد يكون التساؤل البديهي هنا: كيف تضعين الحدثين في نفس المكان من الأهمية؟ نعم بديهي ان لا اجري أصلا أي تشبيه او ربط، ولكن ما جرى من حدثين اخذا كل التسليط الإعلامي بتساوي…مع كل اسف. وعليه يجدر السؤال : هل كان هناك تنسيق مسبق لافتعال ما جرى بساحة الأقصى من شتائم وبصق واهانات؟

في وقت انهالت التعليقات تأييدا للفيديوهات التي لا يمكن وصفها الا بالمخزية، لشبان وأطفال في ارجاء المسجد الأقصى وصولا الى أبواب البلدة القديمة وهم يبصقون ويلامزون ويسبون على رجل سعودي ينعتونه بصفات مشينة ويتهمونه بجريمة التطبيع، كانت قوات جيش الاحتلال ومنذ فجر ذاك اليوم تهدم وتفجر بعمارات ومساكن وصل عدده الى المئة لمواطنين فلسطينيين في قرية صور باهر البعيدة بضع كيلومترات عن البلدة القديمة في القدس.

مئة بيت تم هدمهم وتفجيرهم وتسويتهم بالأرض، ولم يرق الحدث المفجع الى اعلان اضراب في صباح ذلك اليوم.

تعليقات وتصوير وتغطية إعلامية تندد وترصد ولم يتعد وجود الناس هناك المئة بالإضافة الى العوائل المنكوبة.

في وقت تعد إسرائيل العدة لعمليات هدم أوسع واشمل في محيط القدس، أعظم إنجازات هذا الشعب المرابط كانت في بصق متعدد الجوانب من قبل أطفال فلسطينيين على سائح عربي.

ما جرى بالأمس من عمليات هدم لا يمكن وصفها الا بالإجرامية، و”عملية سب وبصق” لا يمكن وصفها الا بالهمجية، يؤكد للحكومة الإسرائيلية انها تستطيع ان تكمل في تنفيذ مخططها التهجيري بلا أي خوف او تهديد من ردة فعل تتجاوز ما حصل.

مخطط يتم تنفيذه بلا هوادة منذ مدة، وبدأت بوادر انهائه وشيكة، يجري تزامنا مع مخططات لتهجير السكان من مختلف مناطق القدس يجري بسلوان. فلقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية مصادقتها على مشروع التليفريك، بعد افتتاح النفق المؤدي الى البلدة القديمة، ليمهد بهذا عدة خطوات قادمة لا محالة: هدم بيوت حي البستان وبيوت أخرى في سلوان، ومن ثم ترميم او تحويل او تأهيل منطقة السور ما بين باب المغاربة وباب الرحمة بينما يجهز الجسر المؤدي الى ساحة الأقصى ابتداء من ساحة البراق، من اجل خطوة حاسمة يتم فيها تقسيم المسجد الأقصى بساحاته المتاخمة لحائط البراق للمصلين اليهود. في خطوة ستكون طبعا الأولى بالاستيلاء الكامل على كل المساحة المشكلة لما نسميه بالحرم الشريف (المسجد الأقصى وقبة الصخرة والساحات)، لنعيش ما يعيشه اهل الخليل منذ ثلاثة عقود منذ تقسيم الحرم الابراهيمي.

مخطط إسرائيل لم يتغير منذ اللحظة الأولى، ولكننا نأبى ان نفكر لمسافة ابعد من انوفنا. حتى اننا لم نعد نرى اطلاقا.

ما يجري من ردة فعل على هدم البيوت مخزي، بقدر ردة الفعل على زيارة السعودي للأقصى.

لا نفكر ابعد من انوفنا…

ما قام به اشخاص من هجوم واعتداء على السعودي الذي تبين انه ضمن الوفد العربي الإعلامي الزائر لإسرائيل، خدم فقط الدعاية الإسرائيلية التي تروج منذ سنين على عدوانية الفلسطينيين وهمجيتهم في الوقت الذي لا يمارسون فيه الإرهاب! هؤلاء قدموا لنتانياهو ومن يخدمون اجندات الصهاينة دعاية على طبق من ذهب، سيستخدمونها لسنوات ضدنا: اعتداء على رجل عربي (يسير بزي عربي لا يمكن تمويهه) بينما يحاول او يريد الصلاة في المسجد الأقصى!

لا يهم من هو الرجل، ولا يهم حبه لإسرائيل، ولا يهم صوره التي تم نشرها وهو في الكنيست وراءه العلم الإسرائيلي. ما يهم هو ما قدمناه لهذا الرجل ومن يتابعه ومن سيسير على خطاه من عرب لدعاية تؤكد أسباب حبه لإسرائيل وديمقراطيتها وتشجيعه لزيارتها، وأسباب كره وحقد جديد على الفلسطينيين الذين كافأوا الزائر العربي بهكذا وحشية.

الا نستجدي نحن الفلسطينيون دائما العرب بقولنا يا قدساه؟ الا نربط تاريخنا بهذه المدينة مع اسلاميتها ومع مبدأ قداسة مسرى الرسول الذي يحتضن أولى القبلتين وثاني الحرمين بالنسبة للعالم الإسلامي؟

أليست القدس وقفا إسلاميا؟ منذ متى والاقصى حق لأهل القدس؟ منذ متى واهل فلسطين بهذه الهمجية. نحن شعب قبلنا مصافحة قتلتنا بعد أوسلو وحولنا عدونا الى صديق بجرة قلم بتفاهم لا اتفاق!

بدأ الحجاج اليوم بالخروج الى السعودية استعدادا للحجيج. ألم يفكر هؤلاء المعربدين والمؤيدين والمنصرين والمنتصرين لشتيمة الرجل بالزي العربي ان هذا الفعل قد يؤثر على الحجاج الفلسطينيين؟ على السكان الفلسطينيين في السعودية والخليج؟ الم نتعلم بعد من درس الكويت؟ الا يكفي الفلسطينيين في الشتات ما يعيشونه من ترهيب وتهديد في لقم العيش. الا نرى ما يجري في لبنان؟

في وقت تتصفى فيه هذه القضية، التي كانت ولا تزال القضية الاحق في هذا الزمن والاجدى دفاعا عنها لأنها مبنية على الحق. حق أصحاب الأرض. بين قيادة فلسطينية خنعت للاحتلال وبين زعامات عربية تنتظر بشغف التطبيع مع المحتل. بين ظلم لا يتوقف وهمجية لاحتلال لم يتوقف عن محاولته تصفيتنا عرقيا ومن الوجود في أي فرصة. في وقت نفقد فيه التعاطف الدولي والعربي في ظل حكومات عالمية وإقليمية تتجه نحو الصهاينة، نخرج للعالم بصورة همجية تؤكد ” حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

كاتبة فلسطينية

الفيديو

تابعونا على الفيس