اتفق قادة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي على إقامة صندوق طوارئ حجمه تريليون يورو من أجل المساعدة في جهود التعافي من جائحة فيروس كورونا.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد لقادة الاتحاد إن الجائحة قد تخفض ناتج منطقة اليورو بين 5 و15 بالمئة، حسبما ذكره مسؤولون ودبلوماسيون.
ومن المتوقع، بحسب استطلاع أجرته "رويترز"، أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو 5.4% هذا العام، وهو ما سيكون أسوأ أداء اقتصادي منذ طرح العملة في 1999، لكنه سيكون رقما أفضل من أحدث توقعات لصندوق النقد الدولي، والتي تشير إلى تراجع بنسبة 7.5%.
في الإمارات؛ قال المصرف المركزي إن البنوك التجارية استخدمت 30 مليار درهم (8.17 مليار دولار) من "تسهيل سيولة" حجمه 50 مليار درهم استحدثه البنك المركزي لاحتواء تداعيات تفشي فيروس كورونا.
وكان البنك المركزي أطلق إجراءات لدعم رأس المال والسيولة قيمتها 70 مليار دولار في إطار برنامج يرمي إلى تنشيط الاقتصاد في خضم جائحة كورونا.
وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قالت إن الدين العام في السعودية سيصل إلى 19% من إجمالي الناتج المحلي هذا العام، فيما سيرتفع إلى نحو 27% في العام المقبل، مضيفة أن "مخاطر الائتمان ربما تهدد السعودية في الفترة المقبلة؛ على غرار دول مثل الهند وروسيا وإندونيسيا".
بدورها، تكبدت صناديق الثروة السيادية الأضخم في العالم خسائر بنحو 67 مليار دولار منذ بداية العام بفعل تأثير أزمة فيروس كورونا على أصولها.
وكان معهد التمويل الدولي قال في تقديرات له الشهر الماضي، إن صناديق الثروة السيادية الخليجية قد تشهد أصولها انخفاضاً بمقدار 296 مليار دولار بنهاية العام الحالي؛ في خسائر سيأتي معظمها من تراجعات سوق الأسهم، والبقية من تصفيات تقوم بها الحكومات بسبب حاجتها إلى السيولة.
هذه حزمة أخبار سريعة جديدة تتصل بالواقع الاقتصادي الدولي، كلها قبل الانهيار الأخير في أسعار الخام الأمريكي، بينما بدأت أكثر الدول الغربية في إعادة النظر في إجراءاتها المتعلقة بمواجهة كورونا، بعد التدهور الكبير في الواقع الاقتصادي. وها هو ترامب يتصدر هذه الموجة؛ هو الذي كان الانتعاش الاقتصادي مادة دعايته الأولى.
لم يكن الوضع الاقتصادي العالمي بخير قبل كورونا وتدهور أسعار النفط، فملامح الركود كانت واضحة
والمخاوف أكبر من تداعيات الحرب التجارية بين أمريكا والصين، لكن التطورين الجديدين ما لبثا أن تركا آثاراً مدوية لن تتوقف تداعياتها سريعاً.
وإذا تذكّرنا واقع الصراع الدولي المحتدم من أجل تحديد موازين القوى الجديدة في القرن الحالي، ووضوح الميل إلى تعددية قطبية (وليس ثنائية صينية - أمريكية كما كان الحال بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا)، فإن ما يجري سيضفي مزيداً من الإثارة على الصراع، إذ سيتقدم البعض، فيما سيتراجع آخرون؛ إن على الصعيد الدولي، أو الإقليمي، لا سيما أن تداعيات كورونا وانهيار أسعار النفط قد أصابت المحاور الإقليمية أيضاً، وفي مقدمتها السعودية وإيران، بجانب تركيا (من كورونا تحديدا). والحال ذاته ينطبق على بقية الدول العربية؛ المصدرة للنفط وفي مقدمتها الجزائر (مع دول الخليج طبعا)، أو غيرها من ذوات الوضع الاقتصادي المحدود.
هذا على مستوى الدول، لكن خسائر الأثرياء كانت رهيبة على صعيد الأفراد والشركات أيضاً، إذ بلغت التريليونات. ولنتخيل أنه حتى منتصف آذار فقط، خسرت أكبر خمس شركات تقنية في العالم، وهي أمازون وآبل وألفابت (الشركة الأم لغوغل) وفيسبوك ومايكروسوفت؛ ما قيمته 416.63 مليار دولار!!
صحيح أن لا مجال للمقارنة بين وضع الأثرياء، وبين من يعيشون على ما بين دولار و5 دولارات في اليوم، والذي عانوا وسيعانون أكثر جراء كورونا، وتدهور أسعار النفط، والبطالة وترحيل العمالة من بعض الدول تبعاً لذلك، إلا أن الأمر سيبقى متداخلاً؛ ما لم تتم إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية برمتها، والتي تحابي الأثرياء على حساب الفقراء، سواءً في البعد الدولي الأهم ممثلاً في سطوة الدولار الأمريكي (فرض العقوبات على الخصوم والأعداء)، أم تمثل في النظم المحلية المتعلقة بالتشغيل والضرائب.
هي إذن مرحلة تاريخية مفصلية، تتلخص في صراع دولي محتدم لتحديد موازين القوى الجديدة، وصراع إقليمي يمثل نزيفاً هائلاً لأطرافه
وتزامن كل ذلك مع جائحة كورونا، ومعها وتبعاً لها انهيار أسعار النفط، وستتبعها قضايا الذكاء الاصطناعي وتطورات ومفاجآت كثيرة لا يمكن رصدها بسهولة؛ ستفرض أسئلة صعبة على الإنسان.
هي "مدافعة" تاريخية؛ إما أن تأت بخير للمستضعفين، وإما أن تفتح الباب أمام صراعات طويلة؛ داخلية وخارجية سيدفع الجميع ثمنها، لكننا نميل إلى التفاؤل، ولو في المدى المتوسط، لأن سنّة المدافعة "الربانية"، كانت دائماً من فضل الله على العالمين.