مضت نحو عشرة أيام على صدور تعليمات الحجر المنزلي في الأردن، قضيت تلك الفترة ملتزما بالمكوث في البيت، والقراءة والكتابة، وأحيانا بالطبخ، فقد حضرت عجينة الفلافل، فأنا من المغرمين بهذه الأكلة، وأعددت بعض الحمص المنزلي، والفول أيضا، وأبعد مكان وصلته هو الحديقة المنزلية. ومن وقت لآخر أدير مفتاح تشغيل السيارة حتى أحافظ على لياقة بطاريتها! وقد أحركها قليلا في "كاراج" البيت، وأحرص كثيرا على تنفيذ التعليمات الحكومية بالتزام شديد..
المكوث في البيت يتيح فرصة للتأمل، وربما إعادة النظر في كثير من المسلّمات. بصراحة، أهم تغيير حدث في مفاهيمي أنا تحديدا، أنني لم أكن أثق بأي إجراء حكومي، لكن الأزمة أعادت لي كثيرا من الثقة بالحكومة بسبب إجراءاتها الاحترافية لمواجهة الأزمة!
تركزت قراءاتي خلال هذه الفترة على طلب المزيد من المعلومات عن كورونا والأمراض المشابهة التي ضربت البشرية تاريخيا، والأثر الذي تركته في دورة حياة البشر، طبعا إضافة لمتابعتي الحثيثة لكل ما يصدر عن المرض. قرأت كتابا طريفا (ومرعبا في نفس الوقت!) بعنوان: "الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة"، وهو كتاب الكتروني، مجهول المؤلف، وهو يتحدث عن طريقة السيطرة على الكرة الأرضية عموما، وشعب الولايات المتحدة بشكل خاص، عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية، وكيفية التخلص من "الأحمال الزائدة!" من البشر، خاصة كبار السن والمتقاعدين، لأنهم لم يعودوا منتجين. وقد عثرت عليه وأنا أبحث (بدافع من عقلية المؤامرة!) عن سبب تفشي كورونا، وكيفية إنتاجه!
المثقف دوره تنويري في المرتبة الأولى، وهو داعم وجندي في أي جهد يستهدف إنقاذ البشر ومجتمعه على وجه الخصوص، وزيادة مناعة مجتمعه في مواجهة الكوارث، وبث روح التفاؤل والطاقة الإيجابية، وبوسعه أن يفعل الكثير لدى قرائه وتابعيه، لأنهم يثقون به وبآرائه، ومع هذا يحتاج لمن يشد عضده ويبعث التفاؤل في حياته، بل قد يضطر في سبيل بث روح جميلة في نفوس قرائه، إلى إخفاء بعض المعلومات المرعبة عن المرض، خاصة أهل بيته!
في بداية "الاعتقال المنزلي" كنت أزود أهل بيتي بأي معلومات تصلني عن تطورات المرض، فيما بعد قالوا لي إنني أبث فيهم طاقة سلبية بأخباري، ولهذا كففت عن هذا، حتى لو سألوني!
-2-
حينما أتذكر أنني مجرد فرد من نحو ثلث سكان الأرض (نحو ثلاثة مليارات!) ممن حبسوا أنفسهم في الحجر المنزلي، طوعا أو كرها، أشعر بكثير من السلوى، فأنا لست وحدي، فضلا عن أني عشت تجربة حظر التجول غير مرة. بالنسبة لأبنائي ومن هم في سنهم، هم يعيشون التجربة للمرة الأولى، أما أنا فقد عشت حظر التجول مرارا عديدة في فلسطين، التي لم تزل تعيش تجربة الحظر والإغلاق والحصار بين حين وآخر. المفارقة هنا أن ما عانته فلسطين طيلة عقود طويلة، ها هو نصف سكان الأرض يتذوقون طعمه. بالمناسبة، لفت نظري وأنا أطارد سيل الأخبار التي تتحدث عن المرض وسلوكيات البشر وهم تحت تأثيره، فيديو لعدد من جنود الاحتلال وهم يتجولون في مدينة الخليل المحتلة، وهم يبصقون على أبواب الخلايلة في محاولة منهم لنشر الفيروس، أو هكذا بدا الأمر، علما بأن فيروس الاحتلال أشد لؤما ووحشية وإجراما من فيروس كورونا. هذا السلوك الاحتلالي يظهر جانبا من "طهارة السلاح!" التي يتغنى بها إعلام الاحتلال!
-3-
آخر صرعات محاولات تفسير ما يحدث في العالم، فيديو لشخص لا أعرف ما وزنه من الإعراب، يحاضر في مجموعة من الناس ويقول إن ما يسميه الناس "فيروس" كورونا، ما هو إلا ذبذبات كهربائية ناتجة عن تشغيل الجيل الخامس من شبكات الهواتف الخلوية ((5G، ويستدل على هذا بقوله إن المرض بدا في مدينة ووهان الصينية لأن تشغيل هذا النظام بدأ فيها!
ثمة كم هائل من الأخبار والتحليلات المرئية المسموعة والمقروءة، تحاول (تحت تأثير عقلية المؤامرة) أن المرض مجرد صناعة بشرية (وبعضها يقول إنه ليس فيروسا بل غاز السارين السام). سيمر وقت طويل جدا قبل أن نعرف الحقيقة، وسيموت عشرات الآلاف من البشر بسبب هذا المرض، ولكن ما هو مؤكد اليوم أن هذا الكابوس كشف عن هشاشة ما يسمونه العالم الأول، وكذب منعته، فالكارثة نكلت حتى الآن بهذا العالم على نحو مخيف، أما دول العالم الثاني والثالث، فهي أقل تأثرا به لأسباب غير معروفة أو غير محسومة حتى الآن، فضلا عن استعدادات بعض الدول (ومنها الأردن مثلا) كانت أفضل بكثير من استعدادات دول كبرى، ربما يعود هذا لرغبة بعض الدول الغربية بالتخلص من "حمولتها الزائدة!" من كبار السن غير المنتجين، والذين يرهقون النظام الصحي، كما يقولون، خاصة وأنهم يشكلون في بعض دول أوروبا مثلا نحو ثلث السكان!
أمام العالم عدة أسابيع أو أشهر، (وربما سنوات!) ليفيق من هذا الكابوس، وما هو مؤكد أن عالم ما بعد الفيروس سيكون مختلفا تماما عما كان قبله!
-4-
من المفارقات العجيبة التي كشفتها أزمة كورونا عظمة الإسلام بالاهتمام بالطهارة والنظافة الشخصية، كان هذا الموضوع في وقت ما مدار تندر العلمانيين ومناهضي الدين، باعتباره موضوعا يبعث على السخرية، أما اليوم فأصبح قارب نجاة للبشرية من خطر فيروس كورونا، وأصبحت الأدبيات الإسلامية في النظافة بروتوكولا دوليا لمواجهة المرض، علما بأن كل كتب الفقه الإسلامي تبدأ بـ"باب الطهارة" أو "كناب الطهارة"، فالحمد لله على نعمة الإسلام العظيم!