ريما العيسى
كان شعور أوروبا والغرب الرأسمالي بتفوقه العرقي والجسدي أحد أهم العوامل التي جعلت الدول الغربية تتأخر في مواجهة الأزمة. حيث شاهدنا العنجهية الأوروبية في التعامل مع إغلاق الحدود من طرف واحد، ذلك أن مثل هذا العمل هو حكر على الرجل الأبيض الذي يمكنه غلق حدوده في وجه اللاجئين القادمين من العالم الثالث متى شاء وبأي طريقة كانت.
ربما تراخت الصين بداية في الاستجابة لتطورات الفيروس المستجد ثم عادت ولمملت الموقف وعالجته بإجراءات حازمة وخطة عمل مكنتها أخيرا من السيطرة عليه. ووقف الغرب الرأسمالي متفرجا على ما يجري في الصين ومشغلا آلته الدعائية في تشويه صورتها لا بل وصل الأمر بالولايات المتحدة إلى محاولة اقتناص فرصة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الصين لاسترداد شركاتها العاملة هناك من منطلق أمريكا أولا على أمل إنعاش اقتصادها وعلى أمل تهاوي الاقتصاد الصيني.
التسمية ودلالاتها
أنطلقت حرب التسميات في وجه الصين حيث دعى ترامب الفيروس باسم الفيروس الصيني في حين دعاه نائبه باسم فيروس ووهان. واللغة سلاح لا يمكن تجاهله. فقد بات الوباء نصا خاضعا للتسمية والتأويل وتحديد هويته وجغرافيته حتى. حيث منح الفيروس من خلال التسمية معنى جديدا له أبعاد سياسية أيديولوجية في الخطاب الأمريكي المهيمن. أي أن التسمية ليست مجرد عمل سلبي بل باتت تدخلا عنصريا واضحا في تحديد الخطر أو الآخر، ويسهم الذين يعيدون ترديد التسمية بما يفيد المصالح السياسية الامبريالية في تصنيف الآخر وفي مواجهته.
الاستعمار والوباء
للغرب الاستعماري تاريخ طويل في نشر الأوبئة والأمراض في المستعمرات وإفريقيا على وجد التحديد منذ مطلع القرن العشرين بل وربما منذ استعمار القارة الأمريكية الجنوبية. فقد أدى تغيير المشهدية والأرواح من حيث تفكيك الأساليب الزراعية والنظم الاقتصادية القائمة وتجريف القرى والأراضي الزراعية كنهج استعماري إلى المجاعات والأوبئة التي اجتاحت القارة الإفريقية.
وقد منع الأفارقة من استخدام طرقهم الأصلية في العلاج بحجة بدائيتها حيث كان السكان الأصليون يسيطرون على محيطهم بوسائلهم وطرقهم الخاصة التي أثبتت نجاعتها على مر الزمن. لكن الاستعمار اعتبر أن السكان المحليون غير قادرين على العناية بأنفسهم نظرا لجهلهم وتخلفهم الثقافي وضعف الجينات لديهم مما قاد إلى انتشار الأوبئة بينهم وليس الممارسات الامبريالية. وركز المستعمِر أنظمته الصحية في المدن التي تواجد هو فيها وذلك خوفا من انتقال الأمراض إليه. ثم باندحار الاستعمار سحبت الممارسات والدعم الصحي الذي وفره المستعمِر أثناء وجوده من تحت أقدام الشعوب وترك المستعمَر لمواجهة الأمراض بدون غطاء.
ولكن كشفت سرعة تفشي فيروس كورونا في الغرب ضعف منظومته الصحية وزيف إدعاءاته حول تفوقه العرقي وجهل شعوب العالم الثالث وتخلفها. آخذين بالاعتبار أن الوباء قد وصل العالم الثالث عن طريق أوروبا وليس الصين.
الأخلاق والمصالح الفردية والاحتكار الرأسمالي في زمن الأزمات
وقد طغت المصالح الفردية في الدول الغربية على كافة الجوانب الانسانية للأزمة. وأثبتت هشاشة الاتحاد الأوروبي في مواجهة أول كارثة طبيعية تصيبه. فتركت إيطاليا لمواجهة مصيرها وحيدة، لا بل منعت عنها الأجهزة والمعدات وكذلك باقي الدول الأوروبية سواء ضمن الاتحاد الأوروبي أو خارجه مثل صربيا، حتى أن الأخيرة استغاثت مستنجدة بالصين إلى جانب نقد رئيسها اللاذع للدول الغربية، وكذلك فعلت إيطاليا وغيرها من الدول. وقد تجلى التعامل اللاأخلاقي الغربي مع بعضه بعضا كما رأينا في محاولات احتكار العقاقير واللقاحات التي يجري العمل عليها وذلك في سباق محموم للاستحواذ عليها كل لنفسه وحجبها عن باقي دول العالم.
كما رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات عن إيران التي تمر بوقت عصيب في مواجهة الأزمة نتيجة لهذه العقوبات، لا بل أن أمريكا زادت منها مؤخرا، ولم تستطع الدول الغربية أو أنها بالأحرى لا ترغب في كسر القيود الأمريكية بالرغم من الكلام الإنساني الذي ينثر هنا وهناك.
وقد كان من الواجب على الغرب الرأسمالي اتخاذ التدابير اللازمة والبحث عن عقاقير ولقاحات منذ تفشي السارس في 2003. ويعود هذا الأهمال الغربي إلى التخوف من عدم وجود طلب فوري على مثل هذه اللقاحات والعقاقير حيث أن الربح المادي الفوري هو الهم الأول والأخير لشركات الدواء الغربية الكبرى.
الأخلاق البديلة
في مقابل انعدام الأخلاق في الغرب الرأسمالي برز التعامل الإنساني في الوجهة المقابلة. حيث قامت الصين بالرغم من الهجوم الغربي عليها وكافة محاولات التشويه، بمد يدها للمساعدة أينما دعت الحاجة إليها. فقد وقفت إلى جانب إيران في محنتها واستجابت لاستغاثات الأوروبيين بدء من إسبانيا وإيطاليا وصربيا وصولا إلى إفريقيا والعالم العربي. حيث مدت الجميع بالأجهزة والمعدات والعقاقير والطواقم والبعثات الطبية.
ونفاجئ إذ نرى إلى جانب الصين العملاقة كوبا – تلك الدولة الاشتراكية الصغيرة في الكاريبي والتي تمتلك أحد أفضل المنظومات الصحية في العالم إن لم يكن أفضلها على الأطلاق. طورت كوبا عقارا في زمن السارس وتم إنتاجه بالتعاون مع الصين. وقد أثبت فعاليته في مكافحة الكورونا الحالية. كما يجري حاليا العمل في كوبا على إنتاج لقاح مضاد للكورونا. وتعمل كوبا جنبا إلى جنب مع الصين في نشر طواقمها الطبية وخبراتها في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا. أبرزت أزمة الوباء الوجه الحضاري والإنساني للصين وكوبا اللتين ترفعتا عن احتكار المعدات والأجهزة والعقاقير وحتى الخبرات لا بل بادرتا بتبادلها ومنحها لمن يحتاجها.
العالم الثالث والخيارات
إن الفقراء والطبقة العاملة والطبقة الوسطى هي الأكثر عرضة للأصابة بالفيروس القاتل. وإذا استمر العزل العالمي والإغلاق ومنع التجول لفترات طويلة فإنها من سيدفع ثمن كافة التداعيات الاقتصادية القادمة من الفقر المدقع إلى الموت جوعا. إذ ربما يفلت البعض من الخطر الأول ولكن هل يستطيع الإفلات من الثاني؟ إنها مسألة وقت ليس إلا. فالأثرياء لا يعيشون في أماكن مكتظة سكانيا وأقل عرضة للوباء، ومن السهولة بمكان أن يعزلو أنفسهم ذاتيا ولفترات طويلة. ولكن يستحيل العزل الذاتي على من يتقاضون رواتب شهرية وأجورا يومية لا تصلهم في حال لم يزاولو أعمالهم.
هذا يستدعي خططا سريعة من جانب كافة الدول لتدارك المآسي القادمة لا محالة ومنح العاملين والفقراء المزيد من الحقوق والمصادر والرعاية الصحية المجانية عدا عن الإجازات المرضية الطويلة المدفوعة الأجر. فالإنسان واحتياجاته هو الهم الأول والأخير.