ربى يوسف شاهين
من الواضح أن المُتابع للسياسة التركية بات يُدرك جيداً، أن ما تقوم في العلن ليس هو ما يطبق على الأرض، والأمثلة كثيرة؛ مثلاً حادثة سفينة مرمرة لمؤازرة غزة المحاصرة، وما حدث لطاقمها، وكيف تعامل النظام التركي مع إسرائيل التي يدعي عداؤه لها، حتى انسحاب النظام التركي من اجتماع يخص الأمم المتحدة في مشهد الرافض للاحتلال الاسرائيلي وحصاره وتهويده للقدس. ولست هنا بصدد تبيان الحوادث بالتفصيل، ولكن خدمة لتعزيز الرأي مع ما يحدث في السياسة التركية بالنسبة للحرب على سوريا، والملفت ان النظام التركي لا يقوم بتمثيلية التباكي على المدنيين في إدلب واللاجئين السوريين، فتناشده بذلك قوى الغرب لتطويع الأمور الإنسانية، التي فرضتها الحرب على سوريا، كأجندة لإعلان إمكانية انضمام حلف الناتو الى المعركة في إدلب.
فماذا يعني اتفاق موسكو وأنقرة الأخير؟
سنوات تسع مرت على الحرب في سوريا، وباتت الحقائق جليّة امام الرأي العام الدولي، إلا ان التطورات التي حصلت في الشمال السوري، والتي استطاع فيها الجيش العربي السوري والحليفين الروسي والإيراني من تحقيق مكاسب ادت إلى شلل واضح في تحركات الإرهابيين على الأرض السورية، وبالتالي استعادة المناطق الحيوية والجيوسياسية التي تعتبر مراكز أساسية للإبقاء على الاحتلال التركي عبر أدواته، فخسارة كفرنبوذة في وقت سابق، والتي تعتبرالفاصلة بين ريف إدلب وريف حماه وباب الهوى والهبيط وصولاً الى سراقب ومعرة النعمان، هو اخفاق أدى إلى إشعال الإرهاب التركي وأدواته، لأن بخسارتها ستخسر تركيا نتائج عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، لأنها تعتبرهم انتصار محتل.
بنود اتفاق موسكو ما هي إلا استكمالا لمُخرجات أستانا وتفاهمات سوتشي في مكافحة الإرهاب، وتضمن الإتفاق إقامة منطقة آمنة على الطريق M4 (اللاذقية -حلب) ما بين سراقب وعين الحور بعرض 12كم، مقسمة بين شمال وجنوب الطريق، ولتقوم دوريات مشتركة من الوحدات الروسية والتركية بتأمينها، ولتكون أيضاً محطة مكملة لتنفيذ الاتفاقات السابقة التي أساساً لم يلتزم الجانب التركي بتنفيذها منذ بدايات دخوله كضامن للحل السياسي في إدلب، من هنا يُفهم مسار العمليات العسكرية التي قام الجيش السوري والحليف الروسي، وحققوا انتصاراتهم المتتالية حتى سراقب.
ومنذ اتمام الاتفاق في موسكو في 5/آذار مارس الحالي، بدأت المجموعات الإرهابية خروقاتها لتصل وبحسب وزارة الدفاع الروسية الى 38 خرقا، وكان أبرزها تدمير جسر بلدة محمبل غرب مدينة أريحا على الطريق الدولية M4، وذلك لإعاقة حركة الدوريات التي قرر تسييرها وفق الجانبين الروسي والتركي على الطريق الدوليةM4، وذلك ضمن اتفاق وقف الأعمال القتالية، فـ خسارة بلدة محمبل التي تربط الطريق M4 بمداخل سهل الغاب الشمالية، سيكون خسارة لآخر نقاط ارتكاز الإرهابيين في إدلب، وستكون المسبب في اندحارهم بالكامل إلى وسط مدينة إدلب المعقل الأخير لهم، حيث سيصبح الحل السياسي هو الاسلم لهم، ليتم ترحيلهم إلى بلدانهم، والتعامل مع من هم سوريين وفق القانون السوري.
روسيا قدمت عبر اتفاق موسكو الفرصة الأخيرة للنظام التركي لمتابعة دوره كضامن في عملية أستانا وسوتشي، وعلى ما يبدو ان التركي لن يلتزم بما توعد به كسابق عهده، وان الحل العسكري الآن هو الأسلم لتحرير ودحر الإرهابيين، وهو المحرك الفعلي لما تبقى في الشمال السوري، وإلى حين انتهاء المدة التي قررها الجانبين في الاتفاق والتي تُلزم النظام التركي بتطبيق البند الأساسي الذي تقوم عليه جميع الاتفاقات السابقة، سيبقى الحل العسكري في مقدمة الخيارات لدى القيادة السورية والحليف الروسي، فالمشاهد على الأرض هي التي تقرر مدى صوابية التعاطي التركي مع اتفاق موسكو، لتكون المرحلة التي تلي تحرير إدلب، إخراج جميع القوات المعتدية على الأرض السورية إن كانت الأمريكية أم التركية، وحتى يتم تحقيق السيادة على كامل اراضي الجمهورية العربية السورية.
كاتبة سورية