وجيدة حافي
أينما تذهب وتمد بصرك تجد فيروس كورونا يتصدر المشهد ويحتل الصدارة، الكل يتحدث عنه حتى الأطفال أصبحوا يُلقبون السيئ فيهم “بكورونا” فما السر وراء هذا الأمر يا تُرى؟ وهل كورونا سيبقى يأخذ حصة الأسد في المشهد اليومي والإعلامي أم أن شيئا سيتغير في قادم الأيام، في إنتظار ما ستُسفر عنه الأيام القادمة دعونا نتكلم عن سلبيات وإيجابيات هذا الداء في العالم، فهو أحدث زلزالا عميقا وشرخا كبيرا في كل المجالات صعب إصلاحه بسهولة وبدايتنا ستكون من:
1 ـ الإقتصاد: فهذا الفيروس أخلط كل الحسابات، وبين ضعف النظام الرأسمالي في مُواجهة الأزمات، كل إقتصادات العالم سقطت في الهاوية، البورصات أعلنت عدم قُدرتها على المُواجهة، والنفط إنخفض بسبب قلة الطلب عليه، السياحة تقلصت والدول التي كانت تعتمد عليها كمورد بدأت تقلق على حال إقتصادها، فهذا الفيروس الصامت أطاح بكل شيء وكل إقتصادات العالم تأثرت وضعفت ،طبعا الناجي من المعركة هم الدُول العُظمى كالصين وأمريكا، أما الباقي فستكون له تبعات سلبية على المدى القريب والبعيد، وستضطر كثير من الدول الفقيرة إلى الإستدانة من البنك الدُولي الذي كُلنا نعرف شُروطه المُجحفة والقاسية في حق الشعوب، ففيروس كورونا سيدفع العالم إلى أسوء إقتصاد منذ2009، حيث إمتدت الخسائر إلى الأسواق العالمية الأخرى مع هروب المُستثمرين من المخاطر ذات الأصول العالية واندفاعهم نحو البندات الآمنة كالذهب الذي سطع بريقه وسجل أعلى مُستوياته منذ العام 2013، فالصين كما هو معروف حجم مُساهمتها في الإقتصاد العالمي كبير جدا وتضاعفت إلى أربع مرات منذ عام 2003 عند ظهور وباء السارس، وظهور المرض عندها يعني تقلص حجم الرحلات وإنخفاض الطلب على البترول الذي وصل إلى 25 مليون دولار للبرميل، وإذا ما واصل هذا الفيروس إنتشاره ستتركز الخسائر في أسيا والمحيط الهادي الأقرب إرتباطا سياحيا وتجاريا بالصين،” فحسب موقع أكسفورد إيكومونكس” توقُعات النمو العالمي ستنخفض من 2,5 إلى 2,3 في 2020، خفض توقعات نمو الصين من 6 بالمائة إلى 5,4 ، فهل نحن على أبواب أزمة إقتصادية جديدة أخطر من تلك التي كانت في العام 2008، وهل سيصمد العالم وخاصة المُتخلف أمامها ؟ فكل العالم العربي كما نعرف مُّنهك ونصفهم خارج من أزمات ولولا المُساعدات وديون البنك الدُولي لسقطوا من الخارطة العالمية.
2 ـ السياسة: كوفيد 2019 كان فرصة لتأجيل الكثير من الإنتخابات والتشريعات، وبروز رؤوساء على غرار الرئيس الأمريكي الذي ترشح لفترة رئاسية ثانية عن حزبه الجُمهوري رغم كل ما قيل ويُقال عنه، وكل التُهم المُوجهة إليه والخارج منها كالشعرة من العجين، ففي فرنسا كوفيد 19 أسكت السترات الصفراء وأجل إحتجاجاتهم ومُطالبتهم ماكرون بالإستقالة، أما رؤوساء الدول العربية فللأسف كورونا لم يكن في صالحهم بل زاد من الضغط عليهم ووضعهم على المحك، فبالإضافة إلى مشاكلهم العادية جاء هذا الأخير وأفسد كل حساباتهم، مثل مصر التي تُعاني من أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، الإتهامات السياسية بين الأحزاب حدث ولا حرج فالحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب إتهم في الأول خصمه الديمُقراطي بالمُبالغة في الخوف من الفيروس في بداياته، وإتهام السعودية لإيران على نشر الفيروس عمدا في موسم العُمرة، والصراع بين الدول الكبرى وحلفائها، فمُجرد إختلاف في الرأي دفع بالسعودية إلى خفض إنتاجها من البترول لضرب روسيا في الصميم، وإرضاء أمريكا، لكن هذا القرار خلف خسائر لها وللعرب، أما روسيا فلم تتضرر كثيرا، وطبعا أمريكا هي الرابح الأكبر في القضية، ولكنه في نفس الوقت كان فال خير لبعض الملوك وعلى رأسهم الملك السعودي الشاب الذي غطى الفيروس على مُحاولة الإنقلاب التي حدثت منذ أيام في السعوية.
3 ـ المضاربة والتجارة: الجشع والسرقة موجودة في كل أنحاء العالم ولا فرق بين دولة وأُخرى، ففي عديد من الدول العربية والغربية تم إستغلال الوضع وبيع الكثيير من الكمامات لإعادة بيعها في السوق السوداء وبأثمان بهيضة، ونفس الشيء للمُعقمات والأدوية، أما الخضر والفواكه والمواد الإستهلاكية فهي كذلك لم تسلم، وإستغل الكثير من بائعيها الظرف وزادوا من أسعارها بحجة النقص، وطبعا الضحية الأول والأخير هو المُواطن البسيط في كل أرجاء العالم.
لكن في نفس الوقت كورونا هو فُرصة لإعادة بناء العلاقات الأُسرية والبقاء مع بعضهم البعض أطول فترة مُمكنة، كذلك علاقة الأباء مع أبنائهم التي تأثرت بفضل العولمة وخروج المرأة للعمل، فيا سيداتي في كل أنحاء العالم حاولوا أن تستغلوا العُطلة الإجبارية وتتقربوا من أولادكم، وترجعوا إلى أيام زمان وتُشاركوهم أفراحهم وأحزانهم، كونوا أباء وليس مُجرد روبوتات تأتي بالنقود للعيش، كوفيد 19 كذلك فُرصة للتوبة وللرجوع إلى الله، فشيء أقل من الذُرة فعل بنا ما لم تفعله الدبابات، فمتى نتعظ ونرجع لخالقنا ونستغفر ذنوبنا، في رأي الشخصي والمُتواضع فهذا القاتل الصامت كما أُسميه نظف شوارعنا وغير طريقة حياتنا التي من المفروض أن تكون هكذا وطول أيام السنة، فقد بين الكورونا كم نحن شعب غير نظيف، وظالم إتجاه بيئته التي بفضلنا تلوثت ولم تعد تستطيع التحمل، من إيجابيات هذا الفيروس كذلك هو إنتشار القراءة، فعوض قضاء كل الوقت أمام شاشات التلفزيون والموبايلات لما لا نقرأ ونتثقف، ونُسافر عبر الكُتب إلى كل بلدان العالم، وحتى الطرافة والتنكيت كانتا حاضرتان وبقوة، فكثير من النُكت والتعليقات الساخرة كانت ومازالت تملأ مواقع التواصل الإجتماعي في ظل هذا الحجر المفروض على سكان المعمورة، أما البعض فقد تخفى في صورة حيوانات وخرج لبعض الوقت حتى لا يتعرض للضريبة، على كل حال الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم، فلنتحد ولنتضامن، نُحاول التغيير كل حسب موقعه وقُدرته، رسالتي في الأخير ستكون للدول العربية وحكامها، فهذا الفيروس أبان عن كُره الآخر لنا وإستغلاله لثرواتنا، فهو يُحاول القفز على حسابنا كما تفعل أمريكا الآن، ولو أن الوباء إنتشر عندهم وليس عندنا، فحينها صدقوني ستزيد النظرة الدونية واحتقارهم لنا، لذا هي فُرصتكم سادتي للإتحاد وبناء أمة عربية قوية أساسها التعاون والمصلحة الجماعية، وإرجاع الثقة المفقودة بينكم وبين شُعوبكم، ولأن الفيروس مازال يحصد أرٍواح لا نملك إلا الدعاء فيارب قد مسنا الضر وأنت أٍرحم الراحمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
كاتبة من الجزائر