الكورونا يكشف العورات

جمعة, 03/20/2020 - 09:28

جميلة شحادة
بالرغم من أن موضوع “الكائنات الدقيقة” كان بالنسبة لطلابي مثيرا للفضول وحب الاستطلاع والبحث؛ الا انني كنت أجد صعوبة عند تدريسه لهم، لا بسبب صعوبة الأسماء لبعض أنواع البكتيريا او الفيروسات او الفطريات او الطلائعيات وحسب؛ وانما لأني كنت أتحدث عن عالم غير مرئي، اللهم الا الشواذ منه. واليوم والعالم يجتاحه وبأ بسبب فيروس كورونا (COVD-19)، أحد هذه الكائنات، لن اتحدث عن الوبأ من الناحية العلمية او الطبية، لأن المخوّل بالحديث عن ذلك هو طبيب مختص بالأمراض المعدية فقط، وليس غيره.
لقد كشف انتشار مرض الكورونا في العالم عن عورات الدول والأنظمة، لقد كشف لنا قسوة الأنظمة الديكتاتورية ولا انسانيتها، وهشاشة الأنظمة الديموقراطية وزيفها، وكشف لنا هيمنة الاقتصاد على السياسة والسياسيين. اليوم وشبح الموت يطارد سكان العالم وقد اودى بآلاف الأرواح حتى الآن، لا تهمني نظرية المؤامرة، واتركها لأصحابها وللمؤمنين بها، فأنا لست من أنصارها بكل الأحوال، وإنما انادي بالشك لنصل الى اليقين. لا يعنيني في هذه المرحلة مَن طوّر فيروس الكورونا مخبريا؛ أهُم حكام احفاد الفيلسوف كونفوشيوس، ام حكام احفاد العم سام أو غيرهم؟ لكن ما يعنيني هي أوراق التوت التي اسقطها فيروس كورونا عن عورات الأنظمة؛ حيث يموت المئات من الناس اليوم في دول أوروبية مثل إيطاليا واسبانيا وغيرهما ولماذا ؟ لأن أنظمة هذه الدول وأجهزتها لم تبعد رؤيتها عن آخر شبر من الحيز الذي تهيمن عليه، ورغم ديموقراطيتها وادعائها بتمسكها بالقيم الإنسانية، الا انها فشلت عند الامتحان الصعب؛ فعندما يضطر الأطباء في إيطاليا لأن يفاضلوا بين مريض وآخر، يفقدون بذلك انسانيتهم ويخونون قسم أبوقراط، وعندما يظل مواطن إيطالي يبكي اخته التي قضت بسبب وبأ الكورونا لأكثر من يوم دون ان يُسمح له بدفنها بسبب الحظر، ولم يأتِ احد من السلطات للقيام بذلك بدلا عنه الا بعد ان اسعفته التكنولوجيا المحوسبة وظهر في فيديو يبكي ويحكي مصابه، تكون الإنسانية قد أخذت إجازة وغابت عن الناس في زمن الكورونا؛ وعندما يقرر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اتباع مناعة القطيع التي تقضي بأن يصاب بالمرض 60% من الشعب البريطاني للتعامل مع وبأ الكورونا في بلده ويخبر الناس أن عائلات كثيرة ستفقد أحباءها بفيروس الكورونا؛ فلنقرأ الفاتحة على الإنسانية.
اما الطرح الأصعب فهو عندما تحكم الشعوب أنظمة ديكتاتورية؛ فاليوم هناك من يهلل للصين لأنها استطاعت ان تحتوي المرض بعد أكثر من شهرين وموت الآلاف؛ لكن هؤلاء قد غابت عنهم معاناة الشعب ولا سيما انه تم التعتيم على الكثير من الممارسات غير الإنسانية التي مورست على الأفراد لاحتواء المرض. قد يقول قائل: وما السيء في ذلك اذا كانت النتيجة جيدة، وبالذات عندما أبدت الصين مهارتها وعظمتها التكنولوجية والاستراتيجية للعالم؟ حسنٌ؛ ولكن ماذا عن الأنظمة الديكتاتورية المتخلفة التي تفرض التعتيم على كل ما يتعلق بانتشار المرض في بلادها وكيفية التعامل مع المرضى؟ مَن يضمن ان هذه الأنظمة لا تفرض حجرا صحيا على كل المرضى والمشكوك بإصابتهم بالمرض في أماكن بعيدة ومعزولة دون تلقي العلاج اللازم، ويتركونهم يعيشون ظروف لا إنسانية، فتسرع في القضاء عليهم، ولا عين تشوف ولا قلب يحزن؟ أخشى ما اخشاه ان تتعامل هذه الأنظمة كما وصف الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو تعامل السلطات مع وبأ “العمى” في روايته الشهيرة العمى.
لقد كشف مرض الكورونا أنه ليس الجميع متساويين امام العدو غير المرئي، وكيف يكون الجميع متساوون في الوقت الذي لا تملك الافراد التي تعاني من الفقر والقهر او اللجوء بيتا يأويها عندما يُفرض على الجميع بأن يلزموا بيوتهم منعا لتفشي المرض؟! وهل الجميع متساوون عندما تلزم عائلة مباركة الأولاد بيتها ورب هذه العائلة عنيف او مدمن على المخدرات او الكحول ؟ وهل الجميع متساوون عندما تجبر لقمة العيش العامل الفلسطيني لان يتغيب عن اسرته لمدة شهرين او اكثر في فترة صعبة كهذه؟! ان الأمثلة التي تثبت ان البشر في ازمة الكورونا غير متساويين كثيرة ومتنوعة، غير اني اكتفي بما جئت به لأصل الى خلاصة القول بأن وبأ الكورونا اول ما يسحق، يسحق الضعيف وبأنه ما كان ( الكورونا) ليسدل غيومه السوداء على الأرض، لو كانت هناك أنظمة ديموقراطية، وتحكم العالم قيادات عادلة تحتكم إلى مصلحة البشرية والقيم الإنسانية والأخلاقية، لا المادة التي تجعل الأقوياء وأصحاب النفوذ يلهثون وراء الأرباح والسلطة.
كاتبة من الناصرة

الفيديو

تابعونا على الفيس